كتب : محمد علي محسن
كيف للبنان دولة وحكومة وشعبًا أن يختزل بضاحية بيروت الجنوبية ، وبوجه السيد حسن نصر الله وعمامته السوداء الدالة عن تمايز طبقي اثني سلالي مقيت ؟! .
وكيف اختفت الرئاسة اللبنانية وكيف غابت الحكومة والبرلمان اللبنانيين ؟ واين ذهب الإعلام الحر واين هو الجيش اللبناني ؟ الإجابة موجعة : فلقد ذهب الوطن نظير أن تهيمن الضاحية ، واختفى وجه الرئيس ميشيل عون ؛ كي يتسيد السيد ، وسقطت الأحزاب والديمقراطية ؛ كي تتربع رايات حزب الله ..
والحال يتكرر في العراق وكيف أن حضارته البابلية والاشورية الضاربة في جذور أكثر من خمسة ألف عام ، تم ابتسارهما وبشكل طائفي مفزع لا يوحي للمتابع للأحداث غير أن هذا البلد العظيم بات مختطفًا من ثلة مراجع مذهبية متطرفة ، ومن قادة سياسيين فاسدين لا يتورعون عن رهن بلدهم وسيادته وقراره لملالي إيران ؟! .
فكيف حل السواد في أوطاننا كقنبلة ممزقة لكيانات مجتمعية ؟ وعندما أقول : السواد ؛ فذاك لا يقتصر على السيد نصر الله أو الصدر أو السيستاني وانما يتساوق الأمر مع اتباع بن لادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي ، ففي المحصلة اللون الاسود له رمزيته ودلالته لدى الطائفتين المتناحرتين على السلطة ومنذ الف وأربعمائة عامًا .
الرئيس الامريكي المهووس غرد في ” تويتر ” بعبارة لا تزيد حروفها عن مأتين ، فيخرج لنا السيد حسن بخطبة متلفزة ولبضعة ساعات ودونما رحمة أو شفقة بتلك الحشود الواقفة التي جي بها فقط كيما تردد الصرخة السمجة : الموت لأمريكا وإسرائيل أو لبيك يا رسول الله ” .
شخصيا ، اعتقد أن حماقة الرئيس الأمريكي ، منح إيران ووكلائها في دول المنطقة فرصة العودة ثانية إلى المشهد السياسي ، وبعد أن تراجعت وخفتت أصوات ما يسمى كذبًا ب” محور المقاومة ” .
فلقد كانت ثورتا لبنان والعراق قد نزعتا عن السيد حسن وأمثاله المشائخ والقادة في العراق ولبنان شيئًا من الهيبة والسطوة ولمنفعة الدولتين والشعبين ؛ فجاءت الضربة العسكرية الأمريكية لقوات الحشد ، ومن ثم لموكب قاسم سليماني والمهندس مهدي بمثابة المنقذ لوكلاء إيران في بيروت وبغداد .
نعم ، قبل العاصفة الأمريكية كان السيد يحاول لملمة ذاته وأتباعه كيما يبقي واقفًا ولا يسقط تحت وطأة الضغط الشعبي لثورة لبنان الكاسرة لرتابة المشهد الطائفي الذي طالما أمد حزب الله باكسير الحياة طوال عقود نيفت الثلاثة
فما يحسب لصواريخ ترامب هو انها أخرجت للقوم، السيد حسن من مخبأه ، بل وأعطته القوة المهابة كي يبرز هذه المرة بكونه مقاومًا لصلف الغطرسة الأمريكية ، وهي الوظيفة التي اعتادها لسنوات ، وكان على وشك فقدانها .
وفي العراق كان شباب الثورة يخيمون على أبواب المدينة الخضراء ، وكان العراق كله يروم بزوال غُمة المحاصصة الطائفية ، وانتهاء حقبة الفساد السياسي ، وذلك من خلال قانون انتخابات جديد وحكومة كفاءات وطنية .
فماذا حدث بعد الضربة العسكرية الأمريكية ؟ عادت الحكومة المستقيلة ، وعاد رئيسها المستقيل عادل عبد المهدي ، وعاد البرلمان بصيغته المذهبية الموالية لإيران ، ووصلت ذروة المأساة إلى جلسة طارئة للأغلبية المذهبية وبايعاز من طهران ووسط مقاطعة كتلتي السنة والاكراد ..
وفي خضم الحدث ، غفل الجميع حقيقة شباب الثورة في المخيمات ، كما وصار هؤلاء الشباب وثورتهم في مهب العاصفة وتبعاتها الكارثية على ثورتهم وعلى غايتهم النبيلة العادلة التي ستكون اولى ضحايا مغامرة ترامب وقادته في البنتاجون .
السؤال الملح الآن هو : من الخاسر ومن المستفيد من اغتيال اللواء قاسم سليماني ؟ أظن أن ثورتا لبنان والعراق هما الخاسر الأكبر ، فالمسألة لا يستلزمها أكثر من النظر في وجوه واسماء عادت للمشهد مجددًا وبعد أن توارت أو أنها أوشكت على السقوط نتيجة للاحتجاجات الشعبية العارمة .
وللحديث بقية عن سوريا واليمن …