كتب د / عبدالعليم محمد باعباد
يبدو أن بعض أسباب الخلافات سواء كانت سياسية أو اجتماعية تعود إلى تصور وضعية الآخر خارج حدود التقبل طالما كان خارج حدود ( الأنا ).
ولو أننا أخذنا ضمائر اللغة – أي لغة – لوجدنا فيها الضمائر المتقابلة التالية:
أنا ……..أنت
نحن……… أنتم
هو ………هم
وهي تتبدل في الاستخدام بحسب السياقات والمواقف التي قد يصعب احصاؤها فلن يكون بمقدور أحد أن يظل في وضع يجعل من الضمير ” نحن ” محصورا على طائفة محددة طيلة العمر، فقد يكون مع المجموعة التي كان يطلق عليها ذات يوم ” هم” .
ما نريد قوله هو أن من أسباب الخلافات جعل نحن في تضاد مع هم؛ أي جعل الآخر في حال عداء مع الأنا، مع أن السنة الإلهية اقتضت أن يكون الناس مختلفين، وهو الاختلاف الذي يفضي إلى التنوع لكي تتحرك الحياة.
كثيرا ما نستخدم جدرانا عازلة بيننا وبين من نختلف معهم؛ و غالبا ما نستخدم مصطلحات متطرفة في وصف الآخر ، ونبالغ في وصف طبيعة الاختلاف لنوصلها إلى حالة العداء.
وهي أوصاف ليست دالة على طبيعة الآخر ولا تعبر عن حقيقته بشكل دقيق. وتظل هذه المصطلحات تشكل مانعا بيننا وبين الآخر،وبالتالي نقع في حرج كبير عندما تلجئنا الظروف و الأحداث إلى أن ندخل في علاقات مع الآخر، وهي علاقات طبيعية لا بد وأن تحصل بين المجتمعات والشعوب؛ خصوصا بين أبناء الشعب الواحد والمجتمع الواحد.
وعلى ذلك لا بد وأن نكون موضوعيين في تصوراتنا، عادلين في أحكامنا، صادقين في تعريف أنفسنا، وتعريف الآخرين، وأن نصدق في نقل الأخبار المتعلقة بنا وبغيرنا، فقد أمر الله بالعدل مع البعيد والقريب والعدو والصديق، يقول الله تعالى: ” ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” .
التمترس خلف مقولات جامدة، وأفكار منغلقة يضع بيننا وبين الزمان مسافة طويلة يصعب معها الانتقال من الحاضر إلى المستقبل.
والعيش في الماضي يجعلنا في حال غربة مع من حولنا من المجتمعات والشعوب.
خالق الحياة خلقك وخلق غيرك، ورزقك ورزق غيرك ولا مناص من أن تتعايش مع الجميع في هذا العالم.
إن التصور القائم على تقديس الذات وشيطنة الآخر لهو تصور خاطئ لا بد وأن يقود نحو الصراع غير المبرر.
وإن تصور العيش بالأفكار الخاصة التي تجعل الحياة خصاما وصراعا لهو تصور بدائي يوصم الحاملين لها بالانغلاق والجمود؛ سواء كانت تيارات أو مجتمعات.
العالم أكبر من أن تحده بحدود أفكارك، ويستعصي على التقوقع على ذات الأفكار العازلة.
والإيمان بأن لكل رأيه وفكره لا يعني أن يكون لأي كان الحق أن يقصي آراء غيره، أو يلغي أفكاره.
إن الوصول إلى قواسم مشتركة بين الناس؛ أفرادا ومجتمعات تحتمها ضرورات العيش في زمن يمضي بسرعة، وفي عالم تلاشت فيه الحدود بين الشعوب.