كريتر نت / دمشق
كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد عن نية جيشه التوغل من كوباني (عين العرب) في الغرب إلى الحسكة في أقصى الشرق بعمق يصل 35 كيلومترا داخل الأراضي السورية، مشددا على أن التهديدات الغربية بفرض عقوبات على أنقرة وحظر تصدير الأسلحة إليها لن يدفعه لوقف العملية.
ويتزامن ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الرئيس دونالد ترامب أمر بسحب نحو ألف جندي من شمال سوريا، في خطوة من شأنها أن تزيد من إضعاف موقف قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة الهجمة التركية.
وكان البنتاغون قد أعلن قبيل العملية التركية التي أطلق عليها “نبع السلام” عن انسحاب نحو 50 عنصرا من القوات الأميركية من الخط الحدودي بين تركيا وسوريا في خطوة اعتبرها المجتمع الدولي خذلانا لحليف قدم الكثير في الحرب على تنظيم داعش.
وذكر أردوغان في مؤتمر صحافي في اسطنبول أن القوات التي تقودها بلاده سيطرت على رأس العين وحاصرت أيضا بلدة تل أبيض السورية الحدودية إلى الغرب من رأس العين في الحرب التي تشنها على مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية.
وقال أردوغان “ركزنا أولاً على المنطقة التي يبلغ طولها 120 كيلومتراً بين رأس العين وتل أبيض. ومن ثم سنقسم الممر الإرهابي البالغ طوله 480 كيلومتراً من المنتصف”.
وأضاف “بعد ذلك سنسيطر على الحسكة من جانب وعين العرب (كوباني) في الجانب الآخر ونكمل العملية” في إشارة إلى البلدتين الواقعتين على جانبي محور التركيز الحالي للعمليات. ومضى قائلا “سنذهب إلى عمق يتراوح بين 30 و35 كيلومترا، وفقا لخريطة المنطقة الآمنة التي أعلنا عنها من قبل”.
وفي وقت لاحق أعلنت وزارة الدفاع التركية السيطرة على الطريق الدولي “إم 4” الممتد بين عين العرب وتل أبيض.
ويرى محللون أن موقف الأطراف الرئيسية الضالعة في الحرب السورية، يكشف عن تواطؤ مع تركيا، لافتين إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تتحمل المسؤولية الأخلاقية الأولى في قرارها فتح المجال أمام أنقرة لاجتياح شرق الفرات.
ويذهب البعض إلى أن هناك تفسرين لا ثالث لهما خلف التغير في الاستراتيجية الأميركية في سوريا، الأول أنه يأتي في سياق صفقة كبرى تشارك فيها روسيا، لإنهاء الحرب السورية، خاصة وأن مواقف موسكو بدت ضعيفة في انتقاد العملية التركية.
والتفسير الثاني أن الولايات المتحدة تعيد تفعيل سياسة الاحتواء المزدوج من خلال دفع باقي الأطراف المتنازعة إلى حرب استنزاف، خاصة إذا ما نفذ الأكراد وعيدهم بوضع أنفسهم تحت تصرف دمشق وموسكو.
بالتزاوي مع تلويح واشنطن بسلاح العقوبات في وجه أردوغان، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب الأحد أن وزارة الخزانة الأميركية مستعدة للمضي قدما في فرض عقوبات على تركيا.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الأحد في مقابلة مع برنامج “واجه الأمة” (فيس ذا نيشن) إن الولايات المتحدة تستعد لإجلاء نحو ألف جندي أميركي من شمال سوريا.
وذكر إسبر في مقابلة مسجلة مع البرنامج الذي تبثه شبكة سي.بي.إس “في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة علمنا أن (الأتراك) يعتزمون على الأرجح مد هجومهم إلى مسافة أبعد في الجنوب والغرب مما كان مخططا في البداية”.
وتابع قائلا “وعلمنا أيضا في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة أن قوات سوريا الديمقراطية تسعى لإبرام اتفاق… مع السوريين والروس لشن هجوم مضاد على الأتراك في الشمال”. ووصف الوزير وضع القوات الأميركية بأنه “لا يمكن أن يستمر كما هو عليه”. وقال إنه تحدث مع ترامب ليل السبت الأحد وإن الرئيس وجه الجيش الأميركي إلى “البدء في سحب مدروس للقوات من شمال سوريا”.
وأفادت شبكة “سي.أن.أن” الأميركية في وقت سابق بأن الأكراد يتجهون إلى إبرام صفقة مع حكومتي دمشق وموسكو بعد تخلي واشنطن عنهم.
ونشرت الشبكة السبت نص محضر يكشف مضمون اجتماع عقد الخميس الماضي بين القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم كوباني، ونائب المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي ضد “داعش” ويليام روباك.
وبحسب المحضر فقد حاول الدبلوماسي الأميركي أثناء الاجتماع، طمأنة المقاتلين الأكراد، وقال إن واشنطن تجري اتصالات على أرفع المستويات مع أنقرة للتوصل إلى هدنة، مرجحا أن لا تمد أنقرة حملتها أبعد من 30 كلم عن حدودها، بما يخلق فرصة لتسوية الخلافات مع أنقرة، بيد أن القيادي في قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا باسم “قسد” اتخذ موقفا صارما، متهما الولايات المتحدة ببيع الأكراد، وطلب من واشنطن توضيح ما إذا كانت ستسمح لتركيا بإحكام سيطرتها على الشريط الحدودي بعرض 30 كلم.
وقال كوباني حسب نص المحضر إذا كانت واشنطن ستوافق على ذلك، فإنه سيلجأ فورا إلى حكومتي دمشق وروسيا لدعوتهما إلى إغلاق المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية، موضحا أن هناك قوتين فقط في المنطقة تستطيعان وقف الهجوم التركي، هما الولايات المتحدة وروسيا.
وتوجه مخاطبا الأميركيين “أمتنع على مدى أيام عن التوجه إلى وسائل الإعلام والقول إن واشنطن تخلت عنا وأرغب في أن تنسحبوا من المنطقة فورا كي أدعو طيران الروس والنظام للسيطرة على هذا المجال الجوي. عليكم إما وقف قصف شعبنا الآن، أو التنحي جانبا كي ندعو الروس”.
ويؤكد خبراء أن إنهاء العملية التركية متوقف على موقف إحدى القوتين الرئيستين أي الولايات المتحدة التي واضح أنها تخلت عن هذا الدور، وروسيا التي ينظر إليها الأكراد على أنها أملهم الأخير في مواجهة العدوان التركي، فيما لا يبدو أن باقي القوى وفي مقدمتها الأوروبية لها التأثير المطلوب.
وحضّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اتصال هاتفي الرئيس التركي على وقف العملية فورا، محذرة من أنها قد تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وتتسبب في عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
وأعلنت فرنسا وألمانيا السبت قرارهما تعليق تصدير الأسلحة إلى تركيا على خلفية الهجوم الذي تشنه على وحدات حماية الشعب الذي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني.