كريتر نت / كتب- رجا أمين
ها قد تم إجراء الاستشارات النيابية بعد أن دعا إليها الرئيس اللبناني ميشال عدن يوم الخميس 19 كانون الأول، لتكليف من تسميه هذه الاستشارات بتشكيل الحكومة اللبنانية، على خلفية استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في 29 تشرين الأول المنصرم.
استقالة الحريري جاءت بحسب قوله بسبب التحديات الداخلية وفي سبيل إحداث صدمة إيجابية، الأمر الذي رأى فيه مراقبون استجابة لحراك الشارع وثورة اللبنانيين، في حين رأه البعض الآخر محاولة من الحريري لاستغلال اللحظة الشعبية لإحداث مكاسب سياسية شخصية، تحرره من القيود التي كبل بها، خاصة من طرف التيار الوطني الحر وزعيمه وزير الخارجية جبران باسيل.
في واقع الأمر كسرت استقالة الحريري ما أوردته معلومات متقاطعة حول دعم غربي، أوروبي وأميركي في بداية الثورة لبقاء الحكومة على أن تجري إصلاحات سريعة وتتجنب قمع الشارع، كما كسرت كلمة أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، الذي هدد ضمنياً ضمن كلمة له مطلع الثورة كل من يفكر بالاستقالة.
بعد تحول استقالة الحريري أمراً واقعاً برزت مخالفة للعرف الدستوري وروحه، إذ لم يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الدعوة إلى الاستشارات الذي دوماً ما كان يصدر فور صدور مرسوم قبول استقالة رئيس الحكومة، وهو الأمر الذي فسره الرئيس نفسه في مقابلة تلفزيونية برغبته في تجنب تأخر الرؤوساء المكلفين بتشكيل الحكومة، مذكراً بسوابق في هذا المجال طالت لأشهر وأشهر، بينما سعى في الواقع كرئيس للجمهورية ومن خلفه صهره جبران باسيل، إلى تحديد من سيرأس الحكومة والاتفاق معه على شكلها والحصص فيها قبل الدعوة للاستشارات، أي أنهم سبقوا التكليف والتأليف عملياً على التكليف، ما أثار امتعاض الروؤساء السابقين للحكومة، فاجتمعوا وعبروا عن موقفهم تجاه هذه السابقة في بيان رسمي صدر عن فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام.
طرح أولاً اسم محمد الصفدي لترأس الحكومة المقبلة، وهو ثري سبعيني من طرابلس، انتخب نائباً لدورتين سابقتين وشارك كوزير في 4 حكومات ماضية، وقد أثار طرح اسمه سخطاً واسعاً لدى اللبنانيين الثائرين، الذين عبروا عن رفضهم لهذا الخيار حتى أنهم تظاهروا أمام منزل المرشح غير الرسمي بينما نشروا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تورطه في صفقات الفساد والمحاصصة مع الطبقة السياسية الحالية والتي ثار عليها اللبنانيون.
تراجع طرح اسم الصفدي الذي عبر عن عدم رغبته في ترؤس الحكومة ليطرح بعد أيام اسم جديد هو بهيج طبارة التسعيني البيروتي والويزر السابق لعدة مرات، والذي سريعاً ما اعتذر عن تصديه لهذه المهمة بعيد تداول اسمه.
هنا جاء مرشح من خارج الطبقة السياسية هو سمير الخطيب، السبعيني ابن إقليم الخروب المدير العام ونائب الرئيس التنفيذي لشركة الهندسة المشهورة “خطيب وعلمي”، بعيد عن السياسة ودهاليزها، وإن كان على علاقة عمل مع آل الحريري ومستفيداَ من صفقات تتخللها التنفيعات، وليست بعيدة بطبيعة الحال عن الفساد، بالإضافة إلى علاقة المصاهرة التي تربطه بالرجل القوي في لبنان أي اللواء عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني.
ارتفعت أسهم الخطيب في التداول رغم الصفقات التي تورطت شركته فيها، وحدد موعد الاستشارات النيابية المخصصة لترتيب تكليفه، قبل أن يتعرض لضغوط سنية ويعلن بعد زيارة قام بها للمفتي عدم رغبته في أن يكلف بتشكيل الحكومة، وأجلت الاستشارات مرة فأخرى.
طيلة هذه الفترة من تداول الأسماء واحداً بعد الآخر، كان يجري الحديث عن مناورات وجس نبض تجري بين سعد الحريري وجبران باسيل ومن خلفه “حزب الله”، تتخللها عمليات شد حبال وتهديد وترغيب، تفسر طرح الأسماء و””حرقها”، حتى طرح اسم حسان دياب الأستاذ الجامعي والوزير السابق لمرة واحدة في حكومة إشكالية ترأسها نجيب ميقاتي. والذي عرف -أي دياب- بنرجسيته و”سطوه حتى على أبحاث طلابه ونشرها باسمه وحده.”
ولكن يبدو أن كل هذا الشد والجذب أدى إلى إعلان الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة ساحباً اسمه من التداول بعد أن كان حاضراً كمرشح على الدوام، الأمر الذي فتح الباب أمام إجراء الاستشارات وتسمية حسان دياب مقابل أصوات أخرى قليلة ذهبت لنواف سلام القاضي في محكمة العدل الدولية، وأصوات أكثر رفضت أن تسمي مرشحاً.
رأت الصحف الغربية في حسان دياب رئيس حكومة محسوب على “حزب الله”، ما يعني حكومة تحد ومواجهة، في الوقت الذي طرحت فيه نظريات مختلفة حول سبب اعتذار الحريري الذي فتح الباب أمام شخصية هامشية للوصول إلى هذا التكليف.
نظرية أولى تقول إنه كان يرغب في ترأس حكومة مشكلة فقط من وزراء تقنيين، تكنوقراط، الأمر الذي رفضه رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر بالدرجة الأولى وإم لم يكونا وحدهما في ذلك.
والنظرية الثانية فتقول إن اعتذار بسبب الإصرار على أن يكون جبران باسيل جزء من الحكومة وأحد وزرائها، في الوقت الذي ضاق الحريري فيه من باسيل وتحكمه والضغط الدائم الذي يشكله.
أما النظرية الثالثة فتضع الحق على الحريري أكثر من سابقيتها، إذ تفيد بتقديم الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر تنازلات عديدة، كل من طرفه، لإغراء الحريري بأن يكون جزء من تشكيل الحكومة من خلال تسميته هو من سيرأسها، أي من المحسوبين عليه ومحل ثقته، في مقابل ألا يتوزر جبران باسيل، وأن تكون حكومة تكنوقراط لا تكنو سياسية، بما في ذلك أبعاد وزراء شبه دائمين من الصقور كرمى لعيون الحريري ومشاركته. ولكن بحسب هذه النظرية فالحريري وبسبب ربطه مستقبله السياسي ببقائه رئيساً للحكومة رفض هذا الطرح الذي لا يبقيه رئيساً، مفضلاً خسارة كل التنازلات المقدمة من خصومه السياسيين الذي ذهبوا إثر ذلك في خيارهم المتمثل في حسان دياب إلى الآخر، على أمل أن يفشل دياب فيعود الحريري مرة أخرى ربما.
ولكن، هل سيستطيع شخص بهزالة حسان دياب أن يشكل حكومة أزمة، هي الأزمة الأقوى على لبنان منذ الحرب الأهلية؟ وفي حال نجح باسيل وحزب الله بتشكيل وتفصيل الحكومة له، هل ستستطيع الحكومة أن تحكم وتنقذ البلد من بعض أوجه الأزمة المقبلة؟ وأي مساعدات دولية مفترضة ستقدم لبلد تديره حكومة #حزب_الله؟
يبدو ذلك مستبعداً مع الضغط الشعبي المتعاظم، والاحتقان في الشارع “السني” ذو الإحساس العميق بالمظلومية، إذ يرى أن المتضرر الوحيد من الثورة هو الحريري المستقيل، وأن منصبه الذي يعد المنصب السني الأول في الدولة يجري ملؤه برجل سني ضعيف محسوب على حزب الله، دمية في يد جبران باسيل المستفز، ومن بين النواب السنة هناك 6 فقط ممن سموه لتشكيل الحكومة مما جعل أسهمه السنية في الحضيض.