كريتر نت / كتب- *سالم فرتوت*
وألقينا القبض عليه .. تلقى معارفة النبأ دهشين : (هل يمكن أن يكون هو ؟) فأسمعتهم إجابتي القاطعة : (نعم لقد أعترف).
كان في الستين من عمره نحيلاً طويلاً طيباً الى حد السذاجة – كما يحلو لنا ان نعبر احياناً – على مدى سنين عمره لم يمد يده لكل ما ليس له فيه شيء ثم انه امرؤ تقي يخاف الله لكنه فعلها أخيراً جاء الى المرفق الذي يعمل فيه فراشاً بعد ان جاوز الليل منتصفه لعلمه ان الحارس في تلك الاثناء لا يؤدي واجبه كما ينبغي .. فتح الباب الرئيس تسلل بحذر الى حجرة خزانه الفلوس , عالج قفل باب الحجرة باداه حديدية حتى اصبح القفل دون ذات جدوى ثم وجد نفسة يعالج قفل خزانة الفلوس التي هي عبارة عن صندوق خشبي وسرعان ما صارت يده على النقود المودوعة في ذلك الصندوق .
وفي الصباح تسلمنا بلاغاً من ذلك المرفق المسروق بالحادثة فشرعنا بالتحريات قبضنا على عدد من المشتبه بهم ومن ضمنهم الفراش الذي اطلقنا سراحه لاستبعادنا مجرد الافتراض انه يمكن ان يسرق كما اننا ما لبثنا ان أطلقنا سراح بقية المشتبه بهم بعد ان تأكدنا من براءتهم, واعدنا التحري من جديد فتوصلنا الى السارق الحقيقي الذي اعترف بفعلته وعما قريب سنحيله الى المحكمة .
ولكن ثمة من يعترض ويلح علي أنا بالذات لإخلاء سبيل الرجل : (لماذا ؟) وجاءني الجواب استهانة ليس بالمبلغ المسروق وقدرة مائة الف ريال , وانما بي أنا ضابط المباحث الذي قطعت على نفسي عهداً بتعقب لصوص المال العام , قال لي صديق حميم : (ما بك يا رجل ؟ ألم تجد شخصاً تزايد عليه غير بلال , هناك من يسرقون الملايين .. حاسبهم هم أولاً ؟ .. ام انك تود رشوة حتى من بلال ؟!) في البيت , في الشارع في مجالس الاصدقاء كان ذلك الإلحاح بإخلاء سبيل بلال بالمرصاد لي . أبي , وأمي , واخواتي وزوجتي الجميع يحثونني على أن أميع القضية ولكن هيهات ان احد أقاربي إذا ما مد يده للمال العام لما خنت واجبي من أجله , قال لي الوسطاء : (دعك من المزايدة الكل لصوص) .. الكل لصوص جملة تتردد في مسمعي كل يوم .. لم يبق إلا ان ننشر يافطات في الشوارع تقول : (إذا أردت ان تسرق فاسرق .. لا تسرق الا المال العام) بلال نفسه قال لي مثل ذلك الكلام , وقد انفردت به في حجرة كل ما فيها يثير الخوف ها هو أمامي الأن , في هذه الساعة المتأخرة من الليل قدمت له فنجان شاي وانا اقول : (تفضل ياعم بلال هاك الشاي , اشرب ولا تخف انت فقط قل الحقيقة وسنطلق سراحك) فأجابني قائلاً : (أية حقيقة يابني ؟) .
قل لنا كيف سرقت فلوس مرفقك ؟
لست أنا .
الافضل لك ان تعترف وإلا سنحيلك للمحكمة وهنك سيقطعون يدك , فزل لسانه قائلاً : (اقطعوا ايدي الجماعة أولاً) .
هأ انت تعترف بانك مشترك مع جماعة .
رفع عينين ساذجتين إلي ليقول : (أنت لست غشيماً يا بني) .
حدجته دون ان اسمح لحالة الرأفة التي استجدت في قلبي عليه أن تقفز إلى ملامح وجهي : (هاه .. عرفت من تقصد وهذه تهمة أخرى أوجهها لك) .
رفع نظره إلى ثانية وقال : (لست انا من يقول ذلك) .
إذن من يقول ذلك ؟ .
الناس كلها تقول , أين انت يا رجل؟ فحيثما حللت ستسمع كلاماً مثل الناس كلها تسرق هذه الايام والحكومة ساكتة عنهم .
طيب وما دخلك انت في الناس الذين يسرقون ؟ .
انا لم أسرق .
بل سرقت .. وباغته بحقائق استطعنا الحصول عليها بطرقنا الخاصة , ارتبك ولم اتح له الفرصة ليسيطر على ارتباكه , إذ أمعنت في الاتيان بمزيد من الحقائق ضاعفت من ارتباكه ولأنه صنف من الناس ممن لا قدرة لهم على الصمود ازء أساليبنا الخبيثة سرعان ما انهار وراح ينشج معترفاً : (نعم انا سرقت في آخر عمري) .
ولماذا ؟
اريد ان ابني بيتاً لأولادي .
ورحت تسرق .
قلت لك الناس كلها تسرق لماذا انا بالذات ستحاسبونني ؟
انت وكل من يسرق المال العام ينبغي ان تقطع أياديكم) , وهنا فأجاني بلال بان صاح بي : (اقطعوا أيدي الجماعة أولاً ثم تعالوا يا سادة واقطعوا يدي كاملة).