كتب : د/ عبدالعليم محمد باعباد
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعريف الناشطين بأنفسهم بعدم الانتماء الحزبي، وهو حق من حقوقهم إذا كان الأمر كذلك.
الواقع يدل على أن ليس جميع الناس – بما فيهم الشباب – منتمين لأحزاب سياسية؛ أي أن هناك فئة المستقلين بين أوساط المجتمع، وليس في ذلك أي مشكلة.
ولكن تكمن المشكلة أن يكون هذا التعريف نوع من التنكر أو التبروء من الانتماء الحزبي، رغم الميول لأي تيار في أقل تقدير، وهذا يخفي مشكلة كبيرة في واقع المجتمع السياسي.
صحيح أن المرحلة مرحلة حرب و ليست مرحلة خصبة أو مناسبة للعمل السياسي والحزبي.
لكن المتأمل في بداية هذه الظاهرة يجد أنها كانت أسبق من الحرب؛ بل يبدو أنها كانت من ممهدات الحرب.
لقد أمعنت قوى جديدة – ولدت من رحم تيارات سياسية – لم يكن لها انتشارا في الساحة السياسية أن تجعل من العمل السياسي والحزبي تهمة ولو بغير ذنب.
وكانت في الحقيقة توطئة لوأد الحرية السياسية التي تعتبر التعددية السياسية والحزبية أحد مظاهرها.
وكانت بجانب ذلك تهيئة للعقل السياسي لتقبل ظاهرة العسكرة الكلية للحياة المجتمعية، وتوطئة للاستبداد الذي يقع بالنقيض من الحرية السياسية، ومقدمة للانقلاب على الدستور والقوانين التي تشكل مرجعيات الحياة السياسية والعمل السياسي كعقد ارتضاه اليمنيون رغم مساوئ تطبيقه وسلبيات فهمه، وقد كان.
أغرب ما في الأمر أن شيطنة الانتماء الحزبي بدأ فرضه على النظام السياسي في وقت كانت فيه الدولة موجودة، وبعد مؤتمر الحوار الوطني الذي يفترض أن يكون فيه العقل السياسي أكثر انفتاحا، والنظام كما هو المجتمع أكثر تمنعا لقبول هذه الأفكار.
وقد تزامنت هذه الدعوات بمحاكمة غير منصفة لتاريخ الثورة اليمنية، إذ رددت تصريحات غير محسوبة من قبل أعلى هرم الدولة أن البلد عاشت لفترة خمسين سنة في مشاكل كثيرة ولم تحقق شيئا. وها نحن قد أرجعتنا تلك القوى المستفيدة من هذه الأفكار لفترة ما قبل الثورة، فأي المراحل كانت أفضل من غيرها؟
الشعب يعرف الإجابة تماما.
وأغرب الغرائب أن قبلت الأحزاب هذه الشيطنة عبر قبول فكرة أن يكون رئيس الحكومة غير منتمي لأي حزب سياسي في فترة التجاذبات والحوارات بعد مؤتمر الحوار الوطني.
ولم يكن ذلك الطرح من قبل تلك القوى ليعني أن يكون رئيس الحكومة مقبولا لدى جميع الأطراف السياسية، بقدر ما يعني، جعل الانتماء الحزبي تهمة بلا ذنب، تهيئة لما حدث ويحدث حاليا في أوساط المجتمع من محاولة فرض قوى عسكرية لنهجها بعيدا عن إرادة الشعب، واعتبار التعددية السياسية والحزبية في خبر كان؛ للأسباب التي ذكرناها آنفا.
إن العقل الذي يتنكر لأي رأي آخر، أولأي فكرة أخرى؛ مهما كان هذا الرأي سديدا، ومهما كانت هذه الفكرة صحيحة لمجرد أنه سيحسب على حزب سياسي لهو عقل غير مستقل حقيقة، إذ أنه عقل يستبطن الخوف جراء الواقع غير الآمن، وغير الطبيعي.
سيقول البعض أن الناس سئموا الأحزاب السياسية، وسئموا الانتماءات الحزبية؛ لإن الأحزاب لم تقدم ما كان يؤمل منها الشعب.
قد يكون هذا الرأي مقبولا وصحيحا، لكن يبدو أنه ناتج عن استبطان العقل للخوف السياسي الذي زرعته وترعاه في واقع الحياة المجتمعية قوى تستعيض عن قلتها وصغر حجمها بالسلاح والاستبداد.
وهكذا يسهم البعض بدون قصد ببقاء هذا الاستبداد عبر التبروء من الشيئ المشروع، مجاراة لغير المشروع.