كتب : د/ احمد عبد اللاه
يخوض إخوة “الإسلام السياسي” حروباً متعددة لكنهم يحرصون أن تكون للمنافذ مكانة في صدارة المكانات ليس لأهداف الحياة والنمو وإنما لربط المناطق والمسالك اللوجستية التي تستخدم في نقل السلاح والمال والمجاهدين وكل (الممنوعات) الصالحات لتمويل حروب انبعاث الدولة الدينية العابرة للأوطان، حتى يتزهزه عرش الشرق بطربوش “الخليفة” ويتسع حكمه إلى حيث تصل سفنه وطائراته.
المنافذ هدف تقليدي تتقاطع فيه غايات ووسائل وتتضاعف أهميتها حين تكون ممرات لمناطق حيوية ويتضاعف الصراع حولها عندما تصبح قلقة غير محروسة.. والويل لمن يتوانى أو يأتي متسربلاً بالزمن المسفوك لأنه سوف يختنق تدريجياً حتى يتنفس بالكاد على أكوام من الرمل أو خلف المرافئ المسلوبة.
تنظيم إخوان اليمن أخذ مكانه بين أقرانه في حروب ما بعد “الربيع” حتى أصبح (لاعب ارتكاز) في التشكيلة بفضل العناية التي وفرتها له “مملكة الحزم” ومكنته من الحركة المؤثرة في الميدان يصنع (تمريراته) الخطرة ثم يسد مناطق حيوية في وجهها، وفي وجهها أولاً!!!
نعم في وجهها أيها القارئ المحتار.. فهي عضُده الظرفي وهو الخصم المبين الذي لم تجد من صداقته بدّ. رغم أنه واحد من عائلة الإسلام السياسي المعادية لها في المقام الأول ولا يختلف عن الآخرين إلا في طول الموجة وسرعة الذبذبة. وتلك هي المسألة التي حار فيها “الحزم” حتى يوشك أن ينتحر.
لقد أُغلقت الأبواب وشُقَّ القميص.. وهيْتَ لك أيها المواطن الملفوف بغياهب البؤس، والطير تأكل فوق رأسك خبزاً مغمساً بأوجاع عامك الخامس من عمر هذه الحرب… تشعل دمك صباحاً وعشية جماهير الميديا الغفيرة وحجيج الفيس والتويتر بكل تنويعات الضوضاء الرقمية.. والعالم يداوي جروحك الغائرة بتعويذاته الورقية التي أسماها يوما ما قرارات أممية… مثل حاو يتلو (العزائم) ليجمع الثعابين، لا لينقذك منها ولكن ليسقيها سمّاً إضافياً “لتطول حربك يا ابن أكثر من أبٍ”.
وهكذا أيها البلد المنثورة ولاءاته فوق رخام الإمبراطوريات البائدة من (اناتوليا) حتى (زاكروس)، تبقى موزعاً بين خوذة السلطان وناقة المهدي وبين خزينة اللجنة الخاصة و (تراللي) الوطنيات الوحدوية الزائفة التي تزمّل بها كل من دَبَّ على خط تجار الحروب لقضاء حاجته أو لإشباع هوسه العقائدي.
عرفنا في تاريخ الحروب منذ أول حرب سومرية حتى كوارث “الربيع العربي” أن المنتصر هو من يغنم ويضع شروطه على الطاولة.. إلا في عاصفة الحزم: ينهزم جيش تنظيم الإخوان (شمالاً) ويغنم السلطة والأرض البديلة (جنوباً)! فالشرعية المتكئة على (عصا سليمان) تمنحه صلاحية وامتيازات المنتصر المؤزر ببركات الإعلام.
هذا الجيش لا عقيدة له سوى الزحف فوق “الأرض المفيدة” تجذبه المنافذ والموانئ والمطارات! فما قيمة جبال صنعاء في سياق طموحاته وهي الجرداء الشاقّة البعيدة المزروعة بغابات الجند؟ وماذا تساوي مقابل بحر عدن المفتوح على الدنيا؟
إن الأخير يستحق -في نظر ذلك الجيش- كل شيء حتى وإن كانت آخر الحروب المدمرة، ليس وفقاً لمفهوم هرمجدون اللاهوتي وإنما لضرورة استعجال قدوم “الخليفة” حاكم هذا الشرق الموعود بعد أن نضجت علامات الربيع المزلزل.
هكذا يفكرون.. فكيف تفكر “مملكة الحزم” حين تدفعهم نحو بحر عدن؟ هل هو ضياع البصيرة أم فساد الأدوات أم خريف الأدمغة؟
إذا كان الأمر بهذا الوضوح فهناك حاجة ماسة إلى ترميم بعض المفاهيم وضبط التغني بحكاية الولاء والدفاع عن المشروع العربي… لأن العربي ببساطة لم يخبرنا بالضبط ماهو مشروعه وأين يقع من مشاريعنا نحن وإلى متى وإلى أين.
تلك الأسئلة حيوية و بالغة الحساسية حين يُقدم (المقاتل) دمه في الجبهات لتدوم سلطة (المنغمس في الرفاه) الذي يحتكر الموارد ويصنع الأحابيل والمصائد لاستمرار هذا النزيف.. وتصبح أكثر حرجاً حين لا يستطيع دمنا أن يأخذنا إلى حيث أهدافنا وإنما تأخذنا (يد الآخرين) إلى حيث أهدافهم.. فالحرب في هذه الحالة لا تعني أكثر من “حدث تاريخي قاتل”، يتحول فيها “الشهداء” إلى أرقام والمعاناة إلى (هاشتاجات). وحتى لو وضَعَتْ لها الشعارات “كحلاً ناعساً” في غرف التجميل الإعلامي لن يختلف المشهد سوى في عقول المخدوعين.
إذاً استمرار التعايش مع الموت والجوع وضبابية التحالفات أمر لم يعد ممكناً بعد هذه السنين المُرّة الرهيبة، وقد حان الوقت لأن تُوضع الأمور في سياقها المنطقي والتمعن في القراءات السياسية المختلفة عن تلك الرائجة في الإعلام.. لمعرفة إلى أين السبيل وما العمل لكي يفهم الإقليم والعالم بأن (يوسف) لن يُلقى به إلى غيابة الجبِّ مرتين.