كتب : محمد الثريا
مواطن بلجيكي دأب طوال 20 عاما على عبور الحدود نحو إلمانيا بشكل يومي على دراجته الهوائية حاملا على ظهره حقيبة مملؤة بالتراب؛ وكان حرس الحدود الألمان على يقين انه يهرب شيئا ما ولكنهم في كل مرة لايجدون معه غير التراب !!
السر الحقيقي لم يكشف إلا بعد وفاة السيد ديستان حين وجدت في مذكراته الجملة التالية : حتى زوجتي لم تعلم انني بنيت ثروتي على تهريب الدرجات الى المانيا ..
من الواضح هنا ان عنصر الذكاء كان هو ذر الرماد على العيون وتحويل انظار الناس عن السر الحقيقي..
في الواقع لا تقف هزلية احكام الاعدام التي نطقت بها محكمة تابعة للحوثيين مؤخرا عند محاولة إستغباء سلطات صنعاء الناس وايهام اتباعها بانها تمثل كيان الدولة الرسمي فتلك باتت اساليب مفضوحة وممارسات مملة وعبثية منها خصوصا وان ال35 برلمانيا المحكوم عليهم بالاعدام مصنفين اصلا “ادوات العدوان” حسب التوصيف الحوثي لهم منذ سنوات؛فما حاجة الحوثيين إذن الى عقد جلسات محاكمة او غيرها؟
والحقيقة انه لم يكن حتى من داع لكل ذلك الكم من بهارات الحبكة السياسية في سبيل محاسبة مرتزقة كما أسموهم ،لكن يبدو انها العادة التي جرت والتي يحاول من خلالها الحوثيون دائما اظفاء الطابع الرسمي على سلوك المليشيات خاصتهم قبيل نهب ومصادرة أملاك الاخرين.على كل حال يمكن اعتبارها محاولة جيدة استطاعت من خلالها سلطة الانقلاب ذر الرماد وصرف الانظار عن الدوافع الحقيقة لعقد تلك المحاكمة ..
وكما ان تلك المهزلة ونواياها المبيتة لا تقف عند اعلان الحوثيين لمحاكمة صورية ولا عند تجاوزات قاضي حكم الاعدام ذاك والذي كما قيل انه منذ اشهر وهو يدير المحاكمة تلك في حين ان رواتبه كانت منتظمة وتصله أول بأول من قبل الشرعية مع انه كان يدين بالولاء كغيره هناك لسلطات الانقلاب منذ البداية ؛فهل كان ذلك التماهي بديهيا لتمتد تلك المهزلة حتى تغدو بالنسبة للبرلمانيين المحكوم عليهم بالاعدام حجة جيدة وسبب اخر يبرر عدم عودتهم للبلد ولربما طلبهم اللجوء السياسي لاحقا وبالتالي تجنبهم اي مسألات قانونية مستقبلا؟خاصة وان عددا منهم لازال يتقلد مناصب رسمية ويمتلك سلطة نافذة في دولة الشرعية الحالية اي انهم مسؤولون بشكل او باخر عن جرائم الفساد والاخفاقات الادارية والعسكرية وربما التواطؤ مع عدو مفترض؟ لاحظ ان جميعها مثل كارثة سياسية ولاسف انها اخذت دوما مسمى سياسات الشرعية طيلة سنوات الصراع والازمة هذه ،فهل كان سلوكا حكوميا حصيفا قدمته حكومة الشرعية ؟ ثم ألم يكن ذلك احدى صور تقاطع المصالح بين قيادات حوثية واخرى شرعية حين افضت العلاقة الى استمرار تلك المحاكمة لاشهر واخراجها بذلك الشكل؟
إذن لاشيئ غامض سوى انها كانت محاولة اخرى لذر الرماد على العيون؛ وكل ما في الامر ان استفاد الحوثيون قليلا من مصادرة عقارات واملاك نظرائهم بالشرعية فيما بقية المشهد تتعلق بابعاد سياسية يطول شرحها ..
بصراحة ! لم يعد من حرج في القول ان المهزلة الحقيقية التي عكستها وقائع تلك المحاكمة وحوادث اخرى مشابهه سبقت ..! هي ان الشرعية الدستورية باتت كأكياس التراب في قصة تهريب الدراجات تلك .فبلاشك ان قوى الانقلاب ومن خلفها كبار الامم المتحدة وحتى قوى اقليمية اخرى فضلا عن حيتان الفساد المنتمية لمنظومة الشرعية نفسها الكل هنا مارس ولازال يمارس الرذيلة السياسية بحثا عن تحقيق أجنداته الخاصة وضمان مصالحه الذاتية ودائما تحت رداء إستعادة الشرعية اليمنية وعلى تراب صراعاتها .لقد تمكن الجميع تقريبا في المرور عبر ثقب “حل الازمة” أولا قبل ان يتمكنوا بعدها من تحقيق غاياتهم السياسية بداخل هذا البلد سواء تحت ذريعة محاربة شرعية العمالة والعدوان كما هي حجة الحوثيين في ذلك او حتى تحت مبرر استعادة الشرعية ودحر الانقلاب وهو عنوان انصار الشرعية المستهلك لسنوات خلت.المهم ان الكل يرفع شعارا مقبولا في رحلة تحقيق الهدف السياسي خاصته.
ففي الوقت الذي تتساقط فيه مناطق نفوذ الشرعية تواليا بيد قوات الحوثيين يستمر مبعوث الازمة الخاص في جولات الطمأنة وابتداع الحلول الترقيعية وان ابدا خطابا تحذيريا كعادته تجاه التصعيد العسكري واشتداد المعارك الا انه غالبا ما كان يفضي الى شرعنة وترسيم كانتونات صراع منفصلة لها اتفاقاتها الامنية الخاصة بمعزل عن بؤر الصراع الاخرى ولعل مشهد الحديدة مثال حي في تقسيم مناطق القتال قبل ان يات دور التقسيم السياسي لاحقا،لذا سيكون من الاجدى للسيد جريفيت إعلانه المضي بحل سياسي يستند الى وقائع الارض بدلا من تكراره الحديث عن ضرورة جلوس الاطراف والتباحث حول مرجعيات الحل الثلاث ..
اذ بات جليا ان تصريحات المبعوث الخاص خلال زياراته المفاجئة دائما ما تعني تحقق واقعا عكسيا لما تم اعلانه يومها، ليتبين ان محصلة ذلك كانت محاولة أممية اخرى لذر الرماد وحجب الرؤية عن واقع مايدور .
ولن نبالغ اذا ما قلنا انه وتحت سياسة فرض الامر الواقع يتم تقطيع اوصال البلد وتأطير الكيانات السياسية القادمة فيه والحجة دائما البحث عن سراب الشرعية الضائع ..
الامر الاخير الذي نود الاشارة اليه ان المساعي المشبوهه والخطايا المرتكبة تحت شماعة استعادة الشرعية وخلف يافطة قرارات الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه هي افعال غدت واضحة للجميع ولم تعد بحاجة الى مشاهد هزلية او معارك تكتيكية لخمسة اعوام اخرى؛ فالناس باتت اليوم على قدر عال من الوعي في تمييز الجهود الموبؤة والمبادرات المسمومة.
لذلك وامام كل هذا العبث والجرم الذي تمعن في ارتكابه جميع اطراف الازمة ذات الصلة بسباق المشاريع الملتوية المعبد مضمارها بتراب العلاقة مع الشرعية الدستورية ورماد استعادتها سوف لم يتبق سوى ان نستفيق عما قريب على واقع مغاير تماما يتلخص في جملة واحدة 🙁 حتى الجنود المخلصين الذين طالما صنعوا هالة تلك المعارك وكل الاطراف التي ساندتنا ايضا في رحلة استعادة الشرعية اليمنية لم تكن تعلم بحقيقة وقوفنا الى جانبها وغاياتنا التي سعينا اليها منذ البداية.. ).