كتب : د / .احمد عبد اللاه
جبهات الإخوان التي تصدعت لهديرها الشاشات طوال سنين (عجاب) وتفجرت لها مفردات التحليل الاستراتيجي في قصبات الحكي على الهواء، تبخرت وانصرف مقاتلوها نحو ما يجعل منهم “فرسان هيكل” الخلافة، يتهافتون على قطف ثمرات عاصفة الحزم بعد أن (نشفت) وتحولت إلى عاصفة رملية حجبت “النجم” عن مسرى العالقين في ليل الغموض الرهيب.
أما “الشرعية” وبعد سنوات من استرخاء المترف المترهل لم تعد صالحة للاستعمال عدا في (روشتات) التهدئة وفي ديباجات التعيينات وخزائن الصرافين، فهناك حزب تملّكها وتسيّدها ويدير الجيوش والحكم وكل شيء بإسمها حتى صار عمقها وسقفها. في المقابل تقطعت عقد الحزام المشدود للملكة “السعودية” وانثنى حزمها محشوراً بين شقي الرحى، تتخبط عشواء في صرير التكتيكات المرحلية.. ولم يعد أمامها سوى مراقبة تحرك الإخوان (جنوباً) بصمت، بعد التضييق على حليفها استجابة لضغوط التنظيم الدولي الذي وضع إعلامه وأدواته وعلاقاته لهذا الغرض. وهكذا يتجلى عجز المملكة في معالجة أمور كانت منذ البداية شديدة الوضوح لكل المراقبين في العالم.
المملكة تدرك بأن الإخوان لا يقاتلون من أجل (بلد).. وبالطبع ليس من أجل عودة الشرعية إلى “المركز المقدس” أو رفع العلم على “جبال بلوتو الغامضة” فتلك أصبحت من “بكائيات” عاصفة الحزم… وإنما من أجل أهداف جيوسياسية لتحقيق نفوذ دولة خلافتهم على الممرات المائية من خلال سيطرتهم على الجنوب وأجزاء من الساحل الغربي وهذا بحد ذاته، إن حصل، سيحصر المملكة بين نفوذ إيران ونفوذ تركيا، ومع ذلك تقف قليلة الحيلة بطيئة متعثرة وكأن هناك “دوائر” داخل هياكل حكمها تعمل على مساندة أعدائها.
ربما اعتبر السعوديون أن دعمهم لإخوان اليمن منذ بداية الحرب ضرورة لدرء الخطر الأكبر الذي يمثله الحوثي! وتلك ليست سوى ارتدادات لخيال المرتبك المذهول من تفاصيل الواقع وحجم تعقيداته خاصة حين يخوض حرباً بلا محددات استراتيجية مع انفلات وتناقض داخل الدوائر والوظائف والأدوات التابعة. وهذا يعيد إلى الواجهة نمط تدوير الأداء التاريخي للمملكة الذي لطالما اعتدت واعتادت على تطبيقه في ملفات عدة جهرت الايام بفشله وتداعياته المتسلسلة. لقد قدمت المملكة دعم وتسهيلات مجانية لإخوان اليمن وساومتهم بطريقة لا تجيد هندستها ولا ترسم طرقها ولا تدرك مجراها… ليس آخرها الحالة الشبوانية وقبولها (تمكين جيوش الاخوان) من منطقة هي الأكثر حيوية، مثلت مفترق ناري أحدث خلل كبير في خريطة التوازن التي أفرزتها حرب ٢٠١٥ ومكنت الإرهاب من صناعة العودة والتجدد والانتشار بعد أن نزفت دماء جنوبية لتحرير تلك الأرض. انعكس بدوره ذعراً على حلفاء الركون المراهنين على القدرة السعودية
والتشبث بالثقة بها كحليف قادر على كبح الأخطار.
تلك هي “الكأس المقدسة” في الميثولوجيا السياسية المثيرة للجدل منذ أول طلقة حزم على صنعاء حتى القنابل المضيئة على عدن.
وعلى ضفة الميديا كمعركة وسلاح ماض في المشهد، ظل إعلام المملكة أمينا على هذا التخبط ونموذجاً موازياً للنهج المزدوج، مطابقاً له وكاشفاً لحقائقه، إعلام لم ينقح الاداء السياسي بل كرس الغباء المتسلسل في جمع تناقضات حادة داخل نشرة أخبار واحدة.
لقد وقفت عاصفة الحزم في “منتصف” غير محدد، فالحوثي أصبح سيد أرضه (لا شريك له) وما يزال يقاتل من أجل الوصول إلى عدن، وحزب الاخوان أصبح سيد أرضه (لا شريك له) ويقاتل حصرياً من أجل الوصول إلى عدن.. والارهاب يلملم شتاته تحت مظلة الإخوان! فأي شيء يقال بعد هذا؟ وهل في الصابرين (حيل) لانتظار مفجأة تبشر بعودة الوعي للغافلين؟
ومن جهتها ماتزال عدن تعيش مفارقات كبرى حين تظن أنها قد قطعت المسافة بين “حذاء بكّار” و”البساط الأحمر”، لأنها ما تزال قريبة من (دم بكار العظيم) بعد أن كبلت انتصاراتها موجات الظلام والدماء النازفة ولم تنج من “الشدة المستنصرية” بنسختها الحديثة المضاف إلى تفاصيلها حروب الجبهات وحروب الإرهاب ومصادرة الحقوق العامة والاعتداء على الأرض والتاريخ.
وفي لحظة فارقة كهذه يغيب حماتها في “الصمت” بل يعيبهم الصمت الذي تتوارى خلفه اخبار وتتنازعه مواقف تاركة الناس في إحباطاتهم وخوفهم يعمهون. لقد تكاثرت غربان الارهاب والإعلام المساند له على مائدة الدم الجنوبي وتواصل تحفز الإخوان للغزو..
يقابله تعتيم وغياب وتأخير جنوبي، فلا صوت واضح ولا فعل استباقي ولا حضور قوي رادع يكبح تحفز الأعداء نحو عدن. فهل يعقل بعد هذه السنين أن تظل عدن هدف للغزو (بعناوين جديدة) من خارجها وللارهاب من داخلها؟
بين حذاء بكار والبساط الأحمر حكاية شعب تتقاذفه الدروب المظلمة..
وقياداته لم تعد تعيش اجواء الفعل والمثابرة والمبادرة وحسابات الزمن وكأنها مصابة بالخدر الإداري البيروقراطي التقليدي الممل وبنشوة الخطاب الذي يفوق القدرة على الإنجاز، وسياسات ردود الفعل المتأخرة بعد أن تستفحل الأمور. ولم تدرك حاجتها الماسة إلى التجديد والانفتاح والحركة والاختيار الحقيقي والاهتمام بالمقاومة… الخ، وأن الخصوم لديهم عقول شيطانية صنعت كارثة ٩٤ ويجب أخذ الحيطة لكي لا تكررها. فمن يُلدغ مرتين يستحق سموم الأفاعي.