كتب : محمد علي محسن
كان لي صديقاً ثورجيًا للغاية ، فكلما التقيت به في السنون الخوالي أخذ يردد ما حفظه من هذه الثورية زاملاً نشرته صحيفة ” الثوري ” عقب حرب صيف ١٩٩٤م ، وهذا الزامل صاغته قريحة شاعر ذماري منتمي ل” الاشتراكي ” ويقول :
يا عيوني لا تباتي سهارى .. ضيع النَّاس الريال السعودي .
لو علي سالم وهيثم نصارى .. عاد في صنعاء سعيد اليهودي .
هذا الصاحب لم اعد أره أو أسمعه الَّا طافحًا بالقروية والجهوية والرجعية ، فمنذ حلَّت لعنة الريال السعودي وهو يماثل ورقة عبَّاد الشمس ، فإين مال ” الريال ” جنح معه ، فتارة بغترة ودشداشة وقميص في باحة قصر اليمامة ، وتارة بجاكت وكرافته يلهج بنعم وآلاء شيوخ ابو ظبي .
وانا أشاهده تذكرت ” عيسى” بطل رواية ” ساق البامبو ” الفائزة بجائزة البوكر العربي ، للروائي الكويتي سعود السنعوسي ؛ فقصة عيسى هذا أنَّه من أب كويتي وأُم فيليبينية ، وبسبب وراثته لجينات والدته الخادمة الفلبينية ؛ كان ولابد أن تصير جنسيته مأساة عليه وعلى أقاربه في البلدين ، الكويت والفليبين .
وتجلت مأساة ” عيسى ” بدأً من نشأته وترعرعه في موطن أُمُّه ” الفليبين ” إذ اضطره أسمه لتحويره وتغييره لفظيًا ، بحيث صار ” خوسيه ” أو ” هوسيه ” ، وذلك بسبب مدلول لفظ ” عيسى ” الذي يعني في اللغة الفليبينية ” واحد ” ولكم تصور شخصًا يناديه ذويه برقم حسابي ؟.
إمَّا وجه عيسى وبُنيته الآسيوية القريبة من ملامح والدته ، فلم تكن سوى لعنة عليه واين حل أو ذهب في موطن أبيه الكويتي” راشد ” الرجل النبيل والمثقف الذي قُتل إبان تحرير وطنه في حرب الخليج الأولى مطلع التسعينات .
ومأساة صديقي وسواه من التقدميين والقوميين أنَّهم مثل الفتى ” عيسى ” الذي يكتشف في النهاية أنه يماثل ساق ” البامبو ” قصب السكر أو اليراع بلهجتنا الدارجة .
فبرغم حصوله على جنسية كويتية بفضل وثيقة الزواج وأصدقاء مخلصين لأبيه ، وكذا ما بذله من جهود مضنية كيما يتقرب ويندمج مع عائلة أبيه ، وكي يتأقلم مع مناخ الخليج الحار ؛ لكنه في المنتهى يحزم أمتعته ويرحل لموطن أُمُّه حيث نشأ وترعرع وسط بيئة فقيرة الَّا من المحبَّة ووفرة سيقان ” البامبو ” .
فكثير ممَّن شغلونا زمنًا بالشعارات الثورجية يتساوق أمرهم الآن مع مأساة ابن الخادمة الفلبينية ، ففي المحصلة يكررون تراجيديا الفعلة ، رغم يقيني أن الفارق شاسعًا بين المأساتين ، ففي مأساة ” هوسيه ” ما يستحق التعاطف والاحترام ..