كتب : محمد علي محسن
حمار مجنون ، وعادهم زادوا ربطوا تنكة لرجله ، ويبدو ان حالنا يماثل هذه القولة المأثورة ، إذ اننا إزاء حالة شاذة يتصدرها الجنون الاخرق الذي طال كل شيء في هذه البلاد .
اين ما اتجهت فلا تعثر إلَّا على مجانين يجرون خلفهم اتباعًا عُمي ، تسأل وبدهشة وقلق : اين عقلاء هذه البلاد واين اختفوا ولماذا رهنوا مصير وطن وشعب لثلة من الطائشين والمجانين والفاسدين ؟.
فكلما زاد لهث الحمار هربًا وخوفًا ، زادت بالمقابل اصوات المعجبين والهازئين والساخطين وحتى الجذلين المتطلعين لمنتهى الجنون ، ووسط كل هذا العبث يصير الكلام عن المنطق والرشد مشكلة فاتحة لأبواب جهنم ؛ فأغلب من حولك محركهم الأساس المزاج والمنفعة الآنية ، فليس لديهم أدنى معرفة أو تجربة أو مسار واضح أو غاية عادلة ونبيلة ؟؟؟.
أسئلة حائرة تجول بخاطر العبد البسيط ، ولا تجد لها إجابة شافية ، كأنَّ القوم أصابهم ما أصاب أسلافهم الذين أضاعوا بلدًا واضاعوا ثورةً ، واضاعوا استقلالًا واضاعوا شعبًا .
ورحم الله القائل : الثورة يخطط لها العباقرة ، وينفذها الشجعان ، ويستأثر بها الجبناء ” فيكفي الواحد أن يتأمل في وجوه تسيدت الحالة الراهنة ؛ كي يدرك أن البلد ماضًا وبوتيرة عالية ، ولكن بجنون وإلى المجهول .
فلا شيء يدعو للاطمئنان والثقة ما بقت الهرولة شعارًا للمرحلة ، وما بقي الجنون طريقة مجدية تستهوي الكثير من الانتهازيين والفاشلين ، وما بقي التافهين راكبون لموجة المقاومة والتحرير ؟!.
فهل هنالك ما هو أفظع وأقبح من التغني بسقوط مواقع في نهم أو مأرب أو صعدة أو الجوف أو سواها من الاماكن ؟ . تسأل وبحيرة ودهشة ووجع : اين موقع هؤلاء من الاعراب ؟ ومن يحاربون بالضبط ؟ .
فهل يفرحهم إذا ما سيطرة المليشيات الحوثية على مأرب كرمزية وطنية للمقاومة وللدولة الناشئة ، خاصة بعيد تعثرها في مواضع ما كان ينبغي أن يسودها الجنون والفوضى ؟ .وماذا سيجنون غير المزيد من الازمات وإطالة مدة الحرب ، هذا اذا لم نقل أن سيطرة المليشيات على المشتقات والغاز المتدفق من بلاد سبأ ستكون لها تبعات كارثية على اليمنيين جميعًا بمن فيهم المهللين الآن ؟
صدقًا ، ضاع العقل في زحمة عناد وغرور وطيش ، كما وضاعت القضية ، وتوارت خجلة بعد أن سقطت الاخلاق واستفحلت التفاهات كجائحة وباء لم يبق شيئًا جميلًا إلَّا وسممه بعدواه.
فما من غاية عادلة ونبيلة جديرة بالتباهي والفخر والتضحية إلَّا وطالها العبث ، فحتى التواريخ الماضية القليلة لم تسلم من التشويه والانتهاك السافر .
فمثل هذا الخطاب المتشنج ربما كان مقبولًا حين استولى الحوثيين على عمران ، وحتى عندما ضلَّل اليمنيين بدعوته لإسقاط حكومة التوافق احتجاجًا على الجرعة ؛ لكن وبعد أن استولوا على صنعاء ومعظم ارجاء اليمن ، فهذا ما لا يستسيغه عاقلًا أو يتقبله مجنونًا .
فهل الحوثي في نهم والجوف وصعدة وتعز غير الحوثي في الضالع ولحج وعدن وأبين وشبوة ؟ عجيب أمركم يا هؤلاء ! ألسنا في خضم حرب لفئة مارقة باغية استولت على الدولة وترسانتها وخزينتها ، عوضًا انها تسببت بكل هذا القتل والخراب والضغينة والحزن ؟.
أليس هذه الجماعة السلالية الكهنوتية مسنودة من إيران وحزب الله في لبنان ومن كل متشيع متعصب لراية الإمامة الإثني عشرية ؟ أليست هي ذاتها الجماعة الحاملة للواء ثورة الخميني من إيران إلى اليمن ؟ ألم تتسبب لليمن واليمنيين بهذه المآسي والأزمات ولأجل مشروعها الطائفي الضائق بكل غاية وطنية وإنسانية منصفة وعادلة ؟ .
فشتان ما بين مشروع الدولة الوطنية العادلة ، وان أخفق أو تعثر في مسيرته ، وبين مشروع سلالي كهنوتي ، وان اعتمر كوفية جيفارا أو لبس قميص ماركس ولينين .
ففي لحظة فاصلة كهذه ، على الإنسان أن ينحاز لأي من الفكرتين ، فإما أن يكون كبيرًا وعظيمًا بحجم وطنه وسعة سمائه وإما أن يكون قزمًا وضئيلًا بسوءة الحوثيين وهوسهم وجنونهم للتسلط والاستعباد .