كريتر نت / متابعات
يمر “حوار جدة” بمأزق غير واضح المعالم، ففيما تواصل سلطة عبدربه منصور هادي حديثها عن “ما يسمّى بالانتقالي”، نافية أىَّ توصّل لأيّ اتفاق، يسرّب الإعلام السعودي باستمرار التوصُّل إلى اتفاقات وانتظار التوقيع بين سلطات هادي والمجلس الانتقالي.
تأخُّر التوقيع يكشف عجز “الرياض” عن تحقيق أيّ تقدّم عبر استراتيجيتها الثابتة “المراضاة”، فهي حتى اليوم تريد من الرئيس هادي أن يقبل بما أعلنه القادة السعوديون من تسويات سياسيّة وهيكلة للجيش واستيعاب المجلس الانتقالي ممثلاً لقوى التغيير الجديدة، التي ظلت الشرعيّة ترفضها وأخرجتها من السُلطة بعد قرابة العام من تحريرها العاصمة عدن، ولكنها تريده أن يقبل مبتسماً راضياً.
وفي ذات الوقت فإنها تريد من المجلس الانتقالي أن يوجِّه الشكر للقيادة السعودية وللرئيس عبدربه منصور هادي ولنائبه اللواء علي محسن ولكل من لا يزال يرفضهم ويرفضونه حتى اليوم، قبل حدوث أيّ تغيير في تركيبة الشرعية وجيشها وإدارتها التي تعيش الحرب مع الجنوب أكثر مما تعيشه مع الحوثي.
فيما يخص الإمارات، فإنها كسياسة ثابتة لها، لا تدخل مع السعودية في أيّ جدال، وتكون حاضرة للعمل لما فيه صالح السعودية في المنطقة باعتبار ذلك “صالحاً للإمارات وللمنطقة بكلها”، ولكنها تعمل ذلك وفق قواعد عملها، كلما كانت السعودية راضية عن هذه القواعد، فإن اعترضت السعودية فإنها تقدم للسعودية الاعتذار وتتخلّى عن أيّ مكاسب تم تحقيقها حفاظاً على المكسب الأكبر وهو العلاقة بـ“الأخ الأكبر”.
فماذا حدث جنوباً؟ الرؤية الإماراتية جنوباً كانت تقضي ببناء قوى محلية تحفظ الجنوب من الفوضى والإرهاب الحوثي والإخواني معاً، وتتشارك مع التحالف باتجاه تحرير صنعاء، وترك خيار ترتيب الدولة ما بعد استعادة صنعاء لليمنيين أنفسهم بحوار سياسي ما بعد استعادة “صنعاء”.
وكانت السعودية تاركة ذلك الملف جنوباً، مؤمّلة أن يحقق الجيش الوطني انتصارات موازية شمالاً.. غير أنّ الشرعيّة وجيشها الوطني وحلفها الإخواني، فشلت في إدارة الجنوب، فهي أخرجت القوى الجنوبية شريكتها في التحرير من السُلطة، وصعّدت المعارك معهم، مع فشل ذريع في كسب الناس جنوباً، كما خسرتهم شمالاً من قبل، عبر إهمال كل متطلبات إدارة المناطق المحررة، والبقاء في الخارج بعيدة عن الناس وحاجتهم ومصالحهم.
حاولت السعودية دعم الشرعية وجيشها جنوباً عبر تمويل حاجات الناس بالوديعة النقدية أو بالنفط وغيره من مجالات الدعم، لكن هذا الدعم السعودي فشل في استقطاب الناس للشرعيّة؛ لأن الشرعيّة كانت تصارع لاستثمار الدعم لصالح رموزها وليس لصالح الناس.
كل ذلك كان يرفع حدة المواجهة والصّراع بين القوى الوطنية الجنوبية وتحالف الشرعيّة الإخوانية، مما جعل المعركة ضد الحوثي “هامشاً”، بل وصل الحال إلى التماهي مع الحوثي من قبل جيش الشرعية، حيث فتح حروباً في المناطق المحررة، وهي حروب تستقطب المقاتلين للحوثي إلى الجنوب، سواءً مقاتلين مع سلطات هادي أو مع الانتقالي، فتدخلت السعودية تدخلها الأخير، وأعلنت فتح حوار بين حلفاء هادي والمجلس الانتقالي، على أمل تحقيق انفراج حيوي بين الطرفين.
دعمت الإمارات الدعوة السعودية، وأبدت استعدادها تذليل الصعوبات لإنجاح الحوار، وبدأت تغادر الجنوب، كما سبق وفعلت في سقطرى، لكي تصبح السيطرة الميدانية العسكرية هي سعودية خالصة، مع تأكيد أنها ستظل تساعد اليمن على مواجهة المخاطر وتحقيق الاستقرار والتنمية تحت القيادة السعودية، وبالتعاون مع الشرعية بعد إصلاحها وعودة كل أسماء ومناصب الدولة اليمنية إلى “عدن”.
تأمل الإمارات أن يتحقق إصلاح حقيقي للشرعية وأدواتها على الأرض، بما يمنع تكرار المآسي التي سبّبتها طريقة أداء الشرعيّة ذات الإدارة الإخوانية، وهي المآسي التي أدّت إلى هرب الشرعية وسيطرة الحوثي على صنعاء والشمال وصولاً إلى الجنوب وعدن، وتقول السعودية إنّ ذلك سيتحقق عبر ما أعلنه الأمير خالد بن سلمان ووزير خارجية المملكة عادل الجبير، من إصلاحات في الشرعيّة.
غير أنَّ كل ذلك الآن اصطدم بإصرار الشرعيّة على أن يكون الاتفاق عبارة عن تكرار لما حدث في عدن بعيد تحريرها، بحيث يتم إعادة رئيس المجلس الانتقالي وزيراً كما كان كمحافظ لعدن مع إضافة آخرين، دون أيّ شيء آخر..
وهو ما يرفضه الانتقالي، ويرى ذلك “سحقاً” لقوته الشعبية التي مكَّنت التحالف من تحقيق الانتصارات ضد الحوثي، حيث حرَّرت المحافظات الجنوبية في أشهر قليلة، وهو ما لم يتحقق شمالاً حتى اليوم.
في جدة، تتواجه إرادتان: إرادة شرعية تحالف الإخوان التي تتهم الانتقالي بالانفصال عن أهداف التحالف رغم قبوله بترك موضوع شكل الدولة القادمة شمالاً وجنوباً إلى ما بعد تحرير صنعاء، وبما يرضاه الشارع جنوباً.
وإرادة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتهم شرعيّة الإخوان بمحاولة هزيمة الشارع الجنوبي، المؤيد للتحالف والرافض لأي حديث عن ترتيبات شكل الدولة اليمنية إلاّ بعد تحرير صنعاء.
وبينهما السعودية، التي تسعى لمراضاة كل الأطراف، في حل معقّد لا يمكنه تصيير النقيضين إلى شيء واحد مع الحفاظ بالنقائض في نفس الوقت..
وبعيداً عنهما تراقب الإمارات التطورات مستعدة كما كانت، للقيام بما يمكنها لتحقيق القرار السعودي الذي لأجله بدأ الحوار.. استيعاب الانتقالي ضمن مشروع إصلاح الشرعيّة وأدواتها وليس ضمن مشروع تقوية تحالف الإخوان الحاكم الذي من 2011 وحتى اليوم وهو يحاول إلغاء كل المكونات اليمنية، فيسهل للحوثي بعد ذلك إلغاء حتى الإخوان أنفسهم.
الجنوب.. إن خسر الانتقالي
كان دعم الإمارات لبناء الانتقالي ضمن جهود التحالف توحيد المنطقة لاستعادة صنعاء، الخطوة الأولى لاستعادة القيمة لحوار وطني شمالي جنوبي، لإدارة الحرب ضد الحوثي ومن ثمَّ لمرحلة ما بعد الحوثي.
وعلى العكس من ذلك، فإنّ تعويم الانتقالي في الشرعيّة أو إسقاطه، سيكون الخطوة الأولى نحو فصل الجنوب وإشغال الشمال بالحروب البينيَّة.
تمييع الانتقالي سيفسح الطريق لبناء قوة جنوبيّة مؤيدة للحوثي، أو بالأقل غير مكترثة إطلاقاً بحروب التحالف شمالاً..
وهذا أعتقد أنَّ السعودية لن تقبل به، حين تتبيّن ملامحه، غير أنّ السؤال هو متى ستتبيّن ذلك.. وما هو الدور الواجب على الإمارات في هذه المُدة الزمنيّة الفاصلة بين المصاير كلها.. وقد صار مصير المنطقة كله في كفتي الصِّراع بين إيران والعرب أجمعين.