كريتر نت / كتب : محمد عبده الشجاع
في ندوة قيمة نظمها حزب “التجمع الوطنى” بالقاهرة قبل شهور، كان المتحدث الرسمي فيها صاحب كتاب سر المعبد (ثروت الخرباوي) أحد أهم القيادات الإخوانية التي تركت التنظيم بعد 50 عاماً من العمل والعضوية، تحدث الخرباوي بقوله:
“في الأعوام الأخيرة وخاصة بعد أحداث الربيع العربي، عندما يتكلم البعض عن حركة الإخوان المسلمين يقولون: “كان الإخوان، بصيغة الماضي، وأنا هنا أتساءل؛ هل انتهى الإخوان حتى نقول كانوا”؟!
حديث الخرباوي يعيد إلى الذاكرة أو بالأصح يحفر فيها، بأن هذه الجماعة قد تمرض كما يقولون لكنها لا تموت لسبب بسيط وهي؛ حياتها المتقلبة على جمر القضايا الدينية، ونوازع التطرف باسم الدين وتوابعه.
وليس نصر حامد أبو زيد وفرج فودة وغيرهما ببعيد، بحيث لا يزال التطرف سلاحا يستخدم في كل مرحلة من مراحل الصراع.
فودة أغتيل أمام أبنائه
مطلع التسعينات أجمع التطرف بكل أشكاله على قتل أحد أهم المفكرين المصريين، الذين برعوا في علم الاقتصاد والسياسة، وكان لهم دور بارز في تطوير التعليم الجامعي، ووضع خطط اقتصادية في ترشيد استهلاك مياه النيل، إلى جانب حرصه على إبراز الإسلام بصورته الحضارية، بعيدا عن استغلاله لضرب الوحدة الوطنية ونسيج المجتمع المدني المتنوع، وفي كل مرة كان الرجل يؤكد على أنه مسلم؛ لكن كانت نزعته هو تصحيح الكثير من المفاهيم والعلاقات بين الإسلام والمجتمع والدولة، رافضا أي سيطرة للجماعات الدينية على الحكم والمؤسسات.
وقد كان يعزو انتشار الجماعات الأيديولوجية المتطرفة في مصر إلى نكسة حزيران 1967م، حيث نمت بعدها هذه الجماعات.
كل الذي قام به فرج فودة هو عملية التنوير حين شعر بحجم وخطورة التطرف الديني، وتوغل الجماعات الإسلامية في مفاصل الدولة والمناهج وعقول العامة، وقد كانت دعوته إلى فصل الدين عن الدولة والسياسة وليس المجتمع؛ بصورة تحفظ للقانون وللإنسان وللواقع حقه، وتحفظ للمصريين وحدتهم أمام لغط الدعوة إلى الخلافة وإلى أن الإسلام هو الحل وجواز طرد المسيحيين، والكثير من الرؤى التي تمس بحياة الإنسان ككائن له حق الحياة والتفكير.
يعتبر فودة (20 أغسطس 1945 _ 8 يونيو 1992م) من أهم المفكرين المصريين الذين تعرضوا لأبشع صور الإرهاب من كل المؤسسات الدينية الرسمية والخاصة ومن قبل مشايخ دين وقيادات حزبية تتبع الإخوان المسلمين.
إهداء يدمي القلب
خلال الأيام الماضية وبعد أكثر من 27 عاما على اغتياله، تداول آلاف الناشطين إهداءً وضعه فودة على صفحات أحد كتبه يقول فيه:
“إلى زملاء ولدى الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقا لمقولة آبائهم عني… إليهم حين يكبرون، ويقرأون، ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم وأن ما فعلوه كان أقسى علي من رصاص جيل آبائهم”.
لقد كان الرجل أشجعنا جميعا في كشف حقائق كانت غائبة عن الكثير من الناس، وحذر الجميع من مخاطر الدولة الدينية القادمة، وقد تنبأ بنهاية سيئة لجماعة الإسلام السياسي في مصر.
ما قبل اغتياله
أخذ فوده على عاتقه الدفاع عن أفكاره وبكل شجاعة، بل ذهب إلى أبعد من الكتابة في واقع ملغوم بالتطرف وخاض غمار “المناظرات” بينه وبين قيادات الجماعات الدينية وجبهة مشايخ الأزهر الذين أفتوا بقتله لاحقا.
المناظرتان الشهيرتان كانت الأولى مناظرة “معرض القاهرة الدولي للكتاب” في 7 يناير 1992 تحت عنوان: “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية” وكان فرج فودة ضمن جانب أنصار الدولة المدنية مع الدكتور (محمد أحمد خلف الله)، بينما على الجانب المقابل كان شارك فيها الشيخ (محمد الغزالي)، والمستشار (مأمون الهضيبي) مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور (محمد عمارة) الكاتب الإسلامي، وحضر المناظرة أكثر من 20 ألف شخص.
يومها ضجت القاعة بالتكبير وهتافات “الله غايتنا، والرسول قدوتنا، ما دفع الدكتور (سمير سرحان) محاور المتناظرين، إلى دعوة الحضور الهدوء والإنصات قبل أن يتدخل مجدداً طالباً الدعم من الشيخ محمد الغزالي بتهدئة أنصاره لانطلاق المناظرة.
أما المناظرة الثانية كانت في “نادي نقابة المهندسين” بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992 تحت عنوان: “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية” وشارك فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتور (فؤاد زكريا)، بينما كان جانب أنصار الدولة الدينية الدكتور (محمد عمارة)، والدكتور (محمد سليم العوا)، وشارك فيها نحو 4000، تلك المناظرتان كتبت الفصل الأخير من حياة الرجل، بعد معاناة طويلة وترهيب فكري ومعنوي وديني شاركت فيه أطراف عدة.
أهم كتبه
كان لفرج فودة العديد من المؤلفات أهمها، “قبل السقوط” (1984)، و”الحقيقة الغائبة” (1984)، و”الملعوب” (1985)، و”الطائفية إلى أين؟” (1985) بالاشتراك مع د:
يونان لبيب رزق (1933_2008)، وخليل عبد الكريم (1930_2007)، و”حوار حول العلمانية” (1987)، وكتاب “زواج المتعة”، و”حوارات حول الشريعة”، “نكون أو لا نكون”، “الوفد والمستقبل”، “حتى لا يكون كلاما في الهواء”، “النذير”، “الإرهاب”.
تأييد اغتياله
بعد المناظرتين اللتين تخللهما الهتافات والتكبير، وخاصة مناظرة معرض الكتاب الدولي في القاهرة والتي حشد لها الإخوان حشودا كبيرة؛ بدأت بعدهما كتابة الفصل الأخير من حياة الرجل.
فتوى من الشيخ عمر عبد الرحمن نشرت في “جريدة النور”، وقد أيده محمد الغزالي ومحمد عمارة والدكتور محمود مزروعة، وقيل إن محمد متولي الشعراوي والسيد كشك وافقاهم أيضا في ذلك؛ بأن فرج فودة “مرتد” وعليه وجب قتله، وكانا ممن هاجموه بشدة طوال فترة حياته.
التحقيقات
تم قتل الرجل أمام أبنائه وهو خارج في المساء من مركز التنوير الذي كان يرأسه في مدينة مصر الجديدة، من قبل شابين لم يقرأ أحد منهما أياً من مؤلفات فودة، أما القاتل الرئيسي فقد اتضح أنه لا يقرأ ولا يكتب، كل الذي اعتمدوا عليه هو الاتصال بالمفتي الذي أجاز لهم ذلك؛ في حال لم تُقم الدولة عليه حد المرتد.
وقد تعمد القتلة القيام بعملية الاغتيال أمام أبنائه لإرسال صورة تعزيرية حاقدة للآخرين، وإحراق دم أهله وأولاده، حسب ما جاء في التحقيق معهم.