كريتر نت / فرانس برس
قُتل 33 جنديًا تركيًا على الأقل الخميس في غارات جوية في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا نسبتها أنقرة الى دمشق، فيما ردّت تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي مساء اليوم نفسه مستهدفةً مواقع للنظام السوري.
وندّد الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ بـ”الغارات الجوية العشوائية للنظام السوري وحليفه الروسي” في إدلب، داعيا إلى “خفض التصعيد”.
وقال متحدث باسم الحلف إن ستولتنبرغ تحادث مع وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو ودعا دمشق وموسكو إلى “وقف هجومهما”. كما “حض جميع الأطراف على خفض التصعيد (…) وتجنب زيادة تفاقم الوضع الإنساني المروع في المنطقة”.
وطالبت الولايات المتحدة النظام السوري وحليفته روسيا بإنهاء “هجومهما الشنيع” في محافظة إدلب.
وقال متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان “نحن ندعم تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، ونواصل الدعوة إلى وقف فوري لهذا الهجوم الشنيع لنظام الأسد وروسيا والقوات المدعومة من إيران”. وأضاف “نحن ندرس أفضل الطرق لمساعدة تركيا في هذه الأزمة”.
من جهته حذّر المتحدث باسم الأمم المتحدة من أنّ خطر التصعيد “يزداد كلّ ساعة” في شمال غرب سوريا إذا لم يتمّ اتّخاذ إجراءات عاجلة.
وقال المتحدّث ستيفان دوجاريك في بيان إنّ “الأمين العام (أنطونيو غوتيريش) يجدّد دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار ويعبّر عن قلق خاصّ إزاء خطر المواجهات العسكريّة المتصاعدة على المدنيّين” في إدلب. وأضاف ان خطر حصول “تصعيدٍ أكبر يزداد كلّ ساعة” إذا لم يتمّ اتّخاذ إجراءات سريعًا.
كما أُصيب نحو 30 جنديًا تركيًا آخرين بجروح في الغارات الجوية في شمال غرب سوريا والتي نسبتها أنقرة الى النظام السوري. وتمّ نقل هؤلاء الى هاتاي لتلقي العلاج، بحسب ما قال رحمي دوغان، والي هذه المحافظة التركية المحاذية لسوريا في خطاب متلفز.
وعقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس اجتماعا أمنياً استثنائيا حول الوضع في شمال غرب سوريا.
وحضر الاجتماع الأمني كل من وزير الدفاع خلوصي أكار ووزير الخارجية مولود تشاويش اوغلو ورئيس الأركان الجنرال يشار غولر ورئيس المخابرات حقان فيدان، بحسب ما ذكرت قناة “إن تي في”.
وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون إنّه “تمّ استهداف كافة أهداف النظام (السوري) المحدَّدة، بنيران عناصرنا البرية والجوية”. ودعا المجتمع الدولي، بما في ذلك روسيا وايران، الى “الوفاء بمسؤولياته” من اجل “وقف الجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها النظام” السوري.
وتأتي الخسائر الفادحة التي تكبّدتها أنقرة الخميس، بعد أسابيع من التصعيد في إدلب بين القوات التركية وقوات النظام السوري التي اشتبكت بشكل متكرر.
وأدّت عمليّات القصف الدمويّة إلى ارتفاع عدد الجنود الأتراك الذين قُتلوا في إدلب في شباط/فبراير إلى 49 على الأقلّ، وهي تهدّد أيضا بتوسيع الفجوة بين أنقرة وموسكو التي تُعتبر الداعم الرئيسي للنظام السوري.
وانتهت الخميس في أنقرة جولة جديدة من المحادثات بين الروس والأتراك تهدف إلى إيجاد حل للأزمة في إدلب، من دون الإعلان عن اي نتيجة.
-سراقب-
تزامنا استعادت الفصائل المقاتلة على رأسها هيئة تحرير الشام السيطرة الخميس على مدينة سراقب ذات الموقع الاستراتيجي في شمال غرب سوريا، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرة قوات النظام عليها، في تراجع ميداني يعد الأبرز لدمشق منذ بدء تصعيدها في المنطقة.
وبرغم الهجوم المضاد، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان باستعادة النظام 20 بلدة وقرية في المحافظة.
وقتل سبعة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال، في قصف سوري وروسي على المحافظة، بحسب المصدر نفسه.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر، قتل أكثر من 400 مدني في الهجوم الذي يشنه النظام، بحسب المرصد، فيما نزح ما يقدّر ب948 ألف شخص، نحو نصف مليون من بينهم من الأطفال، بحسب الأمم المتحدة.
والخميس، طالب الأعضاء الغربيون في مجلس الأمن الدولي ب”وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية” في إدلب، ولكن من دون أن يجدوا أذناً صاغية من جانب روسيا.
ودخلت الجماعات المسلحة صباحاً إلى مدينة سراقب في شرق إدلب، بحسب مراسل فرانس برس. وانتشر المقاتلون بأعداد كبيرة في شوارع المدينة المدمرة والخالية تماماً من سكانها.
وتقع سراقب التي كان النظام سيطر عليها في 8 شباط/فبراير عند تقاطع طريقين سريعين تريد دمشق السيطرة عليهما لتعزيز السيطرة في شمال البلاد.
ولكن باستعادتها، تكون الفصائل المسلحة قطعت الطريق السريع “ام-5” الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حلب.
وبينما كانت تتواصل في أنقرة الخميس مباحثات حول سوريا بين عسكريين ودبلوماسيين روس وأتراك، اتهمت موسكو تركيا بانتهاك اتفاق سوتشي عبر تقديمها دعماً عسكرياً للفصائل المسلحة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية انه “في انتهاك لاتفاق سوتشي في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يواصل الجانب التركي دعم الجماعات المسلحة غير الشرعية بنيران المدفعية”، مشيرة إلى استخدامه الطائرات المسيرة.
وكان إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين توصلا في 2018 إلى اتفاق يرسي “منطقة منزوعة السلاح” في إدلب لتفصل بين مواقع النظام ومواقع الفصائل المعارضة له.
– “هجوم على المدنيين” –
وفي الأمم المتحدة، لا يزال انعدام الاتفاق سيّد الموقف بين الدول الغربية وروسيا.
وذكر إعلان مشترك لنائب رئيس الوزراء البلجيكي الكسندر دي كرو ووزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، أنّ “نزوح نحو مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر فقط، ومقتل مئات المدنيين والمعاناة اليومية لمئات آلاف الأطفال يجب أن يتوقف”.
ومن جانبه، اعتبر المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا أنّ “الحل الوحيد على المدى الطويل (يكمن) في طرد الإرهابيين من البلاد”.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان الخميس “يتوجب أن يشعر أطراف النزاع بالضغط لوضع حد لهذا الهجوم على المدنيين”.
بدورها، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسف هنرييتا فور، أمام مجلس الأمن، “ثمة حاجة ماسة إلى وقف الأعمال القتالية” وإلى “فترات هدنة إنسانية منتظمة”.
ولا تزال هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى تسيطر على ما يقدّر بنصف محافظة إدلب، إضافة إلى مناطق في محافظات حلب وحماه واللاذقية.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لفرانس برس إنّ النظام السوري يسيطر بسبب هجومه على “ريف إدلب الجنوبي”، لافتاً إلى أنّ هذا التقدّم يقرّبه من مدينة جسر الشغور.
ويقول محلّلون إن المعركة لن تكون سهلة كون جسر الشغور تعدّ معقلاً للحزب الاسلامي التركستاني الذي يضم غالبية من المقاتلين الصينيين من أقلية الأويغور.
وبعد نحو تسع سنوات من النزاع، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من سبعين في المئة من مساحة البلاد، بعد تقدمها خلال السنوات الأخيرة على جبهات عدة بدعم من حلفائها وعلى رأسهم روسيا.
وتسبّب النزاع السوري منذ اندلاعه منتصف آذار/مارس 2011 بمقتل أكثر من 380 ألف شخص، وتدمير البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد، عدا عن نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.