كريتر نت / صحف
وجد أعضاء مجموعة أوبك+ ومجموعة الشركات الأميركية الكبرى والدول الصغيرة المنتجة من غير الأعضاء في أوبك أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع عامل يوجه الأسعار بشكل كبير خارج أيّ نطاق للسيطرة أو التقدير هو وباء كورونا.
وفي الوقت الذي بدت فيه السعودية وروسيا مستعدتين لحرب أسعار طويلة الأمد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الشركات الأميركية المنتجة وخصوصا للنفط الصخري، جاء تراجع الطلب الكبير الذي تسببت فيه حالة جمود اقتصادي عالمية نتيجة لانتشار الوباء.
وفيما توقفت المصانع واختفت السيارات من الشوارع وقلصت الدول من استهلاكها على نحو كبير بسبب إجراءات الحجر والمنع الصحيين، صار واضحا أن الدول الكبرى المنتجة عاجزة عن توجيه الإنتاج والأسعار معا، وواجهت تخمة نفطية استثنائية قادت إلى وصول منشآت التخزين إلى أقصى طاقتها الاستيعابية وفرض إغلاق إجباري لحقول الإنتاج.
ويسود تفاؤل حذر بين منتجي النفط
بشأن اتفاق ثلاثي أولي جرى الخميس بين الولايات المتحدة والسعودية وروسيا لإنقاذ الأسواق، وسيكون الاجتماع المقرر للاثنين بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحليفاتها من خارج المنظمة اختبارا جديا لهذا الاتفاق.
وعبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب عن “استعداد بلاده للعمل مع الولايات المتحدة بشأن أسواق النفط”.
وذكر بوتين “تحدثت إلى ترامب.. نحن جميعا قلقون بشأن الوضع في أسواق الطاقة”. عازيا أسباب انخفاض سعر النفط إلى فايروس كورونا، وتراجع الطلب على الخام، وانسحاب السعودية من اتفاق أوبك+.
وأضاف أن أيّ تخفيضات في الإنتاج يجب أن تكون من مستويات الربع الأول.
ويقول خبراء النفط إن إغلاق بعض المنشآت النفطية الإنتاجية قادم، ليس بحكم الأسعار فقط، بل لأن طاقات التخزين الاستيعابية بلغت الذروة الآن، وإنه لا يمكن الاستمرار في الإنتاج خاصة في ظل كورونا الذي بات عاملا مهما في المعادلة مع تراجع الطلب.
ولعل تطوّر الإجراءات الخاصة بالوباء هي العامل الذي لم يأخذه أحد في الاعتبار بسبب حرب الأسعار الجارية حاليا. وتفاقم الفايروس في أسابيع قليلة، وجمد النشاط الاقتصادي ودفع أسعار النفط للتهاوي مع مواجهة المنتجين احتمال انخفاض كبير في الطلب بجانب إغراق السوق بإمدادات نفطية لا تجد طلبا.
وقال رئيس وكالة الطاقة الدولية إن تخفيضات عميقة للإنتاج من أوبك ودول أخرى منتجة للنفط لن تحول دون تراكم هائل للخام العالمي، مناشدا دول العالم ذات الاقتصاديات الأكثر ثراء مناقشة طرق أوسع نطاقا لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط.
وأبلغ فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، رويترز أن الإجراءات الرامية إلى احتواء انتشار فايروس كورونا أدت إلى فاقد “لم يسبق له مثيل” في الطلب قد يصل إلى ربع الاستهلاك العالمي.
ويشير الخبراء إلى أنه من غير الوارد العثور على صيغة تجمع بين التحكم بالإنتاج لموازنة الأسعار، في حين أن هناك عامل تذبذب خطيرا هو كورونا الذي يعصف بالطلب، في وقت لا تمتلك السعودية أو روسيا أو شركات النفط الأميركية أو أيّ من المنتجين أيّ نوع من السيطرة أو التخويف أو التلويح بأيّ من الإجراءات على هذا العامل.
ومع تراجع الطلب بهذه الصيغة، حتى السعودية التي لديها كلفة إنتاج واطئة جدا، ستجد صعوبة في بيع نفطها الرخيص.
وقالت الخبيرة في مركز الطاقة بكلية سكولكوفو للإدارة في موسكو، إيكاترينا غروشيفينكو، إن استقرار السوق لا يتعلق الآن بسلوك الشركات المصنعة، بمقدار ما يتعلق بتطور فايروس كورونا، الذي له الآن تأثير قويّ على الطلب.
كورونا بات عاملا مهما في معادلة تراجع الطلب على النفط
وكانت درجة التفاؤل قد تراجعت قبل اتصال بوتين وترامب، التي عكستها تصريحات الرئيس الأميركي بشأن الاقتراب من اتفاق ثلاثي في ظل تحذيرات أميركية لروسيا والسعودية من “تواطؤ” بإغراق السوق بالنفط، وفي ظل تشكيك روسي في مسار الاتفاق.
وقال لاري كودلو المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض الجمعة إن “أيّ محاولات تواطؤ من أيّ دول في أوبك أو خارجها تبدو أنها تلحق ضررا بالمصالح الأميركية هي شيء سيتعامل معه الرئيس ترامب على الفور لحماية الاقتصاد الأميركي”.
وفاجأ الرئيس الأميركي المستثمرين متحدثاً عن “أمله وتوقعه” بأن تخفّض السعودية وروسيا إنتاجهما “بحوالي 10 ملايين برميل، وربما أكثر من ذلك بكثير”.
وأضاف أن الخفض يمكن حتى أن يصل إلى “15 مليون برميل”، دون إعطاء تفاصيل عن هذه الأرقام.
إيكاترينا غروشيفينكو: استقرار السوق الآن يتعلق بتطور فايروس كورونا
ويعتقد خبراء في مجال النفط أن الفرصة مواتية لتشكيل تحالف أوسع يكون قادرا على الاستجابة لمطالب المنتجين، وأن أوبك++ قد تكون الفرصة المثالية لتحقيق ذلك، مشيرين إلى أن ثمة حاجة إلى صيغة تجعل من المقبول دخول الشركات الكبرى كـ”أعضاء” جدد في التحالف الجديد خصوصا الشركات الأميركية.
وتواجه هذه الشركات مشكلة العمل المنسق داخل الولايات المتحدة لأن القوانين الأميركية المضادة للاحتكار تمنع هذا.
ويقول كيريل دميترييف، أحد كبار مفاوضي النفط الروس ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في تصريحات لرويترز “إذا زاد عدد أعضاء أوبك+ وانضمت دول أخرى، ثمة إمكانية لاتفاق مشترك من أجل موازنة أسواق النفط.”
لكن طريقة الاستجابة تجدد سجالا مريرا اندلع أوائل مارس الماضي في فيينا، حيث شبّت الخصومة بين موسكو والرياض وانهار اتفاق أوبك+ لتقييد المعروض على نحو مفاجئ. فقد دعت السعودية إلى تخفيضات إضافية عميقة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وإنها ترغب أن يتحمل الآخرون – مشيرة بوضوح إلى روسيا – حصة أكثر تناسبا.
وردت موسكو بأن تعميق التخفيضات لن يكون منطقيا لحين اتضاح المدى الكامل لتداعيات فايروس كورونا، في ضوء أن إجراءات مكافحة الفايروس تكاد توقف النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لينحدر بشدة الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل.
وقال مصدر نفطي روسي “أخطأت روسيا حساب رد الفعل السعودي.. لم تعتقد موسكو قط أن السعوديين قد يهددون بزيادة الإنتاج لهذه الدرجة الكبيرة. ظننا أنهم سيواصلون فحسب العمل بالتخفيضات القائمة.”
أما السعودية فأخطأت تقدير مدى انهيار الطلب على النفط والذي دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من عشرين عاما.
وقد يكون أمام كلا الطرفين الآن فرصة لإعادة النظر، وربما سبيل لادعاء أن كلاّ منهما كان على صواب. ففي حالة التوصل إلى اتفاق، تستطيع الرياض أن تقول إن ضخ مزيد من الخام أجبر روسيا على العودة إلى الطاولة. وبوسع موسكو، إذا انضم آخرون، أن تقول إن أثر الفايروس تجاوز ما يمكن لمجموعة أوبك+ أن تتعامل معه بمفردها.