كتب : محمد الثريا
لازلت اتذكر جيدا خطاب الإيرانيين عقب سقوط العاصمة صنعاء بيد قوى الانقلاب وكيف بدا ذلك الخطاب يومها منتشيا بقوله : “لقد جلبنا العاصمة الرابعة الى حضن الثورة وكنف ايران” ..
كما لازلت ايضا اتذكر حديث الاشقاء بعدها بمدة قصيرة عندما تقاطرت جيوش الانقلاب صوب المناطق الجنوبية ووعيدهم لها بالقول : “عدن خط أحمر “..
مضت خمس سنوات منذ ذلك الحين ؛فأي الخطابين تأكد منطوقه؟وايهما باتت دعواه اليوم حقيقة ماثلة وشاهدة للعيان؟
الاسبوع الماضي ارسل لي صديق من صنعاء صورة لعدد من الشباب وهم يلتقطون لبعضهم صورا تذكارية امام صورة ضخمة لعبدالملك الحوثي وخامئني وحسن نصرالله، قال الصديق متحسرا : انها قد اشهرت مؤخرا في كلية التربية جامعة صنعاء احد اهم أصرح التعليم الجامعي والقولبة الفكرية بالعاصمة اليمنية..
وفي الحقيقة هي ليست مجرد صورة وحسب إنما هي إعلان واضح وصريح بأن العاصمة اليمنية صنعاء اضحت اليوم تتنفس الفكر الخميني بكل أريحية ودون خجل، وفي نفس الوقت هي ايضا دليل قاطع يؤكد بلوغ التوغل الإيراني بالمنطقة العربية مرحلة متقدمة خصوصا وان إقامة الحسينيات اصبح هذه الايام أمر عاديا للغاية في شتى مناطق سيطرة الحوثيين بالشمال ..
بلاشك ان معاناة الشمال لاتختزل في تلك الصورة وحسب ولن تقف عندها حتى؛ فمسألة استصدار الحوثيين جوازات يمنية لغير اليمنيين من حلفائهم، وكذا تحويل ممارساتهم الدخيلة وانتهاكاتهم الفاضحة الى سلوك يومي واعتيادي قطعا ستعد أشد وطأ وأعمق أثرا على المجتمع ومستقبله هناك ..
لكن حقيقة ان يغدو التقاط الصور التذكارية لطلاب الجامعات امام صور المراجع والرموز الدينية الوافدة والعابثة بمثابة الامر المفرح والمشرف فهذا ما يستدعي حقا وصفه بالكارثة والطامة النائمة تحت رماد الحرب خاصة وان تلك الجائحة قد باتت اليوم تمس وتهدد بشكل مباشر فكر وهوية اجيال قادمة في الشمال وليست قاصرة على فئة او مرحلة بعينها، كما انها لن تزول بتوقف الحرب كما يعتقد البعض.
هب ان أساسات هذه الايديولوجيا الملوثة لطالما كانت متوافرة في الشمال منذ الازل! فهل كانت حقا لتغدو واقعا حيا وملموسا لولا رحيل صالح وغوغائية هذه الحرب؟ اجب بصراحة ..
الجنوب المتعثر هو الاخر ليس أفضل حالا من الشمال؛ فعلى الرغم من وصفه بالمحرر وخلوه من براثن الانقلاب ولوثة الفكر الشيعي الا ان ذلك لم يشفع له مطلقا بأن لا يمسه حظ وافر من مآسي وويلات هذه الحرب.وبصراحة لا حاجة هنا في إثبات هول مايحدث في الجنوب عبر إستعراض صور الجوع والمرض والموت التي باتت تعنون أغلب يوميات شبابه وشيوخه..
نعم صور وحكايات عنوانها الموت المدفوع بفاقة الجوع وضنك العيش؛ تصور عزيزي ان هذا بات أمرا حاصلا في عدن وماحولها.
فمن كان يظن وحتى قبل سنوات من اليوم ان هذه ستغدو حال الناس في عدن ” دبي الثانية كما زعم يوما “؟
وانت تهيم في ذكريات الماضي القريب لاشك انك ستذرف دمعا وتكظم غيظا لحظة محاولتك فقط وضع المقارنات البسيطة بين حال البلد بالامس واحوالها اليوم وتحديدا مابعد إندلاع الحرب ..
ثمة خلل هنا !..فقد قيل حينها للمتظاهرين في ساحات صنعاء وتعز أن رحيل صالح سيعني بداية العيش الرغيد وبوابة المضي الى مستقبل افضل !
..لكن شيئا من هذا لم يحدث .
تكرر مشهد مماثل في عدن حينما حشدت المليونيات واخبر المحتشدون هنالك ايضا بأن جددوا الولاء وعلقوا صور الاشقاء في كل أزقة المدينة وابشروا بعدها بحياة أكرم وحال أسلم بل وجنوب قادم وأجمل !
لكن حتى اللحظة لم يحدث شيئا من هذا؟ فما الذي حدث إذن طالما لم يتحقق شيئا مما قيل شمالا وجنوبا؟
يبدو ان الخمسة أعوام الماضية من عمر الحرب الجارية قد كانت كفيلة وكافية جدا لتأكيد وشرعنة المشروع الحوثي بالشمال، اذ بات من الصعب اليوم الحديث عن استعادة اليمن الجمهوري كمنجز ثوري وشعبي او حتى كنظام سياسي خاصة وان الممارسات الحوثية باتت تؤكد يوما بعد يوم ان مشروع الوحدة قد دفن وفي عاصمته ايضا ..(الصورة والواقع شمالا).
كما لم يعد خافيا على أحد اليوم ان حالة العدم السياسي التي اعقبت تحرير عدن والجنوب عامة قد فتحت شهية الغرباء لشغل ذلك الفراغ بمشاريع وأجندات تؤصل لمصالح واهداف اصحابها بالمقام الاول فيما تصنع واقعا هلاميا وأرجوزا سياسيا يستمد اكسير بقائه من تبعيته المطلقة لصانعه وملهمه وهو ما يفسر بالفعل وقوفه عاجزا امام الحال البائسة في الجنوب اليوم لذا بات من الصعب هنا ايضا التكهن بمستقبل الجنوب السياسي في ظل الشتات النخبوي والقنوط الشعبي الذي بات يجتاح مدنه قبل قراه (الصورة والواقع جنوبا)..
ازعم ان ليس هنالك ما يحول دون وصف كل ماحدث ويحدث بتداعي الأكلة الى قصعتهم سوى رحى حرب عبثية تغذيها وريقات الاتفاقيات الرخوة التي تحاول إيهام الجميع بان الامور تسير في الاتجاه الصحيح ..
الان وقد اضحت الصورتان شمالا وجنوبا تبثان حاضرا وواقعا مريرا ؛ فهل سيكون من الإنصاف اليوم الترحم على سنوات الحكم الشمولي وعتاولته؟وهل ثمة من حرج في قول الناس ” رحم الله النباش الاول”؟