( ١-٣ )
كتب : جميل الصامت
توطئة لابد منها ..
تساؤلات اتلقاها تباعا منذ خروجي من الامن السياسي ،حول معاناة من التقيتهم من سجناء مفترضين ،وماتعرضت له ،ولماذا لا اتناول تفاصيل التجربة بما لها وماعليها …
الكل متشوق لمعرفة (التفاصيل) حول ذلك الجهاز الامني الذي وصفته يوما بعنوان عبر صحيفة الوحدوي بان الداخل اليه مفقود والخارج منه مولود ،فخلال المواجهات مع المليشيات اتفق الجميع على مهاجمة مبنى الامن السياسي المتموضع على تلة صخرية في احدى زوايا المدينة ،لاسيما انه مثل احد القلاع التي تحصنت بداخله مليشيات الانقلاب لدك المدينة وقنص ابناءها ،ليس فقط للسيطرة على المبنى بل والانتقام من المكان باعتباره رمزا للظلم ومقرا للاستبداد ينبغي تطهيره وازعم اني كنت اول المتابعين لاول فوج من الشباب الذي نال شرف الاقتحام والتحرير ابان المواجهات كشهادة اقدمها ،وليس من بين المحررين اي من ادعياء التحرير والمقاومة الذين تعاقبوا على احتلال المكان فيما بعد ..
عند تواصلي مع اولئك الشباب لحظتها اشرت لهم للحفاظ على الارشيف والمكتبة كأهم مايمكن لصحفي وسياسي ان يهتم به لنبش وقراءاة مايمكنه ان يقع تحت يده عن مرحلة مهمة وخصبة لبلد شهدت ثورة شعبية،فكان الرد ان الارشيف منهوب ولم يجدوا غير كتابا يتيما عن الرئيس جمال عبدالناصر في المكتبة حد ردهم ..
قائد المجموعة المحررة بالمناسبة كان احد شباب التنظيم الناصري ومن ابناء سيعة .
الكتاب الوحيد الذي ربما لم يعجب الحوثين عند نهبهم للجهاز فتركوه ،ليظل شاهدا على حقدهم ،وغبائهم معا ..
اثناء التحرير للمؤسسات وطرد المليشيات كان الشباب (النقي) والمقاوم الصادق لايعبه بالمكوث داخل المؤسسات بقدر انشغاله بملاحقة فلول المليشيات ودحرها خارج المدينة …
الجهاز تم نهب محتوياته من قبل مليشيات الحوثي بداية واقصد هنا الوثائق والاجهزة الراصدة والارشيف والادلة الجنائية وغيرها ورفعت الى المركز مباشرة ..
وعند تحريره تعاقبت عليه المجاميع المقاومة ،وغالبتها على مايبدو كان متفق على تهدير وتفتيش المبنى بحثا عن مخازن سلاح سرية ،او لمجرد الانتقام من نظام ظل لاكثر من ثلاثة عقود يعتبر المكان رمزا لسلطته .فتعرض للنهب جراء الفوضى كاي مؤسسة بفعل تحلل اجهزة الدولة الامنية ،حتى وصل الامر الى تعرض ضباط جهاز الامن السياسي الى الاغتيال والتصفية الجسدية ،في ظل حالة الفوضى فيما توارى من نجا منهم عن الانظار والبعض انخرط في صفوف المقاومة ،لكنهم لم يستطيعوا حماية جهازهم طبعا كمبنى والكل كان يعتبرهم انهم جهاز نظام صالح يتوجب حله نتيجة لتاريخه ،وتسريح كادره ،فيما رأى اخرون ان يتم اعادة بنائه وفقا للمعطيات الجديدة ..
في اثناء ذلك كانت عملية التفجير تطال بعضا من اجزاء المباني والملحقات (السجون) ،وللتغطية على حالة العبث التي طالت المباني ،تم تسويق حكاية وجود سرداب (سري) من المبنى المطل على مقبرة الاجينات الى المقبرة ،واشتغلت آلة الاعلام وكذا الذاكرة التحليلية المستجرة للتاريخ والمشحونة بغضب الايام والسنين تجاه هذا الجهاز القمعي سيئ الصيت ، لتنتشر حكاية السرداب المرتبط بالمقبرة وقربت لذهن العامة لدرجة التصديق دون التدقيق، ان هناك كانت تجري تصفيات جسدية غير معلنة ويتم التخلص من الجثامين عبر السرداب السري الى المقبرة مباشرة دون الحاجة للاعلان او الخروج بها من البوابات التي لايجرؤ الاعين لمراقبتها ….
والحقيقة ان الموتورين ،وعناصر القاعدة ،لم يفرقوا بين المبان كاملاك عامة وادوات النظام السياسي الساقط كما لم يستوعبوا طبيعة المرحلة التي لاتحتمل العودة للماضي وجرد الحساب معه ..
ظل المكان نفسه مرعب زمنا طويلا لمجرد الاقتراب منه او حتى السكن بجواره فما بالك بمن يستدعى اليه او يختطف الى اقبيته ..
لعل هذة الصورة ماتزال عالقة في الاذهان ولم تغادر الذهنية التي عاشت ردحا من الزمن على فكر الاستبداد وآلة القمع البغيض ..
وربما هي المحرك للبعض لمطالبتي بنشر تفاصيل حتى من اناس عادين صادفتهم في الطريق ..
امام هكذا اصرار وجدت نفسي ملزما بكشف ما وجدته ليطمئن الناس على الاقل ..
(٢-٣)
الامن السياسي بين زمنين …
لعل بعض اثار الماضي ماتزال عالقة لدى القائمين على حراسة بوابة الجهاز ، زملاء واقارب رغبوا في زيارتنا ،فتوجهوا الى مبنى الجهاز المعروف للجميع ،ليتفاجاؤوا بتهديد الحراسة باعتقالهم في حال استمروا بالحاحهم ،ومرابطتهم امام البوابة التي ظلت زمنا لايجرؤ احد الاقتراب منها ..
الحراسة نفت وجودنا في ذلك المكان وهم صادقون ،لكن الزائرين لم يتصوروا الامر كيف معتقل في الامن السياسي ولايوجد فيه ..!
الحراسة لم تعط تفاصيل واكتفت بالنفي والتهديد لمن ألح في طلبه ،التهديد امر غير محبذ لاي مواطن لمجرد ان بسأل يقابل بتهديد …؟!
وبالفعل لم اكن في ذلك المكان المعروف بل في عمارة (مغتصبة) يتخذها الجهاز مقرا مؤقتا له ربما لدواع امنية وربما لان المقر الرئيس لم يعد صالحا وبحاجة الى ترميمات وتأهيل ..
الاغتصاب للعمارة ،لاتعفي الجهاز من تسديد ماعليه من التزامات تجاه صاحبها خلال سني الاستغلال كونه جهاز دولة والمواطن من حقه ان يطالب بالاخلاء متى شاء ،اذ لايعقل ان تغتصب الدولة حقوق مواطنيها ..
امضيت في احد ادوار العمارة كنزيل ربما لطبيعة العمارة وربما لانتفاء وجود قضية بالاساس ضدي الامر الذي فرض على القائمين تقديم صورة مختلفة عن الصورة النمطية لجهاز امني ظل اقترنت سمعته باساليب القمع والارهاب ، لايستبعد ان يكون بهدف نقل صورة معاكسة عما طبع ،واستقر في الاذهان زمنا طويلا ، ليخرج الصحفي او الناشط يقدم صورة وردية يطفئ كل مايثار عن تجاوزات جهاز عرف عنه ماعرف ..
احيانا جهات تتعمد نقل صورة مغايرة عن واقعها ،بالتخلي عن بعض تجاوزاتها مؤقتا ،او بالحقيقة تعود الى طبيعتها التي ينبغي ان تكون عليه لايصال رسائل …
عزلي منع عني الاحتكاك باي سجين على قلتهم ،فلايوجد غيري والاخوين عبدالله فرحان والذي كان في دور اسفل والاخ جميل الشجاع الذي تم احضاره بعدمضي نصف شهر على اعتقاله في الشرطة العسكرية امضاها بين تهديدات المراهقين (ابو عبيدة ومعاوية) وزنزانة تختصر مشهد الانحراف بدور جهة ضبطية للعسكرين وحدهم ،وحال الاجهزة الامنية برمتها التي تعيد استنساخ سجون العهد البائد الى الواجهة مجددا ..
لعل تسريب خبر تصفية الاخ عبدالله فرحان اثر اختطافه في احد السجون السرية شكل ضغطا لضرورة زيارته للتاكد من وجوده فعلا ..
وحقيقة كنت اول زائريه في اليوم التالي عندما حضر رئيس الجهاز ونائبه ومستشار المحافظ المهندس/محمدالحريبي وتم استدعائي الى الدور الاسفل واذ برئيس الجهاز يامر بفتح باب غرفة كان تلكأ احد الحراس بعض الشيئ بداية، لافاجأ بفتح الباب واذ بالاخ عبدالله في الغرفة ، فسلمت عليه ،ولاحظت انه ظهرت عليه علامات الاطمئنان برؤيتي فكلانا لم يصدق اننا سنلتقي في ظل هذة الظروف ،وتجاذبنا الحديث الجماعي حول اعتقالنا، فاذا بشخص عرفت فيما بعد انه نائب لرئيس الفرع وشخصته لمجرد ثلاث او اربع كلمات رددها اثناء حديثنا ،فكيت (شفرته) وادركت لحظتها ان الجهاز مخترق من جماعة سياسية تناصب القوى الوطنية العداء ..
دعوتي لزيارة فرحان ربما كانت لطمأنته ،وطمأنتي انا ايضا بعد ذيوع خبر تصفيته ،وكذا لايصال رسائل ان هناك قائمة من الصحفين والناشطين سيلحقوا بنا ومنهم الاستاذة اروى الشميري ،فرديت اني مستعد للاعتقال نيابة عنها وحذرت من مغبة ذلك كونه لايجوز ان تعتقل مرأة لمجرد رأي تبديه ،التفت المستشار الحريبي متعجبا نحوي ..؟!
هل الموقف جاد ام مزحة لجس النبض لا ادري المهم كان ردي واضح وسمعه الجميع ..
انتهت الزيارة وعدت الى غرفتي في اعالي العمارة ،وخلال يومين تم احضار الاخ جميل الشجاع الى غرفة بجواري ..
تم استلام الاخ جميل كما استلم الاخ عبدالله من قبل من ايدي الجهات الخاطفة ..
اثناء مدة الاعتقال ادركت ان هناك سجون خاصة بالمتهمين بقضايا متعلقة بالارهاب ،وقضايا اخرى ولكنهم ليسوا كثيرين كمابدا لي مع اني لم ارى اي منهم غير واحد اثناء مغادرتنا برفقة رئيس الجهاز لمقابلة المحافظ كان قد تم اخراجه واستوقف رئيس الجهاز لياذن بعلاجه وتوفير احتياجاته الدوائية ..
غير ان ذلك لم يمنع فضولي من ادراك ان هناك مظلومين قضى بعضهم زهاء العامين دون ان تثبت ضدهم قضية ..
ارجو من قيادة فرع الجهاز تحمل المسئولية ازاء مثل تلك الحالات ان وجدت ..
لاسيما ان قيادة الفرع ذات مرة ابدت استعدادها لتفتيش السجون وفتحها امام اي مواطن عادي يرغب في الزيارة او التفتيش،لافتة الى انها اطلقت قبل ذلك من لم يثبت ضدهم اي اتهام بعد مدد من اعتقالهم لدى جهات لم يذكرها …