كريتر نت / متابعات
مع كل أزمة أو موجة عنف تشهدها العاصمة المؤقتة عدن يزايد الحوثيون بخطاب الحرص والتعاطف مع عدن يراهنون في ذلك على الذاكرة الضعيفة لليمنيين ونسيانهم للجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق المدينة أثناء اجتياحهم لها عام 2015.
لكن فريق الخبراء الدوليين المعنيين بالشأن اليمني أعاد التذكير بالفظاعات التي ارتكبتها مليشيات الحوثي ووثق المجازر الجماعية التي طالت السكان المدنيين هناك.
يقول تقرير الخبراء المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الحالية، إن مليشيات الحوثيين أرتكبت في يوم واحد مجزرة مروعة بحق المدنيين في عدن، حيث قتلت 107 مدني، بينهم 32 امرأة و29 طفلاً.
يضيف التقرير أن عدد المصابين بلغ في الهجوم الدموي لمليشيات الحوثي وصالح على مناطق مدنية في مديرية دار سعد بعدن، 198 مدنياً، بين المصابين 42 امرأة و 28 طفلاً، فضلاً عن تدمير 14 منزلاً بشكل كامل.
وأوضح التقرير أن المليشيات الحوثية وبعد تعرض مقاتليها لهزيمة كبيرة صباح يوم الـ19 يوليو/تموز 2015، شنت “هجوماً هو الأكثر دموية بين سلسلة من الهجمات التي انطوت على ما يبدو على قصف عشوائي واستخدام أسلحة خفيفة ضد المدنيين والمواقع المدنية في دار سعد”.
بدأ القصف العنيف وفق التقرير “حوالي الساعة الثامنة صباحًا واستمر حتى الساعة الحادية عشرة صباحًا. واستؤنف لفترة وجيزة حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر.. تركز القصف على عدة أحياء سكنية في دار سعد. وتشمل المناطق التي تعرضت للقصف “الغليل” و”الشرقية” و”البساتين”، وجوار مسجد شيخان ومسجد الرحمة ومدرسة الشوكاني التي تأوي عددًا كبيرًا من النازحين”.
وأضاف تقرير خبراء حقوق الإنسان “دمّر القصف العديد من المباني المدنية وتوفي الكثيرون عندما انهارت تلك المباني”.
وأشار التقرير إلى تعمد المليشيات الحوثية استهداف المدنيين “تم توثيق الضربات المكثفة أيضاً. فبعد إطلاق قذيفة أولى على أحد المنازل ولم تتسبّب في وقوع إصابات، أدّت قذيفة مدفعية ثانية الى قتل وجرح مدنيين تجمعوا ليروا ما حدث في حالة أخرى، بعد إطلاق قذيفة مدفعية على شارع وأسفرت عن مقتل وجرح عدة أشخاص، أصابت قذيفة أخرى المسعفين الذين حاولوا مساعدة ضحايا القذيفة الأولى”.
يقول متطوع وضحية في مجزرة دار سعد “منذ الفجر وحتى الظهر كنا نأخذ المصابين والقتلى إلى مستشفى منظمة أطباء بلا حدود، ونقلت مجموعتنا حوالي 60 مصابًا. أصيبوا بجروح خطيرة بسبب الشظايا وفقدوا اجزاء من أجسامهم. عند الظهر، أخذنا استراحة الغداء خارج منزلي، ووقف 19 من المتطوعين الطبيين ضمن مجموعة واحدة. كان الوضع هادئا للحظة. ثم سقطت قذيفة على المتطوّعين ال 19 الموجودين أمامي مباشرة. فأُغمي عليّ وأفقت في مستشفى أطباء بلا حدود. قتلت قذيفة الهاون 19 شخصًا. بقيت 13 شظيه في ساقي حتى الآن. إذ إن الشظايا الباقية عميقة جداً في عروقي لدرجة أن المستشفيات في عدن لا تستطيع إزالتها بأمان، ولا أملك المال للذهاب إلى الخارج”.
يؤكد التقرير أن “آثار القصف المعنوية والنفسية مستمرة حتى اليوم. حيث يعاني الكثير من الأشخاص من صدمة فقدان أفراد من الأسرة. ومن بين المصابين، لا يزال 18 شخصًا يعانون من إعاقات، ومن بينهم أربع نساء وثلاثة أطفال؛ فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو أصيبوا بجروح خطيرة”.
وذكر تقرير الخبراء أن الهجوم الذي شنه الحوثيون على النازحين والسكان في دار سعد، يمثل انتهاكاً للقوانين الدولية، “وجد فريق الخبراء أسباباً وجيهة للإعتقاد بأن مقاتلي (الحوثي-صالح) مسؤولون عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني في شن هجمات عشوائية تؤدي إلى مقتل أو إصابة المدنيين”.
مجزرة التواهي
“كانت جريمة مروعة” هكذا يصف أحد الناجين مجزرة منطقة التواهي في مدينة عدن.
يروي ناجي أخر شهادته للخبراء قائلاً “حوالى 50 أسرة، أي أكثر من 500 شخص، كانوا مجمّعين في منطقة الميناء بانتظار الرحيل إلى البريقة هربًا من القتال. فجأة وقعت علينا أربع قذائف وسقطنا في الماء وكنا نسبح في الدماء وبين أشلاء الأجسام. رأيت ثماني أو تسع جثث وغيرها الكثير حول الميناء أثناء جمعها. رأيت طفلاً مات غرقاً. رأيت عائلة مقطّعة إلى أشلاء. رأيت عائلة من ثلاث بنات صغار قُتلت والدتهن. كنت أعرف الأب الذي انتحر بعد شهر”.
كان الهجوم في 6 مايو/ أيار 2015 واستهدف ميناء التواهي في عدن، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنياً وإصابة أكثر من 160 أغلبهم من النساء والاطفال.
يقول التقرير إن الناس “كانوا يهرعون إلى ميناء التواهي للفرار على متن قوارب إلى شبه جزيرة البريقة، “وبينما كان المسافرون يركبون القوارب، سقطت القذائف بالقرب من الرصيف. سقطت قذيفتا هاون في الماء. ثم سقطت مجموعة ثالثة على متن قارب يحمل بين 20 إلى 30 راكباً، وضربت مجموعة رابعة جدار الميناء ووقعت شظايا على الرصيف. كما أفاد شهود أنهم رأوا نيران أسلحة صغيرة في المياه اشتعلت النيران في القارب الذي ضربه القصف. وقد توفي بعض ركاب القارب نتيجة القصف، وعلق بعضهم في النيران، بينما غرق آخرون بعد القفز في الماء. أما الشظايا على الرصيف فقد قتلت وجرحت كثيرين آخرين”.
ويتحدث التقرير عن جرائم أخرى ارتكبتها مليشيات الحوثيين وصالح في عدن ترقى إلى جرائم حرب، منها منع العشرات من المرضى الوصول إلى المستشفيات ما تسبب بوفاة عشرات النساء والأمهات وكبار السن، جراء عدم حصولهم على الخدمات الطبية.
ويشير التقرير إلى قيام المليشيات الحوثية بتصفية وإعدام عشرات المرضى والجرحى خلال اقتحامهم وسيطرتهم على المستشفيات الخاصة والعامة في عدن، وتحويلها إلى مواقع عسكرية.
ولفت التقرير إلى جرائم قتل المدنيين بشكل مباشر، تعتبر جرائم عمد ارتكبتها المليشيات الحوثية في عدن إبان سيطرتها على اجزاء واسعة في المدينة في النصف الأول من العام 2015م، حيث كان القناصة التابعون للحوثيين يستهدفون المدنيين جوار المستشفيات وفي الطرقات العامة والشوارع الفرعية، إضافة إلى استهداف الطواقم الطبية وسيارات الاسعاف، والمنازل بالقذائف الصاروخية والدبابات.
كان قصف الحوثيين واستهدافهم للمواطنين، دون أي مبرر، وفي مناطق لا يتواجد فيها أي مسلحين للمقاومة باستثناء مناطق قليلة، وفق التقرير.
وذكر التقرير أن جماعة الحوثيين ارتكبت جرائم أخرى تتمثل في منع دخول المواد الغذائية إلى عدن واستهداف شاحنات تنقل المواد الغذائية على خط أبين عدن ولحج عدن، وقصفها أو قتل المدنيين، وفق شهادات وثقها فريق الخبراء الدوليين المعنيين بشأن اليمن.
ونوه التقرير بأن المليشيات الحوثية استهدفت أكثر من مرة مصافي عدن مما تسبب في كارثة بيئية وخسائر اقتصادية كبيرة، مشيراً إلى أن ذلك الاستهداف يعتبر خرقاً للقوانين الدولية والإنسانية التي تحضر استهداف البنى التحتية دون أي مبرر عسكري.
وخلص الفريق إلى أن مقاتلي الحوثيين استخدموا الأسلحة المتفجرة ذات النطاق الواسع لمهاجمة المناطق المكتظة بالسكان المدنيين والمواقع المدنية، مما تسبّب في سقوط عدد كبير من الضحايا والمعاناة والتدمير واسع النطاق. وأصابت هذه الهجمات المساكن والمباني والقوارب والأسواق والمحلات التجارية والفنادق.
ووفق التقرير لدى فريق الخبراء أسباب معقولة للاعتقاد بأن جماعة الحوثيين ارتكبت عمليات قتل واستهداف مباشر للمدنيين، قد تؤدي هذه الأعمال إلى مسؤولية جنائية فردية عن جرائم الحرب.
وكان ناشطون وحقوقيون تحدثوا في ذلك الحين، عن وجود صعوبات في توثيق تلك الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية، كما تحدثت مصادر حقوقية إلى قيام المليشيات الحوثية بإزالة كل الشواهد والادلة التي تدين مسلحيها بجرائم حرب وإبادة جماعية نفذتها إبان اقتحامها مدن ومناطق جنوب اليمن عام 2015م.