كريتر نت / كتب- محمد الثريا
اختلفنا او اتفقنا مع الرجل ..!
فالدعوة التي وجهها رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني مؤخرا عبر تقرير نيابي مفصل رفعه الى الرئيس هادي عكست بالفعل خطابا مسؤولا وصريحا ينبغي البناء عليه والتعاطي معه بايجابية وجدية من قبل جميع الاطراف المشار اليها في رسائل تلك الدعوة ..
فحديثه عن ضرورة انفاذ بنود اتفاق الرياض باسرع وقت ممكن كان حديثا مباشرا ولايحتمل الا معنى واحد وهو ان الحاجة الى عودة الاستقرار السياسي والامني في الجنوب بات شرطا اساسيا توافره قبل الحديث عن توحيد العمل العسكري بين اطراف الاتفاق الموقع وحتى قبل الاشارة الى امكانية خوضهما معارك مشتركة ضد قوى الانقلاب .
وحقيقة.. يكون البركاني هنا قد رمى الكرة في ملعب الشرعية التي اضحت تصعد اليوم عبر قواتها المنتشرة في شبوة وابين، على اعتبار ان المجلس الانتقالي قد اعلن اكثر مرة التزامه الكامل بنص الاتفاق كما وجه الدعوة للمملكة بصفتها راعي الاتفاق في الاعلان عن الطرف المعرقل ،وهو امر لازالت السعودية تتجنب الحديث عنه.
وهنا ايضا يمكن القول ان البركاني قد جعل كافة الاطراف الموقعة والمعنية بتنفيذ اتفاق الرياض بما فيها الرعاة والداعمين امام استحقاق وتحد بارز يكشف مدى سلامة وصدقية نوايا جميع اطرافه دون استثناء ..
النقطة المثيرة للاهتمام في دعوة رئيس البرلمان اليمني كانت عند حديثه عن ضرورة عودة نائب الرئيس ووزير الدفاع الى مأرب وقيادة معركة استعادة الشرعية ودحر الانقلاب من هناك .
سلطان البركاني وضع جنرالات الشمال مجددا هنا امام حقيقة وواقع مؤلم يتجسد في مسلمة ان الشمال لايمكن ان يتحرر الا بقياداته وقواته فقط ولاحاجة للمضي طويلا في خلط اوراق الصراع وبقاء تلك القيادات المتخمة بعيدا عن ساحة المعارك والاكتفاء بإدارة الفوضى في الشمال والجنوب معا دون ممارسة دورها الطبيعي والمنوط بها حسب موقعها المفترض في منظومة الشرعية ..
فماهي إذن حجج ودعاوى قيادات الشمال الشرعية في التنصل من هكذا تصور وحقيقة لاتقبل الجدال؟
وفي الحقيقة لايمكن عزل فحوى ودوافع دعوة البركاني هذه عن تطورات اقليمية ودولية مهمة قد تلقي بظلالها مستقبلا على ثنايا الازمة والصراع باليمن، ولعل توصيات التقرير الاخير لمجموعة الازمات الدولية حول الازمة اليمنية قد وجدت صداها مبكرا في أذان الشرعية لتاتي دعوة البركاني بهذه الجرأة والوضوح .
اذ يكفي معرفة ان الاثنين اي تقرير مجموعة الازمات الدولية وتقرير البرلمان اليمني الذي لخصته دعوة البركاني وعند حديثهما عن رؤية الحل السياسي قد توافقا كلية حول رؤية الحل السياسي الاقرب للازمة باليمن من خلال اشارتهما الواضحة الى مسار التسوية السياسية الشاملة والمتصل بجهد سياسي جديد يسبق تلك الرؤية التوافقية اي انهما تجاوزا فعلا وعن قصد الحديث عن مرجعيات الحل الثلاث .
الامر الاخر والذي لايقل اهمية عن ذلك التطور هو تنامي مخاوف السعودية تجاه تدخلات الغير وتحديدا توالي ارهاصات الدور الروسي المحتمل في الازمة ومحاولة سعي الروس وراء السبب والحجة المناسبة التي تسمح بدخولهم فعليا على خط الازمة اليمنية وامكانية لعب دور محوري فيها ..
كما لا يجب ان نغفل عزيزي المتابع عن خلفية دعوة البركاني والقادمة من الرياض نفسها خصوصا وانها تلت حديثا سعوديا سبق وعبر بوضوح عن امتعاضه تجاه تصعيد عسكري سابق لقوات الشرعية في وقت لازالت تشهد فيه جبهات تلك القوات هزائم متوالية وتصعيدا متواصلا مع العدو الحوثي وهي خلفية باتت تدعم الى حد كبير المقدمة لتطور وشيك ولربما توجه سياسي جديد يضع معه جميع قيادات الشرعية في زاوية الازمة الضيقة بل وامام مفترق الطرق الاصعب في تحديد اولوياتها وترجمة مواقفها عمليا خلال الفترة القادمة .
الاغلب ان خطاب البركاني ذاك لم يكن حديثا عفويا يعكس سريرة الرجل السياسية بقدر ما هو رغبة متأخرة لحلفاء الشرعية المنزعجين وكيف استطاع البركاني استدراك ذلك التطور والتعبير عنه بلسان المستشعر لاخطاء حكومة المتكررة.
على العموم ننتظر احاديث ودعوات رسمية اخرى تحمل نفس خطاب البركاني وقد تسهم في تعرية كثيرا من مواقف وادوار المكونات والقيادات التي لا ترغب بوضع حد لكل ذلك العبث الماثل منذ بداية الازمة وحتى اليوم دونما مؤشرات او بوادر حقيقية تنبئ بقرب ايقافه .
وحتى ترتفع مثل هكذا اصوات محلية ودولية مشابهه فان دعوة البركاني تلك ستظل رهينة لدائرة التمحيص والتساؤل في كونها حقا المقدمة الحقيقية التي قد تمهد لمسار سياسي جديد يعبر عنه بخطوات اكثر حزما ومواقف اقل غموضا في تعاطي جميع الاطراف المعنية بالازمة اليمنية ام انها سوف لن تكون الا احدى مناورات الشرعية المعتادة وحسب؟