كريتر نت /عربي21
انتهت اشتباكات الخرطوم التي دارت لساعات عدة الثلاثاء، بإعلان رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، السيطرة على كل مقرات هيئة العمليات في جهاز المخابرات العامة، وعودة الأمور إلى نصابها في العاصمة السودانية، وفتح المجال الجوي.
وذكر البرهان في بيان مشترك تلاه بمؤتمر صحفي بالخرطوم في وقت مبكر الأربعاء، أن “القوات المسلحة السودانية والقوى السياسية، وكل هياكل الحكم في الفترة الانتقالية، ممثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزارء وقوى إعلان الحرية والتغيير، وقفت كلها صفا واحدا ضد هذه المؤامرة، التي دبرت ضد ثورة الشعب السوداني، وقصد منها النيل من الثورة، وتضحيات الشعب، وتوقه للحرية”.
وأشار البرهان إلى أن “القوات المسلحة بكل مكوناتها، سواء الدعم السريع أو القوات البرية والجوية، وكل القوات، عازمة على التصدي لكل محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار، وكل محاولة لإجهاض الثورة”، مؤكدا أنها ستحمي الفترة الانتقالية، والتغيير، وستردع بكل حسم وقوة كل من تسول له نفسه، أن يعبث بأمن واستقرار المواطنين.
وقال البرهان إن “القوات ستظل بكل مكوناتها متماسكة صفا واحدا خلف مهام وحماية الفترة الانتقالية إلى أن تبلغ مبتغاها”، مشددا على أنه “لن نسمح بأي انقلاب على الشرعية الثورية أو العبث بمقدرات الشعب السوداني”.
وحول حقيقة ما جرى، أشار عضو قوى إعلان الحرية والتغيير حبيب العبيد إلى أن “عناصر من هيئة العمليات التابعة لأجهزة الأمن، احتجت على مسائل تخص مستحقاتهم المالية وتسريحهم”، مضيفا أنه “كان يجب معالجة هذه المسألة في وقت مبكر، ونزع السلاح منهم، وإعطاؤهم المستحقات”.
وأكد العبيد في حديثه أن “ما قامت به هيئة العمليات، هي محاولة يائسة حتى لو كان وارءها النظام البائد، دفعت القوى الثورية أن تكون أكثر توحدا وتماسكا مع الجيش وجميع القوات النظامية وجماهير الشعب، ضد كل المحاولات من النظام البائد وأتباعه الموجودين في الأجهزة الأمنية”.
وتابع: “الخطوة المقبلة تتمثل في تفويض الحكومة بوقف هذه التفلتات عبر أجهزتها النظامية”، لافتا إلى وجود لجنة مكونة من أعضاء الحرية والتغيير ومجلسي السيادة والوزراء، لإزالة تمكين نظام البشير في جميع مؤسسات الدولة.
تباطؤ الحكومة
وذكر العبيد أنه “من المهام التي ستتخذ هي سحب عناصر النظام السابق الموجودين في المواقع الحساسة، وصولا لتصفية كاملة لنظام البشير”، مستبعدا تكرار هذه الحادثة، وستعمل جميع أجهزة الدولة لمنع تكرارها.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السوداني خالد الأعيسر أن “العقل يقول كان لا بد من منح قوات هيئة العمليات حقوقهم المالية طالما ارتضته الدولة، تزامنا مع لحظة تسريحهم أو قبول انضمامهم للمؤسسات العسكرية الأخرى”، مستدركا بقوله: “مع تحفظنا الكامل على ما ارتكبته هذه القوات من إخفاقات بحق الشعب السوداني”.
وأردف الأعيسر في حديثه لـ”عربي21″: “ما حدث يصب في خانة أن الحكومة تباطأت إلى حد كبير، وربما هناك جهات أرادت تعطيل إنهاء هذا الملف، لكي ينتهي بهذا السيناريو الذي أساء كثيرا إلى سمعة السودان وإلى شكل الدولة ومستقبلها”.
واستكمل قائلا: “هناك بعض القوات في مناطق حقول النفط ومناطق خارج العاصمة الخرطوم، لم يتم تبادل النار معهم، وجرى التوافق معهم لوقف هذه الأحداث”، معتقدا أن “هؤلاء ربما يعودون إلى مسرح الأحداث مرة أخرى، أو غيرهم من القوات النظامية الأخرى”.
وشدد الأعيسر على أن “السيناريو الذي حدث أمس هو سنة سيئة، ربما تحذو حذوها بعض المؤسسات العسكرية الأخرى”، منوها إلى أن “السودان فيه أكثر من جهاز عسكري أمني تتبع عقيدته للنظام السابق، وهي سنة ربما تتكرر في مواقع أخرى”، وفق تقديره.
ولفت إلى أهمية اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة بدمج القوات العسكرية التي أفرزها نظام البشير، في مؤسسة عسكرية واحدة وهي مؤسسة الجيش (القوات المسلحة) كما هو الحال مع كل دول العالم.
ورفض الأعيسر الآراء التي تقول إن ما حدث “محاولة انقلاب”، قائلا: “ليس من الحكمة أن نستبدل نظاما بنظام جديد يتبع نفس الأساليب والحيل لذر الرماد في عيون السودانيين”، مؤكدا أن “ما حدث ثورة مطالب محدودة، وجميع المشاركين فيها عساكر يتبعون هيئة العمليات وليسوا ضباطا”.
من جهة أخرى، قال المحلل السياسي محمود جحا إن “الأحداث توضح أن البلد بحاجة لقيادات رزينة ومسؤولة وتتصرف بالوقت المناسب”، موضحا أن “هيئة العمليات تتكون من 13 ألف من الجنود والضباط، وهو عدد مقدر”.
ولفت جحا في حديث لـ”عربي21″ إلى أن “الهيئة لعبت أدوارا كبيرة في تاريخ السودان المعاصر، وكان لها دور في وأد التفلتات الأمنية، ولكنها لم تجد في الوقت الحالي الرعاية والاهتمام، وكان يمكن معالجة مطالبها بالمكافآت ما بعد الخدمة، دون استخدام السلاح”، وفق قوله.
حساسية عسكرية
ورأى جحا أن “الفرق العسكرية لديها حساسيات كما بين القوى السياسية المختلفة”، مبينا أن “هناك حساسية ما بين الشرطة والقوات المسلحة، والأخيرة وأجهزة أمن، وكذلك تباينات داخل القوات المسلحة نفسها، مثلا ما بين المشاة والأسلحة الفنية كالبحرية والطيران”.
وتابع: “لذلك المطلوب للقائد الذي يستطيع أن يسمع من هذه الأصوات المتباينة نغمة موحدة، ويضبط هذه التباينات”، مرجحا أن “لا تتكرر اشتباكات الخرطوم، بدليل أنها لم تستمر إلا لبضع ساعات”.
واستدرك جحا قائلا: “لكن تسجل كحادثة لأول مرة تحدث بين القوى العسكرية السودانية”، معربا عن رفضه للمطالبات التي تنادي بحل هيئة العمليات لمعالجة المشكلة من جذورها، قائلا: “هذا إجراء غير منطقي، لأنه سبق حلها في عام 1985، وتم بيع المعلومات التي بحوزتها للسفارات.
وأكد المحلل السوداني أن “هيئة العمليات هي من أقوى الأجهزة الأمنية في أفريقيا، ومن يدعون لحلها، نظرتهم قصيرة، وهذا مطلب للقوى الطامعة في تفكيك السودان”، مستبعدا أن يكون سبب الاشتباكات طلب الانضمام من بعضهم لقوات حفتر في ليبيا، لأن القيادة السودانية تحاول حاليا اتخاذ موقف محايد ومتوازن، إزاء الصراعات الموجودة في المنطقة.