كريتر نت : بدر القباطي
خطفت جدارية نفذها الفنان اليمني ورسّام الغرافيتي، مراد سبيع، انظار المارة في وسط باريس، تظهر ثلاث جثث على خلفية حمراء، للتنديد بالحرب الدامية التي تعيشها البلاد للسنة الخامسة على التوالي.
وجسد الفنان اليمني المبدع مراد سبيع في معاناة اليمنيين في جداريته التي أطلق عليها اسم (رقصة الموتى الأخيرة) بمساحة 9 متر عرض و 6 متر ونصف ارتفاع، والتي نفذها في منطقة المارين وسط مدينة باريس.
وكتب سبيع على الجدارية باللغة الفرنسية عبارة “على اجساد اليمنيين تمر الحرب، النفاق الدولي وأسلحته”
وحاول سبيع عبر جداريته تسليط الضوء على معاناة اليمنيين من الحرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، وملامسة ما أسماه “اوجاع الاسر اليمنية ومعاناتهم “.
وقال سبيع “هذه (الجدارية) مستوحاة من قصص حقيقية لأشخاص لاقوا حتفهم في الحرب وأنا أحاول أن أنقل الشعور بطريقة تأثير الحرب على الناس”.
وكان سبيع قد فر إلى فرنسا قبل سنة ونصف، وهو عضو في صندوق حماية الفنانين الذي يوفر الإغاثة والملاذ الآمن للفنانين في مواقع الخطر.
وأهدى سبيع العمل الى كل الابرياء الذين فقدوا حياتهم ولاسرهم خلال الحرب الدائرة في اليمن التي اكلت الاخضر واليابس من منجزات اليمن على طول السبعة العقود المنصرمة.
وسبق للمبدع مراد سبيع أن نفذ بمشاركة عددا من رفاقه عددا من رفاقه في بداية يوليو 2012 ثلاث حملات فنية على جدران شوارع العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات استهدفت قضايا حقوق الانسان والامن والعديد من القضايا الاجتماعية والمشكلات التي يعاني منها المجتمع اليمني المثقل بالعديد من الازمات المتراكمة باسلوبهم الخاص الذي يخاطب المجتمع والجهات المعنية من خلال الرسم على الجدران.
وبدء سبيع حملته الاولى بعنوان ” لون جدار شارعك” بدعوة صغيرة علي صفحته بالفيسبوك قال فيها “معاً لنملأ شوارعنا بالحياة ونستبدل القبيح بالجميل.. من معي لتزيين شوارعنا باللون والحب والحياة.. سأنزل قريباً”.
واستهدفت الحملة الاحياء التي تضررت من أحداث العام 2011م أبان الثورة الشعبية لتحل الالوان الجميلة على الجدران التي كانت مليئة ثقوب الرصاص أثر قصف قوات النظام السابق عدد من الاحياء في العاصمة ثم نشطت في عدد من المدن اليمنية.
وكانت الحملة الثانية باسم “الجدران تتذكر وجوههم” استهدفت ضحايا الاخفاء القسري في فترات الصراع السياسي التي عاشتها اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي وراح ضحيتها المئات من الناشطين السياسيين وكان أغلبهم من التيارات اليسارية، وهدف سبيع بهذه الحملة إلى إبراز معاناة أسر الضحايا التي عاشتها نتيجة الاخفاء الذي تعرض له أبنائها وتحويلها من قضية حبيسة التداول السري إلى قضية علنية تفاعل معها قطاع واسع من المجتمع.
واطلق سبيع على حملته الثالثة اسم “12 ساعة” وهي الحملة التي صنفها الكاتب كارلي ويست، في المرتبة الخامسة لأهم الحملات التي تحدث التغيير في العالم وذلك في مقال له ضمن قسم المراجعة السياسية لـ”مشروع النظرية السياسية” التابع لجامعة “سانت جورج” الأميركية.
وتحكي “حملة 12 ساعة” قصّة 12 قضية أساسية في اليمن. (السلاح، الطائفية، الاختطاف، العبث بالوطن، الطائرات الأمريكية دون طيار، الفقر، ضد الحرب الاهلية، شهداء مجزرة العرضي، تجنيد الاطفال، الحرب، العمالة، الفساد).
وثابر الفنان مراد سبيع في القيام بدوره الانساني الذي تجلى في إدانته للحرب وخراباتها ونفذ حملات عديدة في عدد من المحافظات اليمنية، غايتها الاحتفاء بالألوان ونبذ العنف ومحاربة الفقر والخطف، وانتقاد الطائفية وجرائم الإخفاء القسري، فضلاً عن الانحياز لقضايا المواطنة والتسامح والمدنية والحريات وحقوق الإنسان.
وفاز التشكيلي الشاب مراد سبيع في العام 2014 بجائزة “الفن من اجل السلام” للالتزام القوي الذي أظهره مراد سبيع تجاه فنه وكشف فيه عن حقوق المدنيين ضد الهجمات الإرهابية.
وحينها أعتبر سبيع حينها تكريمه بهذه الجائزة تكريما لليمن واليمنيين وخص حينها بالذكر أصدقائه ومن شارك معه في حملات الرسم على الجدران “12 ساعة، الجدران تتذكر وجوههم، و لون جدار شارعك”، والذين اعتبرهم السبب الرئيسي في نجاح الحملات.
وتمنح هذه الجائزة كل عام في المؤتمر العالمي للعلوم من أجل السلام للفنانين الذين ابرزوا التزاما بثقافة السلام.
وأعتبر مراقبون حملات سبيع تنطوي على أهم التغييرات في التوجه الثقافي لدى الموجة الشبابية الجديدة في اليمن، وتنوير وتثوير على الجدران في ظل واقع قاحل فنياً كاليمن، كما في ظل الحروب الشرسة والدمارات الهائلة في عموم البلاد، فضلاً عن كونها رسائل مفادها أن الشعب لا يستسيغ كل هذا الخراب. وباعتبار الجداريات من أهم وسائل الاتصال الجماهيري يبث روح الحياة ويظهر الوجه القبيح للعنف.
وكانت باحثة في جامعة سانت جورج الأميركية، صنفت احدى حملات الفنان الشاب، كخامس أهم عمل يسهم في التغيير السياسي بعد فنانين أميركيين اثنين وصيني وتشيكي. يؤكد مراد سبيع أن الأمل هو ما يتذكره من ثورة 2011، التي كان من أوائل المشاركين فيها، على الرغم من قسوة انتكاسة الثورة.
وبرع سبيع في التأسيس لجاذبية الفن شعبياً وتحميله مضامين جمالية رفيعة المستوى على الرغم من مخاصمة الواقع الرسمي لفن الرسم عموماً، إلا ان التشكيلي المغامر قوبل تدفقه الحيوي الفني بحفاوة بالغة على الصعيد الشعبي كما انتشرت جدارياته مع آخرين، كفعل ثقافي بصري مثير في بلد يتعرف للمرة حديثاً على هذا الفن.