كريتر نت / تحليل / مسلم عبدالودود
ليست الخسارات التي تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين في عموم الإقليم خسارات جزئية أو شكلية. في الواقع، ثمة تصويتٌ شعبيٌّ متنامٍ ضد الجماعة، وضد توجهاتها ومشروعها. وثمة، أيضاً، موقف دولي عام، وخصوصاً من الدول الكبرى، مُستجِدٌ في اتّفاقه الكامل على ربط الجماعة بالتشدد والتطرف والعنف. وبعدما رفضتْ الجماعة التبرّؤ من فكر وممارسة “داعش” و”جبهة النصرة” وأخواتهما، ورفضت مواجهتهم، لا سيما في سوريا، سقط كثير مما تبقى من رهان بعض الدول الكبرى على الجماعة في مواجهة الإرهاب. ولذا قد لا يكون بعيداً عن الدقة المنهجية ما قاله الكاتب السوري أكرم البني، في مقال كانت قد نشرته صحيفة “الحياة”:”لن تقف تداعيات الهزيمة التي مني بها تنظيم داعش عند أصحاب الفكر الإسلاموي الجهادي، وفي مقدمهم “جبهة فتح الشام” التي بدأت تتحسس رأسها، بل سوف تطال الهزيمة تيارات الإسلام السياسي عموماً”.
مصر والخليج
ربما ليس من المبالغة القول إنّ الخسارات التي لحقت بجماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ عام 2013، والضربة الموجعة التي لحقت بالتنظيم الإخواني في السعودية منذ خمس سنوات وحتى الآن، هما الحدثان الأكثر سوءاً، من وجهة نظر الجماعة، منذ الحملة التي قادها ضدهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
خسارة مصر والخليج أصابت جماعة الإخوان في الصميم، على الأقل، في المدى المنظور والمتوسط. لقد تمّ ذلك في أقل من عقد واحد. لذا باتت الأحداث تأخذ رمزيّتها العميقة والمؤثرة. فلم تكن خسارة الإسلاميين في الانتخابات التكميلية لمجلس الأمة (البرلمان) الكويتي في آذار (مارس) 2019 خبراً عابراً؛ فالانتخابات برغم محدوديتها كانت حلقة في مسار تراجعِ وانكفاء هذا التيار في غالب المنطقة العربية. جاءت التحولات التي شهدها السودان منذ كانون الأول (ديسمبر) 2018 وحتى الآن، إضافة إلى خسارة عبد الفتاح مورو، مرشح حركة “النهضة” الإخوانية في تونس في انتخابات الرئاسة الأخيرة، لتقول إنّ المزاج الشعبي العام يكرر بلا مواربة أنّ التيار الإخواني فشل في نيل ثقة الشارع العربي، وأنه لم يُقدّم من الرؤى والبرامج ما يجذب به الجمهور العربي، وأنه لم ينجح في نيل ثقة ومقبولية الطبقة الوسطى، ومثال السودان الأخير نموذج مهم في هذا الصدد، لا سيما بعدما كان حسن الترابي قد خدعهم وخسر ثقتهم بمقولته الشهيرة لعمر البشير بعد انقلاب 1989 “اذهبْ إلى القصر رئيساً… وأذهبُ أنا إلى السجن حبيساً”!!
لقد مثّل سقوط جماعة الإخوان المسلمين في 2013 في معقلها الأساسي في مصر ضربة قاسية للجسم الإخواني في المنطقة العربية، قرر معه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان اتباع إستراتيجية تقوم على التركيز على مناطق أخرى؛ لاحتواء الخسارات الجسيمة التي شهدتها جماعات الإخوان في مصر وفي دول الخليج العربية، فماذا جرى على أرض الواقع؟
خسارات متتابعة
الذي جرى أنّ “الإخوان المسلمين” خرجوا من اللعبة في سوريا، وأصبحوا طرفاً سياسياً هامشياً للغاية، بعدما كانت تركيا وقطر في بداية الأزمة السورية في 2011 تراهنان على أن تقود الجماعة الحراك ضد النظام السوري، وهو ما لم تنجح الجماعة في تنفيذه.
وفي موريتانيا، كانت خسارة جماعة الإخوان للانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر حزيران (يونيو) 2019 كأول خسارة انتخابية للجماعة في دول المغرب العربي، تلتها بالطبع الخسارة في تونس كما أشرنا. وفي الشهر نفسه كانت ثمة ضربة موجعة لجماعة الإخوان، وجاءت من تركيا هذه المرة، فقد انتهت جولة الإعادة فى انتخابات بلدية إسطنبول في تركيا بفوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، على منافسه مرشح الحزب الحاكم، علي يلدريم.
الخليج لم ينسَ
مع أحداث “الربيع العربي”، وتحديداً في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، صرّح وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، أنه “يجب على دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة”. وباستثناء دولة قطر، بوصفها الأكثر دعماً واحتضاناً لجماعة الإخوان في الخليج والمنطقة، فإن دول “مجلس التعاون” الخليجي استشعرت خطر جماعة الإخوان، وفشلها في أن تكون جزءاً طبيعياً من جسد الدولة الخليجية؛ حيث لم تنسَ الكويت والسعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين موقف جماعة الإخوان المسلمين المؤيد لغزو صدام حسين للكويت. ولم تنس الدول الخليجية الخمس المذكورة اعتراض مشايخ “الإخوان” و”الصحوة” على استقدام القوات الأمريكية لتحرير الكويت، وهو اعتراض بلغ أشدّه مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ومعه اضطرت السعودية لإخراج القوات الأمريكية من أراضيها، فتلقفتها دولة قطر، التي كان حلفاؤها من “الإخوان المسلمين” يلومون الرياض على ذلك، ويصفونها بأقذع الصفات!
محاصرة تغلغل “الإخوان”
لقد استكمل عهد الملك سلمان بن عبد العزيز ما بدأه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في العمل على محاصرة نشاطات جماعة الإخوان في المملكة، ووضعها على لائحة الإرهاب منذ عهد الملك عبد الله. ولا تبدو الخطوات الرسمية السعودية ضد جماعة “الإخوان المسلمين” خطوات فردية متناثرة؛ فالمراقب للسنوات التي أصبح فيها الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية يلحظ عملاً مؤسسياً متكاملاً لمحاصرة تغلغل “الإخوان” في المدارس والجامعات والمؤسسة الدينية في المملكة. وترى الرياض أنّها أنجزت عملاً مهمّاً في هذا الإطار، تكامل وتوازى مع جهودها في الإشراف الصارم على القطاع المصرفي، والتشديد على تنظيم القطاع الخيري، وزيادة العقوبات على تمويل الإرهاب.
مثّل سقوط الإخوان في 2013 في معقلها الأساسي في مصر ضربة قاسية للجسم الإخواني في المنطقة العربية
وقد أقرتّ التقارير السنوية حول مكافحة الإرهاب الصادرة عن الخارجية الأمريكية بأنّ السلطات السعودية تحركت من أجل منع جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعية المتعلقة بأفراد أو كيانات يُشك بعلاقاتها مع مجموعات إرهابية، ومن ذلك جماعة “الإخوان المسلمين”. بل قامت المملكة، أيضاً، بحظر التعامل مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان. وكانت الكويت قبضت في تموز (يوليو) 2019 على خلية إخوانية إرهابية مصرية، وسط أنباء عن أنّ جهاز أمن الدولة الكويتي استدعى شخصيات دينية وأصحاب شركات في الكويت على صلة بالمتهمين في قضية الخلية الإخوانية، التي تم تسليمها للسلطات المصرية. وقد كشفت صحيفة “القبس” الكويتية عن أنّ السلطات المصرية أبلغت الكويت بأنّ عناصر من “خلية الإخوان” تمكنوا من دخول الكويت منتحلين أسماء شخصيات مسيحية.
“الإخوان” وهجمات أرامكو
خلال محاضرة عامة للمتحدث باسم رئاسة أمن الدولة السعودي، اللواء بسام عطية، قال الأخير العام الماضي إنّ الإرهاب المعاصر الذي تعيشه المنطقة العربية هو نتاج أيديولوجيات متفرقة على رأسها الخمينية والإخوانية، موضحاً أنّ “الإرهاب دائماً ذو باعث أيديولوجي”. وفي سبيل تبيان هذا المعنى يقول الباحث العراقي، رشيد الخيّون، [إن مُنَظّراً “إخوانياً” كويتياً، كتب بعد الثورة الإيرانية (1979) في الصحافة الكويتية تحت عنوان “اثخنْ فيهم يا خميني” تشجيعاً للإعدامات السَّافرة التي تلت الثَّورة، وهذا الإسلامي نفسه أيّد حركة جهيمان العتيبي التي أفضت إلى احتلال الحرم المكي (1979)، وهي الأخرى جاءت بأجواء تلك الثَّورة، بمعنى لابد مِن خُميني سُني]، وفق الخيّون.
بقي القول: إن التاريخ يُعيد نفسه، فهناك سؤال مُلحّ: لماذا لم يصدُر عن جماعة الإخوان في أي بلد عربي أي إدانة أو اعتراض على الهجمات الأخيرة على منشأتي أرامكو النفطيتين، والتي اتهمت الرياض فيهما طهران بالوقوف وراءها؟!