حرب آل صالح مع آل فرج وأسبابها (قبل 200 سنة)
كتب : الرئيس علي ناصر محمد
أسباب هذه الحرب وتفاصيلها مجهولة كون الجهل كان سائداً ولا أحد يهتم بالكتابة والتدوين لكن ما يتناقله الناس أن أمطارا غزيرة هطلت أدت الى نشوب مشاكل بين قبيلة آل قنان وآل صالح وحاول آل صالح طرد آل قنان من بلادهم، فلجأوا إلى آل فرج لطلب العون والذين ارسلوا المقاتلين الى حصون آل قنان لحمايتها مما دفع آل صالح إلى المواجهة فقتل من قتل من الطرفين منهم “عمر امًبريهم” من آل صالح والخضر بن حسين عشال جد حسين عثمان ويلقب الطميري واستمرت الحرب سجالاً بين القبيلتين حتى منتصف القرن الـ 20 ووقع بين الطرفين صلح في الثلاثينيات، وأثناء الصلح التقى الخضر محمد عبد الله الصالحي في عدن بأحمد النينوه وخرجوا رفقة طريق، وفي جبل العرقوب غدر النينوه بالخضر محمد وقتله وهرب النينوه ونشبت الحرب مرة أخرى، وبعد عشر سنوات وقع الصلح وفي أثناء الصلح قتل (شيخ عبد الله العاقل) في مسكنه غدرا وهو نائم على فراشه في الدور الثالث من حصن أبيه الشيخ عبد الله محمد الصالحي ونشبت الحرب من جديد وخربت الأرض والزراعة، ورفض الشيخ الصالحي أي صلح آخر بعد كسر الصلح مرتين وبعدها لجأ آل فرج إلى السلطان صالح بن عبد الله الفضلي ليطلب صلحاً وهم يعرفون أن الفضلي إذا لم يحصل على الصلح سيعاقب آل صالح بأن يمنعهم من الدخول إلى عدن عبر أراضيه، وكانت عدن تعتبر السوق الرئيس للجنوب ككل، وبالفعل وصل السلطان ومعه حوالي ثلاث مئة من قبائله وأثناء وصوله كالعادة اقاموا له استقبالاً وقد تقدم شاعر أهل صالح علي رامي مخاطباً السلطان وهو يقول:
يا الشافعي (1) تذرى حصم في حيد صم
ما شي حصم ينبت على جنب امصفاه
بعد الخضر وامقبر ذي بيـن املصـم
مرصـم بمرصـم ما جرى يجري قفاه
ومعنى هذين البيتين أن قبيلة أهل صالح ترفض مساعي الصلح مع قبيلة أهل فرج التي قتل أحد أفرادها ابن عاقل قبيلة أهل صالح (الخضر) غدراً في منطقة العرقوب وأخفى جثته بين الصخور وقد أكد الشاعر أن الصلح مستحيلٌ مع قبيلة الجاني استحالة أن تنبت الحصى على ظهر الصخور الملساء.
وقد سبقت هذه المراجيز التي قيلت بحضور السلطان الفضلي عملية تراشق شعري بين شاعري القبيلتين فالشاعر شقيف وهو من قبيلة آل فرج قال قبل أيام من زيارة سلطان الفضلي:
قالوا لي امعاقل معطل مودية
حانق على ابنه ليش ما خذ شاعته
هاذ السنة سرنا على الساحل
سوى والثانية بالسبحه لا قاعته .
وقد رد عليه الشاعر المعروف علي رامي وهو كما أسلفنا أحد شعراء قبيلة آل صالح بالقول:
لا بان جذر امعلب عندك واعترف
ما بايفيدك لنت من قطاعته
ام مر وامحلتيت سوهن في وعاء
والسم في لنسان يأخذ ساعته .
السلطان يأمر بهدر دم الشاعر علي رامي
والشاعر يقصد أن القتيل الأول قتل في أرضك يا سلطان وبدلاً من أن تأتي بلوم جئت تطلب صلحاً وكأنك تبذر حصى في جبل ، وبعدما تغدى السلطان رحل إلى امقوز وعزمه آل محكل على العشاء، وبعد عودة السلطان منع آل صالح من المرور في أراضيه مما اضطرهم أن يسلكوا طريقاً يبدأ من وادي ابن سالم ويمر في حدود يافع ومن ثم الحرور إلى أن يصلوا إلى عدن، واستمر بهم الحال وهم ممنوعون من الطريق المعتاد، كما أن السلطان أهدر دم الشاعر علي رامي وأمر قبائله أن يقتلوه أين ما وجدوه، وبعد مدة تزوج السلطان، وعزم سلاطين الجنوب ومشائخها لحضور الزواج في شقرة التي كانت عاصمة سلطنته، ولم يعزم الشيخ عبد الله محمد الصالحي لكونه غضباناً منه لعدم إعطائه الصلح الذي طلبه.
وبعد ذلك أمر العاقل الصالحي الشاعر علي رامي أن يذهب لزواج السلطان
وقال الشاعر: السلطان سيقتلني يا سيدي
قال له الشيخ: لسانك دي حنًب لك (2) بايخلصًك، وفعلاً ذهب علي رامي للزواج بمعية ناصر أحمد بدًرق، وكان السلطان قد نصب مخيماً على شاطئ البحر وفوجئ بدخول علي رامي إلى الحفل وقد اعد قصيدة بدأها بقوله:
يا ناشر الليلة من الحد النسم (3)
اعبر دثينة واعبر أخشام الجبل
واعبر في العرقوب
بين اخشام سود
لا تأوي إلا الحصن مرواح النمر
لا هز رأسه كل شامخ با ينود
دي هد في القشرى وروح بالولد
من بين خوته دي يعدونه عدود
يا سيد صالح بيت لا أرض اليمن
رخصة تجيني يا جبل عالي سنود
ان جيت تحت الأرض ما ناشي ولي
وان جيت فوق الأرض سويت البنود
ما اليوم يا الجمال نذق بالخطم
شوف بوك صالح نوًم أعيون الحسود
دام الله أحكامك ودامت دولتك
ما دام حيد الصرية فوق الحيود .
عقب اللقاء الشاعر رامي قصيدة امام السلطان فعفى عنه
قال السلطان أعد أعد يا بن رامي وسمعها مرة أخرى، وقال السلطان: اشهدوا يا من سمع وحضر أن آل صالح أحرار يمرون في الطريق، والذي دعا العاقل لهذا الأمر أنهم في إحدى المرات وهم مسافرون إلى عدن وفي الطريق الذي يسلك وادي ابن سالم وأسفل يافع وقعوا في كمين نصبه الأمير فضل محسن من أقارب السلطان صالح وأبلغوه أن آل صالح يسلكون الطريق والسلطان مانع عبورهم وكانوا 25 نفراً اعترضهم الأمير فضل وصاح عليهم أن يتوقفوا، وهو سائر نحوهم وكان يركب حصاناً ومعه 15 جندياً من حرس السلطان، فتوقف ركب المجموعة وكان معهم “أحمد عمر بن يهم” وقال لأصحابه: “خذوا حذركم شوفوني با عشر طلقة عند السلطان وبا عمر بندقي بطلقة أخرى”، وإذا رفض مرورنا شوفوني با اقتله وعليكم بالآخرين، ووصل الأمير فضل إلى عندهم وأمرهم بالذهاب معه إلى شقرة (4) عاصمة السلطنة فما كان من احمد عمر إلا أن أطلق النار في الهواء وعمر بندقيته وقال للأمير: هذه عندك وهذا لك وعند الله وعندك تكفينا شرك”، قال الأمير: خلاص الله معكم اعبروا الطريق، ورأى الشيخ الصالحي بأنه إذا طال الحصار لابد من صدام يقع وإن من الأفضل أن يذهب شاعر القبيلة ويحل الإشكال وهذا ما حصل .
وساطة السلطان حسين جعبل للصلح بين آل فرج وآل صالح
وبعد وساطة السلطان الفضلي جاء حسين جعبل يطلب صلحاً وهو سلطان العواذل وسبق أن تَحاكم عنده آل فرج وآل صالح في قضية أرض زراعية وحكم على آل صالح بألف ريال ماريا تيريزا ويبدو أنه مال في حكمه إلى آل فرج ورحب به الشاعر بقوله:
حيا بسلطان العصيب الجاسرة
دي عين يفتحها والأخرى صرها
من جده أسقاه الفناجين العسل
وإحنا من القصبا شربنا مرها
وبالفعل عاد بدون صلح وبعد ذلك جاء العاقل الدماني، ولكون الدماني صهراً لآل صالح كان يعتقد أنه من الممكن أن يحصل على صلح ورحبوا بالدماني وقال علي رامي:
حيا بكم يا ذي وصلتوا مرحبا حيا وبامد الفرش هي والبجد
العوذلي قد جاء ولامهرا نجد هو ما ترانا كلنا في شق حد
ورجع بدون صلح، وأثناء عودة محسن بن فريد من الحج استضافه في عدن الشيخ سعيد هيثم الظهر وطلب منه أن يتوسط في صلح, وبالفعل وصل إلى مودية لطلب الصلح وقال الشيخ الصالحي للشاعر علي رامي أنا أبغي أرحب بابن فريد ودخل الشيخ عبد الله محمد يرحب بمحسن بن فريد وقال:
حيا الفريدي بن رويس العولقي
مثلك يجي عندي ومثلي با يجيك
رع دي عبر فينا وجانا منهم
ايش باتقول اليوم لاهو الامر فيك
بعد ذلك ذهب إلى عند العاقل، وبعد العشاء أخذ العاقل سراج فانوس وقال لابن فريد: أتفضل ونزل به إلى المخزن الذي قتل فيه ولده وكان هذا المخزن مقفولاً منذ أكثر من عشرين عاماً والدم على الفراش منذ ذلك الوقت وقال لأبن فريد: واحد من أولادي قتل في أرض الفضلي ونحن في صلح، وابني الثاني قتل وهو على فراشه ونحن في صلح والآن ماهو رأيك هل تلوموني على مواصلة حربي، قال: الآن اتضح الأمر لي وأنا الآن لا ألومك لعدم اعطائك صلحا.
قال بن رامي علي في الحرب بين أهل فرج وأهل صالح:
ألا قال بن رامي علي العب يا أمحسك( 5)
على امزامير وأصوات أمطبول
ما بين مسمار( 6) وأمجبلة يسك
من البنادق قليلات القبول( 7)
__________________________________________________
*من كتاب ( الطريق الى عدن ) للرئيس علي ناصر محمد
هوامش :
1– السلطان صالح بن عبد الله سلطان آل فضل الذي جاء للصلح ما بين أهل فرج وأهل صالح في مقتل الخضر محمد عبد الله الصالحي الذي قتل في العرقوب من قبل أهل فرج. وبقصد بالشافعي السلطان الحر لان الجنوب حُكم في القرن العاشر الهجري من قبل حاكم جائر في صنعاء وحصل انفصال بعد ذلك وشعر الجنوبيون أنهم متحررون أو أن الشوافع متحررون من الزيود ويقول الشاعر علي رامي :
سلامي يا أهل صالح بن حسن أهل المشالي ذي على حداتها
نهار دقعه كل أبوها شافعي كم من ولد خذتوه في رداتها .
2- لسانك حنب لك: تعني أن لسانك هو الذي أوقعك إشارة هنا إلى بيت الشعر السابق .
3- النسم تعني الواسع .
4- – كانت شقرة هي عاصمة السلطنة الفضليه بعدما كانت الصرّيه الواقعة إلى الشرق منها العاصمة الأولى في جبل الدولة المجاور لجبال المراقشه المكونة للسلسلة الجبلية الممتدة إلى مناطق باكازم في مديرية أحور. هذه المنطقة (شقرة/ الخبر) عبارة عن شريطين جبلي وساحلي بحرها يكتنز أغنى ثروة بحرية على الإطلاق وشريطها الجبلي تسكنه بعض القبائل. وسكان الشريط الجبلي عبارة عن قرى وبدو رحل.
5-أمحسك: قرية تقع على جبل صغير قبل مودية.
6- مسمار هو الحصن الواقع بين جبلة أهل فرج وقرن أهل عشال.
7-القبول معناها قليل الخير.