كتب : قادري أحمد حيدر
(1+2)
الإهداء:
إلى الشهيد البطل العميد/ عدنان الحمادي، أحد أهم رموز الثورة الشعبية السلمية، وليس كمن التحق بالثورة ليفرغها من مضمونها، السلمي والديمقراطي. إليه: رمزاً للجيش الوطني المنتظر.
إن استشهاده النبيل تعبير عميق عن أزمة الشرعية، والجيش الوطني المصادر في جب القبيلة والميليشيات، والدولة المختطفة.
اتمنى أن لايكون دفن الشهيد وتوديعه الجماهيري المهيب بداية النهاية لمن هو المستفيد من القتل، ونهاية لدفن قضية الشهيد بالصمت عن اسماء القتلة ، والاهم من يقف خلفهم سياسيا وامنيا، كماعودتنا الشرعية مع جميع عمليات القتل للمعارضين، من القائلين بضرورة بناء الجيش الوطني، وقيام الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة .
نم قرير العين ولا نامت أرواح
القتلة في مستقرها المهين.
صفوة القول:
أكدت التجربة السياسية الصراعية في شكلها العنيف أن العلاقة بين الانقلاب، والاحتلال، ومصادرة الدولة، إنما هي في الجوهر علاقة جدلية/ صراعية/ تكاملية/ كل منها يقود إلى الآخر، ويؤثر فيه. فالانقلاب على العملية السياسية والذي قلب البلاد رأساً على عقب، الانقلاب الذي أياً كانت الأسباب والمزاعم، فإنه قاد إلى نتيجة الإستنجاد بالتحالف (الخارج)، الذي تحول بدوره إلى ما يشبه الإستعمار والإحتلال.
والأثنان: الانقلاب، والاحتلال، أديا في النتيجة السياسية والواقعية إلى مصادرة الدولة، وميلاد دويلات ملوك القبائل والطوائف والمذاهب، وهو ما تعيشه البلاد اليوم شمالاً وجنوباً .
كتبت شخصياً عشرات بل مئات المقالات والموضوعات التي تدين انقلاب صالح / الحوثي على العملية السياسية السلمية، من لحظة الإنقلاب، وقلت في خطابات سياسية وبلغة عربية واضحة ومن قلب حضوري في العاصمة صنعاء، من أن الثنائي الإنقلابي مثَّل أول تحرك عملي ضد العملية السياسية الحوارية التي كانت قائمة بل وكنت أقول واتحدث مع العديد من القيادات الحوثية “انصار الله” بأن علي صالح يعمل لجر الجماعة والبلاد كلها إلى لعبته العبثية والإنتقامية الثأرية من شباب الثورة، ومن التحولات السياسية الثورية السلمية التي أطاحت به وازاحته من على رأس السلطة، ومن أن تمددهم في الجغرافيا والديمغرافية الوطنية بدون حساب لتبعات ذلك. عمل سياسي مجنون غير محسوب النتائج. وما زلت مصراً على كل كلمة كتبتها في هذا السياق-وغيره- من أن انقلاب صالح/ الحوثي قد قاد البلاد إلى مآزق سياسية ووطنية خطيرة، ولم يعد مفيداً أو مجدياً العودة – في هذا المقال- للتحدث حول الأسباب الداخلية والخارجية (الأقليمية) التي دعمت ووقفت خلف التمهيد لمجريات ذلك الانقلاب.
وكنت أقف في صف استعادة العملية السياسية، واستعادة الدولة – وما أزال – للوصول إلى حلول سياسية واقعية بأفق سياسي وطني ديمقراطي تعددي يعيد الإعتبار للدولة، عبر عملية سياسية حوارية يشارك فيها جميع المكونات السياسية اليمنية على طريق جعل مخرجات الحوار الوطني الشامل مدخلنا لذلك.
على أننا، ومنذ أكثر من أربع سنوات، وبعد استدعاء ما يسمى التحالف السعودي/ الإماراتي، نجد أنفسنا وقد صرنا نعيش في أجواء ومناخات احتلالية عديدة: من المناطق المسمى محررة!! إلى صنعاء، إلى تعز وإب ومأرب، حتى الساحل الغربي..إلخ. بعد أن تحول التحالف إلى ما يشبه الظاهرة/ الحالة، الإستعمارية، ووجدت نفسي استنجد بالقواميس السياسية لتفسير ما يحصل في بلادي، من مأساة ما يجري، غرائبيتة ولا معقوليته. إن ذروة المفارقة المرة والمهينة للنفس والعقل والروح، أن يحكمك ويتحكم بمصيرك من هو أقل وأدني منك وهنا تكمن مأساتنا مع هذا التحالف/ المحتل.
هل نحن أمام حالة احتلالية استعمارية جديدة في ما ضوء يجري في البلاد داخل المناطق المسماة مجازاً محررة، (عدن وحواليها)، حتى “سقطرى” و”المهرة”، بعد أن وضع التحالف مناطق اليمن الإستراتيجية تحت قيد الإحتلال، وأصبح هو الآمر الناهي والمتحكم سياسياً وعسكرياً، بل وحتى اقتصادياً في كل ما يحصل ويدور داخل هذه المناطق،؟! هناك صور وأشكال مختلفة للإستعمار والإحتلال في تجلياته التاريخية، وفي تمظهراته السياسية والعسكرية والإقتصادية المعاصرة. قديماً، كان الإحتلال يأتي عبر الجيوش الذي قد تسبقه فرق تبشيرية أو كما فعل نابليون حين جلب معه المطبعة، أو بمقدمات تبشيرية (الإستشراق كرديف للاستعمار)، بل وعبر ذرائع سياسية واجتماعية، وأمنية، واهية (الجزائر وقصة القنصل/ جنوب اليمن وقضية الباخرة دارياً دولت) ..إلخ، حتى وصلنا للإستعمار الإقتصادي، -بعد الاستقلالات الوطنية- الذي أفرغ بالنتيجة القرار السياسي/ الوطني من مضمونه، وحّول العديد من بلداننا إلى مناطق تابعة بل وهامشية.
وكما يبدو أن “العقدة اليزنية” ما تزال تلاحقنا منذ استنجادنا بالفرس لطرد الأحباش حتى تحول الفرس إلى احتلال جديد. وتاريخ الأئمة ممتلئ ومشحون بتاريخ الإستنجاد بالأجنبي واستدعائه لتخليصنا من خصومنا في الداخل، من بيت المتوكل إلى بيت شرف الدين، الذين استقدموا الأتراك/ العثمانيين للاستقواء بهم في صراعاتهم الداخلية على بعضهم البعض. وعِبَر وعظات التاريخ حول تلك الاستدعاءات كثيرة، على أننا لم نتعلم من التاريخ، ولذلك نجد انفسنا نكرره في هذه الصورة (التراجوكوميدية)، التي تجمع بين المأساة، والملهاة، وهو حالنا اليوم – مع الأسف – في واقع التدخل السعودي، والامارتي، الذي تحول في العديد من مناطق البلاد إلى حالة شبه استعمارية / احتلالية في المناطق التي فرض وجوده عليها بقوته المباشرة أو من خلال أدوات الامارات، أو عبر تحول السعودية إلى قائد سياسي يدير هذه المهزلة وفقا لحساباته ومصالحه الاستراتيجية دون اعتبار لمصالح اليمنيين. هذا، بعد أن حُولَ مسمى “الشرعية” إلى ألعوبة ومسخرة يحركها ويديرها التحالف كما يريد بعد أن جردها من كل عوامل وشروط القوة. والسبب في كل ذلك أننا وجدنا أنفسنا أمام شرعية –رئيس- فاقدة لكل معنى “كاريزما القيادة”، شرعية يبدو أن صالح اختارها بعناية لتؤدي دوراً هو رسمه لها طيلة فترة حكمه. وجاءت ثورة الشباب السلمية لتعطيه –الرئيس- دفعة معنويات سياسية وشعبية وعملية في محاولة لتحويل حالة الضعف إلى قوة ، ولكنه رئيس يبدو أن مهمته كانت إفراغ مصادر القوة من القوة، وتحويلها إلى أدوات لتدعيم مصادر قوته الشخصية وعائلته ومن حوله من المنتفعين، وبالنتيجة إلى مصادر قوة للثورة المضادة. وتاريخ الشرعية (الرئيس)، من بداية استلامه “العلم”، إلى حديثه عن هيكلة الجيش، وما جرى في عمران، وحديثه من أن عمران، عادت إلى حضن الدولة، حتى استدعائه للتحالف الخارجي لإنقاذه شخصياً، وليس لاستعادة الدولة (الشرعية)، كما توهم البعض.
لم يكن عبدربه (الرئيس) مخطئا حين قال: إنه استلم العلم!، والسؤال ماذا عمل لكي يستلم الدولة؟ وكان كل الداخل الوطني، والعالم الخارجي يقف معه وفي صفه.
إن عبد ربه كما قال: “استلم العلم”، وبقي وفياً للعلم الشكل، وليس للعلم المضمون (الدولة)، لأن الدولة بمعناها الدستوري القانوني كانت آخر همومه.
فهو ومنذ بداية رحلته إلى السلطة، حاول تقليد سلفه، علي عبدالله صالح، في لعبته مع السلطة، متناسيا أن علي عبدالله صالح هو إبن النظام، وهو أحد صُناعه، وأنه جزء أصيل من بنية ومنظومة النظام السياسي في تجلياته التاريخية، أما هو فطارئ، جاء إلى النظام من خارجه.. جاء ثمرة ونتيجة لحصيلة ثورة شعبية سلمية، كانت ممارساته وهو في قمة السلطة نقيضة لجميع أهداف الثورة، لأنه لم يخرج من جلباب علي عبدالله صالح. وهنا تكمن مشكلته، وأزمة الشرعية، التي تبدت أول ما تبدت في سيره على نهج سلفه، بل وفي تردده في اتخاذ القرارات الحاسمة في المواقف واللحظات المناسبة، وإجراءاته التوفيقية/ التلفيقية في كل شيء .. والأسوأ والأخطر، تعاطية السلبي مع الدستور والقانون، بما فيه تجاوزه في معظم قراراته لقانون الخدمة المدنية، ( قرارات الترضيات والمجاملات وهي لاتعد ولاتحصى) وكذا محاولته تحويل الأحزاب وقياداتها –تحديداً- إلى “كروت” سياسية لصالحه كشخص، وليس كدولة. لذلك وجد نفسه وحيداً ومحاصراً بمنظومة نظام سياسي لم يرض عنه ولم يقبل به إلاَّ على مضض .. نظام سياسي أحكم الخناق عليه، ولم يجد في اللحظة الحرجة/ المناسبة من يقف إلى جانبه، وفي صفه، حين اضطر إلى مغادرة السلطة، هارباً، ووحيداً، حتى وجد نفسه يستنجد بالخارج. ومن حينها وضع نفسه، وكل البلاد رهينة لذلك التحالف/ الاحتلال لأنه حقيقة لا يمتلك من صفات “كاريزما القائد” سوى الإسم ، أو “العلم”، وهنا تكمن مأساته الشخصية، ومأساتنا الوطنية العامة.
إن المكان الذي يدوسه الإحتلال، أو شبه الإحتلال طويلاً لا ينبت فيه العشب، ولذلك علينا أن لا نجعل بقاء تلك الإحتلالات في تسمياتها المختلفة، قائمة في بلادنا لمدة أطول، حتى لا تصاب أرضنا باليباب.
إن كل ما يجري منذ وصول التحالف السعودي/ الإماراتي لليمن، إنما هو تكريس وتجسيد لواقع حالة شبه استعمارية / احتلالية جديدة، بعد أن تحول التحالف إلى احتلال لمناطق واسعة من البلاد، وفي خلقه أوضاع خاصة تمجد اسمه وتعلن دوره المسيطر والمهيمن على كل الشأن السياسي والعسكري والإقتصادي، ، بعد أن أزال من طريقة سلطة الحكومة “الشرعية” للبلاد، وحل بديلاً عنها ، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، بل وحتى أمنياً، عبر أدواته المختلفة المنتشرة في معظم مناطق البلاد.
إن بعض القواميس السياسية تعّرف الإحتلال/ الإستعمار، بأنه محاولة فرض وجوده بالقوة العسكرية (الجيوش)، وإلغاء كل السلطات الوطنية والحلول بديلاً عنها، على غير رضا أهلها. وكل ذلك حاصل اليوم في البلاد – بهذه الصورة أو تلك – والأمر الخطير هنا الذي لا يلتفت له الكثيرون، هو أن مهمة التحالف تحولت من استعادة الدولة، إلى محاربة “الإرهاب”، والحرب على “حزب التجمع للاصلاح”، على كل ملاحظاتنا الجوهرية على ممارساته السياسية الخاطئة هنا، أو هناك ولذلك عملت الإمارات تحديداً، وبدعم سياسي من السعودية إلى تشكيل ميليشيات مسلحة تحت تسميات عديدة “حزام أمني” وميليشيات قبلية وقروية ومناطقية، تحت تسميات “نخبة شبوانية”، “حضرمية” “أبْنية” …إلخ، مليشيات لا صلة لها بالجيش الوطني، وإنما لها مهمات سياسية وعسكرية مختلفة تخدم عملياً المصالح الخارجية (الإمارات/ السعودية)، مكملة لصورة الميليشيات القائمة في المناطق الشمالية.
لقد حولت “الشرعية” الضعيفة العاجزة ، ومعها الجماعة الإنقلابية البلاد إلى مسرح للعمليات السياسية والعسكرية والأمنية الداخلية، والخارجية في صورة التدخلات الإقليمية: السعودية/ الامارت/ ايران/ تركيا. بل وحتى اسرائيل، فالسياسة، والطبيعة لا تحبان الفراغ، ولذلك يتقدم الخارج ليملأ الفراغ بمصالحه، واستراتجياته، ولذلك أقول دائماً إن قوة الأطراف الأخرى، (الداخلية/والخارجية)، آتية من ضعف “الشرعية”، ضعف الداخل فينا ومن الدور السياسي التدميري للتحالف في اليمن، بعد أن أكدت التجربة لنا بالملموس أن شعار “استعادة الدولة”، هو آخر هموم السعودية والإمارات ، اللتين ينحصر همهما في وضع البلاد تحت “الوصاية” و”الإنتداب”، والأهم منعهما معا، قيام دولة وطنية مدنية ديمقراطية، فما لم يقبلانه في بلديهما لا يمكن أن يساعدا اليمنيين عليه. وكلنا يعلم ويدرك الدور السعودي التاريخي في تقويض قيام دولة الجمهورية طيلة سنوات 62-1970م. والأخطر الدور السياسي السعودي/ الاماراتي في تصفية القضية الفلسطينية عبر تمرير وشرعنة ما يسمى، “صفقة القرن”.
كانت الأزمة السياسية قبل ثورة فبراير 2011م منحصرة تحديداً في أنظمة سياسية عصبوية متخلفة (استبداد تاريخي) عمل لتحويل الجمهورية إلى ملكية وراثية، ولكننا اليوم أمام أزمة مزدوجة / مركبة، أزمة في القيادة الرسمية لما يسمى “الشرعية”، وأزمة في قيادة المكونات السياسية التي التحقت كيفما اتفق بالشرعية وبالتحالف دون رؤية سياسية وطنية استراتيجية واضحة لأهداف ذلك التحالف، تحت مسمى “تحالف دعم الشرعية”. أي أن قيادة المكونات تماهت سياسياً وعملياً مع الصيغة السياسية القائمة في إدارة البلاد، بدون رؤية سياسية وطنية واستقلالية لها تميزها عن هذا العبث اللا وطني بمصير البلاد.
اليوم يصل التفكيك السياسي، للنسيج الاجتماعي والوطني مداه في كل مناطق البلاد (شمال / جنوب)وبدعم سياسي وعسكري وأمني ومالي من التحالف الذي لم يتخل عن زعم استعادة الدولة، فحسب، بل هو يمارس عمليا تهميش وتجريد اليمنيين من جميع مصادر قوتهم، وتحويلهم إلى هوامش .. إلى توابع مهانين ومذلين لمشيئة التحالف.
يكفي أن تنظر “للجنة الرباعية”، ولن أقول إلى كيفية تحويلهم المناطق المسمى “محررة” تجازواً، إلى مناطق صراعية ومحتلة بكل ما تحمله كلمة الإحتلال من معنى.
إن مهمة التحالف، وتحديداً الإمارات، كما تعلنها خرائط السياسة التقسيمية للجغرافيا الوطنية اليمنية، إنما هو تقسيم الأرض، إلى شمال وجنوب على المستوى السياسي للدولة، وإلى السيطرة على المناطق الحيوية/ الإستراتيجية (الإقتصادية)، الموانئ/ المطارات، مناطق النفط الغاز المحاصرة، ومدخلهم إلى ذلك جعل البلاد في حالة سجال حربي مستدام. والأهم والأخطر تحويل الصراع في البلاد إلى صراع “هويات”، وهو ما يشتغلون عليه بالتنسيق مع دوائر استخبارية اقليمية ودولية. ومن هنا تركيزهم ودعمهم للقوى السياسية والاجتماعية التقليدية (المشايخ، بقايا السلاطين، جماعات المصالح الصغيرة)، وحصارهم وتهميشهم للقوى السياسية المدنية والديمقراطية الحديثة.
ولذلك يسعون بدأب لحرف مسار الصراع السياسي الإجتماعي الإقتصادي، وتحويله إلى صراعات هوياتية: جهوية ، مناطقية، قبلية ، قروية، مذهبية ..إلخ. وبذلك يضربون عصفورين بحجر واحد: ترحيل بناء الدولة الوطنية الحديثة ممثلة في قضية بناء الجيش الوطني، وبناء الدولة (استعادتها)، إلى زمن مجهول من جهة، ودحرجة الواقع اليمني إلى صراعات هوياتية، (شمال جنوب) و(زيدي شافعي) و(سني، شيعي) من جهة أخرى، وهو الطريق الأسهل والأسرع لجعل الحرب حالة مستدامة، وإدخال البلاد كلها في دوامة حروب ميليشوية، لا تنتهي إلاَّ لتبدأ.. ما يعني أنه حتى في حالة خروج الاحتلال الإمارتي / السعودي ،-لأنهم غير مؤهلين للانتصار على الحوثي وهو ما تقوله حقائق السياسة والحرب طيلة خمس سنوات- فإنه سيترك معظم مناطق البلاد لدائرة عنف وصراعات داخلية لن تتوقف إلاَّ باحتلالات جديدة للبلاد، أو وضع اليمن كلها تحت مشرط التقسيم والتفكيك، حتى استدعاء التدخل الخارجي “الأممي” إلى البلاد تحت “البند السابع”، بذريعة حماية المصالح الاقتصادية الدولية، وممرات الملاحة الدولية.
اليوم جميع مؤسسات الدولة مصادرة ، في كل البلاد.. دولتان في دولة واحدة، بل دويلات متصارعة في دولة، دولة في صنعاء، وأخرى لم تجد لها بعد موقعاً (مكاناً) تنطلق منه، وموزعة بين الرياض، وعدن !! “لا تشلوني ولا تطرحوني”، ودويلات : في مأرب، وتعز، وإب وحضرموت، والساحل الغربي، وقائمة التفكيك والتقسيم مفتوحة إلى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم.
هل سمعتم عن شرعية، وحكومة لا مكان لهما لتجلسا عليه وتنطلقان منه؟ هل سمعتم عن مجلس نواب لا يجتمع إلاَّ برضا وموافقة دول خارجية، هي من تحدد أين ومتى يكون زمن، ومكان الاجتماع، في الداخل أو في الخارج، بل وبأي اجندات سياسية ؟ هل سمعتم عن جيش لا قيادة عسكرية موحدة له؟ حيث تدار بعض المناطق العسكرية عبر قادة أجانب (سعوديين /اماراتيين!!)، وهو ما يقوله علنا رئيس التوجيه المعنوي العسكري السابق/ اللواء محسن خصروف .
إن اللا معقول والفنتازيا التي تصل حد الخرافة، هو ما نعيشه اليوم، لدرجة أن الواقع القائم صار أكثر غرائبية من الخيال.. تماهي الواقع بالأسطورة والفنتازيا، ولم نعد نعرف أين ينتهي الواقع ، وما هي حدود الفنتازيا في واقع الممارسة .
ومن هنا، في تقديري، صعوبة الحلول السياسية بل وتعثرها بعد فقدان قيادات المكونات السياسية لاستقلاليتها السياسية والتنظيمية والتحاقها بركب التحالف/ الاحتلال.
والسؤال الاستنكاري الذي لن أمل من تكرار ترديده: هل سمعتم خطاباً سياسياً وطنياً واضحاً من قيادة المكونات السياسية لشكل ومضمون إدارة، -عفوا- احتلال السعودية والامارات لمناطق البلاد المختلفة، وفي منعهم رئيس البلاد من العودة إلى وطنه؟
هل قرأتم بياناً سياسياً من قيادة المكونات الحزبية يقول للشعب لماذا الموانئ مجمدة؟ لماذا المطارات محاصرة؟ لماذا مناطق النفط والغاز تحت إمرة قوى عسكرية أجنبية ولا تعمل حتى بطاقتها الدنيا من اجل تنمية البلاد؟
ولماذا لايعاد إعمار وتنمية المناطق التي تضررت وتدمرت من الحرب وما يزال سكانها في حالة تشرد ونزوج ؟!
إن أبسط وأسهل وأصدق تسمية لما نعيشه اليوم هو أننا أمام احتلالات عديدة خارجية، وداخلية ، القاسم المشترك فيما بينهم جميعاً هو تقسيم الأرض، وتقاسم البلاد: السلطة/ والثروة/والموقع الإستراتيجي، فيما بينهم وفقاً لإستراتيجيات المصالح الاقليمية والدولية. على الأقل، هذا ما تقوله مؤشرات ووقائع ما هو حاصل حتى اللحظة.
في ختام هذا الفقرة/ الحلقة، من المهم الإقرار والإعتراف، بأن ثنائي الانقلاب والحرب هما من ساعد في ادخال البلاد بوعي أو بدون قصد، إلى حالة الحرب، والاحتلالات القائمة.