كريتر نت / صحيفة العرب
يخفي خطاب المكابرة والتحدي للمسؤولين الإيرانيين مسعى للتهدئة وتجنب المأزق الذي بدأ يحاصرهم من كل النواحي مع تشديد العقوبات الأميركية بشكل غير مسبوق ودفع واشنطن بقوات إضافية نحو الخليج، وهو وضع يعيد إلى أذهان الإيرانيين صورة حصار العراق في تسعينات القرن الماضي.
وفي وقت بدأ الإيرانيون فيه يرسلون إشارات استعطاف واستدعاء أزمة الغذاء والدواء لعراق التسعينات، طرح الحوثيون بشكل مفاجئ “مبادرة سلام” مع السعودية، ما اعتبره مراقبون للشأن اليمني رسالة إيرانية طُلب من الحوثيين أن يبادروا بها لتهدئة غضب السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة التي فاجأت إيران بعقوبات قاسية وبتحركات جدية.
واستمر الحرس الثوري الإيراني في رفع سقف التهديدات وخطاب التحدي، فقد حذر قائد الجهاز اللواء حسين سلامي، السبت، من أن أي دولة تهاجم بلاده ستصبح “ساحة المعركة الرئيسية” في النزاع.
لكن وزير الخارجية محمد جواد ظريف الموجود في نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة سعى لإظهار صورة معاكسة تماما لخطاب الحرس الثوري، حين قال إن “الولايات المتحدة تحاول منع الإيرانيين من الوصول إلى الغذاء والدواء”، في محاولة واضحة لاستعطاف العالم والإيحاء بتكرر مأساة جديدة كتلك التي شهدها العراق في التسعينات، والدعوة إلى الحيلولة دون تجدد تلك المأساة.
وجاء استعطاف ظريف بعد أن أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، الجمعة، إرسال تعزيزات عسكريّة أميركيّة إلى الخليج بعد الهجمات التي استهدفت منشأتَي نفط سعوديّتين منذ أسبوع.
ولم يتمّ بعد تحديد عدد القوّات ونوع المعدّات التي ستُرسل. لكنّ رئيس هيئة الأركان الجنرال جو دانفورد أوضح في مؤتمر صحافي في البنتاغون أنّ الجنود الذين سيتمّ إرسالهم في إطار التعزيزات لن يكونوا بالآلاف.
وستتركز مهمة القوات الأميركية التي يجري إرسالها بشكل أساسي على الدفاع الجوي والصاروخي.
كما بادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتشديد العقوبات على إيران لتُصبح “العقوبات الأقسى على الإطلاق” ضد دولة، مدافعا في الوقت نفسه عن “ضبط النفس” العسكري الذي تحلّت به واشنطن بعد الهجمات التي استهدفت السعوديّة.
وقال ترامب في تصريح بالبيت الأبيض “فرضنا للتوّ عقوبات على المصرف الوطني الإيراني. الأمر يتعلّق بنظامهم المصرفي المركزي، وهي عقوبات في أعلى مستوى”.
بدوره، أوضح وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، الذي كان إلى جانبه، أنّ الأمر يتعلّق باستهداف “آخر مصدر دخل للبنك المركزي الإيراني والصندوق الوطني للتنمية، أي صندوقهم السيادي الذي سيُقطع بذلك عن نظامنا البنكي”.
وأضاف “هذا يعني أنّه لن تعود هناك أموال تذهب إلى الحرس الثوري” الإيراني “لتمويل الإرهاب”.
ويقول متابعون للشأن الإيراني إن الاستعطاف الذي بدا واضحا في تصريحات ظريف يعكس إحساسا إيرانيا بالخطر من تعاظم العقوبات وتوسع دائرتها لتطال مؤسسات حيوية لدى النظام، ما يعيق استراتيجيته في التمدد الخارجي عبر توظيف وكلاء في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين وغيرها.
ويضيف هؤلاء أن الاستعطاف بدا موجها للسعودية، أيضا، في مسعى لتخفيف حدة غضبها، وهل أنها ستقبل بأن يتجه التصعيد إلى إعادة تجربة العراق وجعل الإيرانيين محاصرين ويمنع عنهم الغذاء والدواء.
وأكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، السبت، أن الهجوم على أرامكو عمل إجرامي تتحمل مسؤوليته إيران، معلنا أنه تم استهداف المملكة بـ260 صاروخا باليستيا و150 طائرة مسيرة، خلال هجمات مختلفة.
ونظمت السعودية جولة لوسائل الإعلام، الجمعة، لتفقد منشأتي نفط تعرضتا لهجمات، حيث ظهرت أنابيب منصهرة ومعدات محترقة.
وفي سياق انقلاب الموقف تجاه السعودية، جاء العرض الحوثي بالسلام بعد أن كانت الجماعة في الأيام الأخيرة تلوّح بالتصعيد وتنفيذ المزيد من الهجمات، ما يؤكد أن استدارة موقفها يعود إلى أوامر إيرانية عاجلة تهدف إلى التهدئة وإظهار المرونة لمنع تصعيد مقابل بدا أن واشنطن والرياض دخلتا في سباق مع الزمن لتنفيذه.
وقال مسؤول في جماعة الحوثي اليمنية إن الجماعة المتحالفة مع إيران ستتوقف عن شن هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على السعودية إذا حذت الأخيرة حذوها، وذلك بعد أسبوع من إعلان الجماعة مسؤوليتها عن هجمات على منشأتي نفط في السعودية.
ودعا مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في تصريحات نقلتها قناة المسيرة التابعة للمتمردين إلى وقف الضربات من الجانبين وإجراء محادثات جادة بين كل الأطراف المعنية.
وقال “نعلن عن وقف استهداف أراضي المملكة العربية السعودية بالطيران المسيّر والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف وننتظر رد التحية بمثلها أو أحسن منها”.
وقال المشاط “أدعو جميع الفرقاء من مختلف أطراف الحرب إلى الانخراط الجاد في مفاوضات جادة وحقيقية تفضي إلى مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أي طرف من الأطراف”.