كريتر نت / تقرير/ جهاد عوض
في حياتنا اليومية بظروفها الصعبة وأزماتها المتعددة تجد الكثير من البشر لا يستسلمون لها ولا ينكسرون أو يتحطمون نفسياً، بل تجاوزوها بإصرار وإرادة فولاذية فأثبتوا تواجدهم في مختلف ميادين الحياة وتميزوا في الكثير من الأحيان على الأصحاء، متسلحين بالإيمان والقضاء والقدر.
عبدالله محمد شلال (44 عاماً)، أو كما يطلق عليه المهندس عبدالله، من ذي الهمم، وهو مقعد حركياً، ولد في منطقة ريفية زراعية بمحافظة أبين تسمى (المالود).
تعرض شلال لحمى شديدة وهو طفل يبلغ من العمر عاما ونصف، ونتيجة حقنة خطأ سببت له إعاقة دائمة غيرت مجرى حياته.
التنقل بواسطة الحمار
عاش سنوات الطفولة محروماً من اللعب واللهو مع أقرانه في ظل ظروف أسرته المعيشية الصعبة، حتى تعليمه الذي يعشقه لم يجد ما ينقله من البيت إلى المدرسة إلا عبر ركوب (الحمار) حتى أكمل دراسة الابتدائية والثانوية.
لم يجد شلال في ذلك الحين أي جهة تدعمه وتشجعه من قبل الجهات الحكومية، كما كان الحمار هو مصدر دخله الوحيد، حيث قام بشراء عربة وجرها خلفه، كوسيلة نقل آمنة له، وكذا لنقل البضاعة للمواطنين بإيجار رمزي، وتمكن من خلاله من إيجاد مصدر دخل جديد يعينه ويسد ولو النزر اليسير من متطلباته هو وأسرته.
وبهذه الطريقة أتيحت أمامه حرية التنقل من القرية إلى مدينة جعار للدراسة، كما ساعدته على اكتشاف ورؤية عوالم أخرى تتجاوز حدود قريته الصغيرة بكل شيء فيها، لهذا عزم ألا يكون معاقا حبيس الجدران محكوماً عليه أن يظل هكذا مدى الحياة عاجزا وغير قادر عن عمل أي شيء مفيد وإيجابي في نظر أهله والمجتمع المحيط به، بل أصر شلال بألا تقف حدوده وطاقاته عند هذا العمل البسيط، فقد كان له حلم أكبر راوده في طفولته بأن يصبح مهندساً، وسعى جاهداً لأن يحققه في حياته، وهذا ما حققه وأثبته للجميع لاحقا ومن دون دراسة في أي مدرسة تعليمية ونظامية، بل حققه بإرادته وعزمه وصبره ومثابرته، وأخذ شهادته من مدرسة وجامعة الحياة الحقيقية التي لم تصرف شهادتها جزافاً ومجاناً لمن هب ودب، بل ينالها من أثبت تفوقه وحنكته فيها، وكسب ثقة الناس بما يقدمه لهم من خدمة وعمل.
تعلم الهندسة
استطاع عبدالله محمد شلال من خلال ذهابه إلى مدينة جعار بشكل يومي للدراسة ونقل بضائع المواطنين بعد الدراسة والإجازات.. استطاع التعرف على صاحب ورشة يدعى العم عمر العمود، ومن خلال جلوسه معه المتكرر ومشاهدته ومراقبته لعمله في تركيب وإصلاح المواطير (المولدات الكهربائية) ومضخات المياه، رحب به في حينها الحاج العمودي، وبتصرف أبوي وإنساني جميل شجعه وأبدى له النصح على خوض هذه التجربة والمجال بالسماح له بمساعدة والمساهمة معه في بعض الأعمال الخفيفة والبسيطة في البداية، مما مكنه من اكتساب الخبرة والمعرفة في الهندسة مع ما يكتنفه من مشقة وقوة عضلية في أحايين كثيرة حتى وصل إلى أن يقوم بمفرده مع الأيام والممارسة اليومية من تفكيك وتوضيب أي مضخة، بل وصل إلى أن يشتغل على المضخات ولإصلاح وصيانة ريش شفط المياه، وهذه أعمال ما يجيدها ويقوم بها إلا القلة من المهندسين.
وهكذا أجاد شلال وأتقن هندسة مكائن ومضخات الآبار بأنواعها، ولم يستسلم للإعاقة وحواجزها بل شق طريقه في الحياة وحيداً متسلحا بالثقة والإرادة في نفسه وقدراته، وجعل من إعاقته نبراساً ينير طريقه، حتى جعل له كيانا ووجودا مؤثرا في محيطه ومجتمعه، مما أكسبه محبة وثقة من حوله من الناس.
وتمكن في رحلة كفاحه وإخلاصه في عمله من بناء منزل متواضع له، ومن ثم الزواج من بنت مطيعة ارتضت به كإنسان له ما لغيره من مشاعر وأحاسيس، وأنجبت له ثلاثة أولاد يراهم كما يقول بفرح وحب: “هم أعز وأغلى ما أملكه في الوجود، أقوم برعايتهم والانفاق عليهم”.
وأضاف بحسرة وألم، في حديثه “خلال العشرين العام الماضية، لم أجد أي دعم أو مساندة من إحدى الجمعيات والمنظمات التي تعمل بالمحافظة وهي كثيرة ولا حصر لها، على الرغم من أنني إنسان معاق بدون أي دخل ثابت يعيلني أنا وأسرتي، بل لم أجد من يشجعني ويقدم لي ولو عربة تساعدني في أداء عملي الذي يتطلب تنقلي بشكل مستمر، يستنزف الجزاء الأكبر من دخلي من خلال استجار دراجة نارية لتنقلي بشكل يومي”.
لا مستحيل في الحياة
غابت لدى عبدالله شلال مفردات العجز واليأس والمستحيل من يومياته، لم يفقد الأمل والإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنه لا يتخلى عن المؤمن الصابر ما دام العبد موكلا أمره وعمله عليه، لهذا جعل أيامه تعج بالنشاط والحركة متلازمة بإرادة وهدف يسعى لتحقيقه في حياته، صحيح أنها بطيئة ومتثاقلة بحكم الإعاقة إلا أنها مثمرة وإيجابية، توكد مفهوم نسمعه دائماً قولا وجسده فعلا على أرض الواقع شلال بألا مستحيل في الحياة مع إرادة وعزيمة الإنسان وإن كان معاقا.