كتب : سام أبواصبع
أعاد مشهد سقوط فرضة نهم إلى المخيلة مشاهد عديدة لسقوط المدن والبلدات، الواحدة تلو الأخرى في القبضة الحوثية، ويعلق المشهدان الأكثر كابوسية، سقوط العاصمة، والذهاب مجدداً بعد إسقاط الشمال لاجتياح الجنوب الذي لم يتعافَ بعد من غزوة صيف 94م.
ولعل صدمة سقوط الفرضة كانت أقل كابوسية من ارتسام مشهد الاجتياح الحوثي للبلد، فعوضاً عن تشكيل لجنة تحقيق لتقصي الكارثة، والوقوف على أسبابها، وجدنا أنفسنا أمام نفس الأدوات، نفس الشخوص، نفس الأداء، نفس التحركات، نفس التبريرات، نفس الاتهامات المتبادلة؛ مشهد يقول شيئاً واحداً إن لا أحد تعلم من الكارثة، الكارثة التي رسمها كل ما سبق، وماتزال تتدحرج وننتظر منها الفرج.
الآن.. هل تكفي صدمة سقوط فرضة نهم، والاقتراب من مأرب والجوف، والهجوم على الضالع، لإعادة النظر في الطريقة التي تتم فيها إدارة الحرب، وفي الأدوات المستخدمة، وفي الأيديولوجيا والخطاب والتحالفات والأولويات؟
ألم يحن الوقت لإيقاف الأسطوانات المشروخة التبريراتية، لكل فشل يحدث؟
اليوم.. تتجه المكونات المناهضة للحوثي لمهاجمة بعضها البعض، في شراسة واستكلاب تعكس فداحة المرحلة، وتعدد أولوياتها وولاءاتها، بعيداً عن إنهاء الانقلاب، بينما يتفرغ الحوثي لاختيار معاركه وجبهاته، في استرخاء وبلا أي ضغوط.
معارك الجبهات التي لم يقرر الحوثي خوض معاركه فيها، نسمع أخبارها هنا وهناك، بصورة شبه يومية، وبتكرار عجيب، لمناطق الاشتباك وللأسلحة المستخدمة، وفي أحيان أعداد القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين، مشهد يقول شيئاً واحداً: جمود الجبهات إلا من حالة تسلل وخروقات، قد تكفي التغطية الإعلامية لإسقاط الواجب.
حتماً ليست الجبهات من تتحمل هذا التكرار، تعدد القيادات والخيارات والأجندات المتناقضة، التي وحدتها الحرب ضد خصم مشترك، ليفرقها مرة أخرى قرار إيقاف الحرب، لتنتقل المعركة من معركة مع مليشيا الانقلاب الحوثي، إلى معركة داخل المكونات متعددة الخيارات والولاءات، وإن زعمت وقوفها تحت سقف الشرعية.
النتائج الكارثية ، لإيقاف الحرب وتجميد الجبهات، لم تقتصر على نقل الصراع إلى داخل المكونات المحلية المناهضة للانقلاب فحسب؛ بل من الواضح أن الصراع امتد إلى صفوف تحالف دعم الشرعية، وإن حرصت دوله على إبداء غير ذلك.
وإذا كان من لوم أو عتب أو مسؤولية، تتحمل الجزء الأكبر منه الشرعية، التي سمحت بكل هذا العبث، وظلت تراقب إنشاء الحلفاء جيوشاً ومليشيات، لا رابط بينها سوى كراهيتها للحوثيين، لاسيما مليشيا ما يعرف بحراس الجمهورية، التي كانت حتى الأمس القريب جزءاً رئيساً في انقلاب أيلول الأسود 2014م، ورغم إزاحتها من شريكها في الانقلاب، ما يزال الغموض يلف الراية التي تقاتل تحت سقفها حتى اليوم.
وإذا ما أردنا أن نضع أيدينا على الوجع، ومكامن الخلل، وتفصيل مسؤولية الشرعية فيما حدث ويحدث، نبدأ برأس الشرعية الرئيس الذي لا يرى شعبه، ومستمر في عدم رؤيتهم، أنظاره ماتزال معلقة هناك على الخارج، يراهن عليه للعودة إلى السلطة، وإذا نظر قليلاً بعيداً عن الخارج لا يرى أبعد من حفنة الفاسدين المنتفخي الكروش متورمي الضمائر، همه الاستماتة في الدفاع عنهم وعن مصالحهم ضداً على مصالح شعبه الغارق في ثالوث الفقر والجوع والمرض.
يليه في تحمل المسؤولية نائب رئيس غارق في الفساد، مثقل بموروث سلطوي مليء بالتشوهات، وفاقد القدرة على الحركة والمناورة، ومازال يصر على إدارة المعركة التي خسرها ذات يوم، بنفس الأدوات، ونفس الشخوص، ونفس الأساليب، والمصيبة أنه، يتوقع نتيجة مختلفة.
يلي الرئيس ونائبه في تحمل المسؤولية أحزاب الإسلام السياسي، الإصلاح والسلفيين، وخصوصاً الإصلاح الذي يرى من منظور إسلامي أنه زمن التمكين والاستيلاء على السلطة، وذهب ليقاسم الرئيس، وكل صوت يعلو مقاوماً احتكاره للوظيفة العامة يحتشد كتبته لإلصاق أبشع النعوت في منتقدي حزبهم.
ناهيك عن طابور طويل من منتسبي الإصلاح، أصبح بدون شك في خانة عدو اليمنيين الأول الحوثي، ويتماهى تماماً مع خطابه الإعلامي، وكل يوم يتضح لنا أن هذا الطابور الطويل لا علاقة له بوطنه، فعيونهم شاخصة نحو تميم المجد، وتركيا الخلافة الإسلامية، ربما بسبب من تعليم قديم أن الوطنية كفر، وأن الحل في الخلافة.
نختتم موضوعنا في محاولتنا تقصي الكارثة في إطار الشرعية بأحزاب شائخة غارقة في تحالفات فوقية، وأوهام سلطوية لا تعني الشعب في شيء، قياداتها بعيدة عن تنظيماتها، التي تشظت بين تنظيمات محلية موجودة على الأرض وإقليمية، قيادة الأحزاب معزولة تماماً عن جماهيرها المنخرطة في الصراع على الأرض، وتدير شؤون أحزابها عبر الواتس أب، وتقارب مشاكلها التنظيمية بالهروب والتعلل بالحرب.