كتب : عبدالستار سيف الشميري
الحديث عن موقع سقطرى في الصراع في اليمن من الأهمية بمكان، ويدلل عليه هذا الحضور الإعلامي الكبير للأرخبيل رغم الاختفاء طوال العقود السابقة، والخروج من دوائر الاهتمام.
ولعل منطلق الأطماع تتزايد بسبب الأهمية البالغة لجغرافيتها السياسية بكل تفاصيلها العسكرية والاقتصادية والأمنية، إنها باختصار عبقرية المكان وهبة الجغرافيا لليمن والذي يلخصه القول الشهير لضابط البحرية والخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية “ألفريد ثاير ماهان” الذي قال: “إن من يسيطر على سقطرى يمتلك السيطرة على البحار السبعة في العالم. ومن يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعبًا بارزًا على الساحة الدولية”، لافتاً إلى “أن المحيط الهندي هو المفتاح للبحار السبعة”.
تعد سقطرى ممرًا إجباريًا يتيح الوصول للمحيط الهندي والمحيط الهادئ وبوابة دخول للقرن الإفريقي، بالإضافة إلى كونه منفذا هاما يربط غرب وشرق آسيا بقارة إفريقيا وأوروبا.
ويمكن لأي قوة عسكرية في العالم تتمكن من بناء قاعدة عسكرية في سقطرى، أن تصبح المسيطرة على أهم المضايق المائية في العالم، وهما “هرمز” وباب المندب، والذي بدوره يؤثر على الملاحة في قناة السويس ما يهدد المصالح المصرية، ومضيق ملقا الذي يفصل بين اندونيسيا وماليزيا.
وتبعاً لذلك يستطيع أن يوجه ضربات بالطيران أو الصواريخ إلى إيران وأفغانستان وباكستان والعراق وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا دون أن يخشى تلقي ضربات مقابلة.
ومن هذه الأهمية تأتي خطورة الدور المتنامي لمحور تركيا قطر والإخوان بالارخبيل والذي تفهمه بوعي وإدراك دول التحالف العربي لا سيما السعودية، مصر، الإمارات، وتعمل لملء الفراغ الذي يمكن أن يستغل من هذه القوى والتي بدت مؤشراته واضحة منذ زيارة الأميرة موزة للجزيرة وإنشاء الجمعية القطرية فيها منذ سنوات وتكليف الشيخ عبدالعزيز بن جاسم آل ثاني بادارتها وهو رجل استخباراتي كبير ويعكس طبيعة الدور المخابراتي القديم في الجزيرة ومن يمكن فهم الضجيج للماكنة الإعلامية القطرية حول الجزيرة.
وتأتي في نفس السياق زيارة نائب وزير الداخلية التركي لعدن ولقاؤه بالميسري، ورغم الغطاء الإنساني للزيارة لكن في جوهرها هي زيارة أمنية استخباراتية، فلم يبعث وزير التنمية أو الاقتصاد أو الخارجية أو غيرها إنما الرجل الثاني في الأمن التركي.
وبعيداً عن التسريبات التي أعقبت الزيارة واللقاء من حديث حول عدن وسقطرى، ورغبة الاتراك في الإسهام في الدعم الأمني والاقتصادي.. لا يمكن تجاهل رغبة اردوغان في لعب دور في اليمن والاستفادة من أوراق ضغط على السعودية ومصر وكسب أوراق جديدة في اللعبة الدولية وقضايا المنطقة.. لا سيما والتجربة الإيرانية في كيفية الاستفادة من ورقة الحوثيين وجعلهم أداة فاعلة تفوق ورقة حزب الله في لبنان، والسيد اردوغان يستطيع أن يجعل الإخوان نفس الورقة وسيقدمون أكثر من الحوثيين بل يمكن القول: إن الإخوان هم أحد المحركين الأساسيين لهذا الطموح التركي بالتواجد في اليمن ويأملون في تشبيك مصالحهم بقوة خارجية ما.
ينظر اردوغان إلى اليمن باعتبارها جزءاً من تركة أجداده القدماء، مثلها مثل باقي الدول العربية التي يمتد الاخطبوط التركي إليها، ففي الصومال ينشئ قاعدة عسكرية ويدرب عشرة آلاف مقاتل ويدفع بالصوماليين بالتواجد البحري بالقرب من سقطرى، وفي السودان ينشئ قاعدة في ميناء سواكن في فترة حكم الإخوان والبشير، ويجند الإرهابيين إلى ليبيا ويعبث بسوريا ويخلق المشاكل في لبنان.
هذه المغامرات والهروب من المشاكل الداخلية وتردي الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة قياسا بما كان عليه والفشل السياسي الذي تمخض عن مشاكل تركيا مع كل دول الجوار ومعظم دول العالم بما فيها ألمانيا صاحبة التبادل التجاري الكبير مع تركيا والذي يقارب مائة مليار دولار.
لم يبق اردوغان دولة إلا دخل معها في نزاع ومشاكل رغم أن شعاره قبل سنوات كان هو “تصفير عداد المشاكل” أو “زيرو مشاكل” لكن الواقع، مشاكل ونزاعات وتدخلات بالجملة داخلية وخارجية، ربما إسرائيل هي الوحيدة التي لا يوجد لاردوغان معها نزاع.
إن نظرية العثمانية الجديدة وأحلام الاردوغان تلقى معارضة داخلية قوية، ذلك أنها انحراف بمسار تركيا الوطني العلماني الذي أسسه اتاتورك، وستكون الكلفة باهظة الثمن.
وربما أن لعنة الإخوان ستصيب اردوغان عاجلا أو آجلا، من خلال هذا التحالف المغامر بمصالح تركيا مقابل اوهام من سراب.
لقد شكل تحالف المال القطري والقطيع الإخواني والحضور التركي مرتكزات هذا التحالف الذي يتقاطع مع إيران والحوثيين في نقاط اتصال هامة وتكامل واضح، وان اختلفت طبيعة الأدوار.
ويبقى السؤال هل بالإمكان أن يجد له مناخا وبيئة حاضنة؟ وكم سيكلف تركيا واقتصادها وسمعتها؟
وربما قادم الأشهر ستثبت أنه ليس من اليسير الوصول لهكذا أطماع وربما ستشهد سقوط حلم اردوغان بأن يكون امبراطورا أو خليفة أو مخلصا كما يراه الإخوان.
وبدايات الفشل في ليبيا وسوريا، ستلحقها انكسارات المشروع العثماني الإخواني الموهوم في السودان واليمن.
لم يكن أحد يصدق أو يتوقع أن الأتراك يريدون الغرق في اليمن وسط كل هذه الانشغالات التركية بتدخلاتها ومشاكلها الداخلية، لكن اليمن بموقعها العبقري الجيوستراتيجي شكل أملا جديدا للأتراك في تصدير بعض مشاكلهم الداخلية، والحصول على بعض مكاسب والضغط على دول الخليج ومصر من خلال التواجد بشكل ما في سقطرى أو غيرها. وتعتمد على عنصر القوة البرية الإخوانية والتي هي في الواقع مؤخرة للجيش التركي أكثر منها للتحرير الداخلي.. والإخوان باعلامهم الممتد في تركيا وغيرها، ومعسكراتهم في مأرب وتعز هي جبهة واحدة تدار من مطبخ واحد، ويمكن هنا فهم أهمية افتتاح قطر لمعسكر “يفرس” في تعز القريب من باب المندب كخطوة في هذا الاتجاه.
صحيح أن الأمر ليس سهلا على الأتراك تحقيق هذا الحلم، لكن ضعف الشرعية وانشغال التحالف بقضايا متعددة، والفراغ في معظم السواحل اليمنية من قوة بحرية يمنية، وافتعال الإشكالات في المهرة وسقطرى قد يقدم بعض الفراغات التي يمكن أن تملأ بشكل أو بآخر.
ولعل خارطة الصراع في اليمن تتوسع لتضيف كل يوم لاعبين وطامعين جددا، لن يكون الأتراك آخرهم حتما، وستبقى اليمن بلدا ممزق الداخل محاطا بسياج الأطماع في سواحله، مطوقا في بحره العريض حتى حين.