كريتر نت / أمين الزاوي
حقوق المرأة ليست تفاصيل صغيرة أو هامشية، إنها قضية مركزية في المجتمع، وهي محرك تقدم الشعوب حين تحترمها وتطبقها، ومحرك التخلف حين تدوس شعوب أخرى عليها وتعتبرها مجرد تفاصيل لا طائل من ورائها، حقوق المرأة ليست تفاصيل، إنها الكلّ، الإنسان ذكر أو أنثى كامل بحقوقه الإنسانية، والإنسانية تكتمل حين تحترم فيها حقوق الإنسان.
حقوق المرأة ليست استرجالاً من قبل المرأة كما ترغب في تصويرها الأيديولوجيا الذكورية العنصرية في بلداننا العربية والشمال أفريقية، والشعوب التي تعطي المرأة حقها ليست شعوباً فيها الرجل مغلوب على أمره كما يحلو لبعض ضحايا الأيديولوجيا الذكورية الترويج له، بل هناك وعي اجتماعي متميز وشراكة في المواطنة.
كثيرة هي الخطابات الفاسدة والتي تنتشر عادة في المجتمعات العربية والشمال أفريقية والقائلة إن معالجة مسألة الحروب والجوع والصحة هي قبل معالجة مسألة “حقوق المرأة”، وأن مسألة حقوق المرأة أمام هذه الأمور “الكبرى” هي مسألة تفاصيل وهوامش، وهي من مشاغل المجتمعات التي تعيش هناء وسلماً، ولكن يفوت “هؤلاء” ألا صحة صحيحة ولا سلاماً دائماً ولا أمناً غذائياً مستديماً في غياب حقوق المرأة، بكل بساطة لأن المرأة تمثل نصف المجتمع، فإذا كان نصف المجتمع مبعداً فكيف يمكننا معالجة هذا المجتمع أو ذلك، الأولويات متداخلة، فالبحث عن السلام والصحة والاقتصاد والتقدم لا يمكنه أن يتحقق إلا بوجود امرأة تتمتع بحقوقها كاملة، تعيش المواطنة في بلد تُحترم فيه المواطنة كشريعة مبدئية وأولية، قبل جميع الشرائع الأخرى.
منذ 15 قرناً ونحن نتحدث عن حرية المرأة المسلمة أو في المجتمعات الإسلامية، وفي كل مرة نعيد الدرس، الدرس المستهلك نفسه على الأجيال المتلاحقة، بذكر بعض الأسماء الإسلامية من النساء اللواتي مارسن التجارة أو السياسة أو الشعر في تاريخ العرب والمغاربيين، ومنذ 15 قرناً ونحن نعيد الدرس ولا شيء تغير ولو قليلاً.
ومنذ عهد الحركات الوطنية المعاصرة التي تولدت عنها استقلالات وطنية، بأعلام وطنية وأناشيد وطنية وبأنظمة مختلفة بين بلد وآخر، اشتراكية أو ملكية أو ليبرالية، حدث هذا في العالم العربي وشمال أفريقيا منذ حوالى القرن، وفي كل مرة وبكثير من الانتفاخ الوطنياتي، وبمناسبات وطنية أو غيرها، نذكر بعض المناضلات في الحروب التحريرية أو في الفكر أو في السياسة، لكن الأمر لم يتغير، أو إلا قليلاً.
لقد أدخلنا النساء المناضلات إلى المتاحف، وجعلناهن فرجة، للترويح على النفس سياسياً والتفاخر الذكوري في المناسبات الدينية والوطنية وحتى العالمية، كل ذلك لمراوغة الواقع والتغطية على التخلف وعلى التراجع الذي يعرفه واقع حقوق المرأة في زمن التكنولوجيا ونهاية الحدود الجغرافية التقليدية ورأسمال الرمز والشركات العابرة للقارات.
تُشن الحروب على القوى السياسية المطالبة بحقوق المرأة إما باسم الطبقية الاجتماعية (العامل الاقتصادي) أو باسم الأيديولوجيا، أي بتكريس نظام اقتصادي يعتبر المرأة يداً عاملة من الدرجة الثانية، أو يعدها “فماً” يستهلك وذراعاً لا ينتج، بالتالي فحقوقها لا “أولوية” فيها، وإما من خلال الاتكاء على الأيديولوجيا الظلامية، خصوصاً تأويلات النصوص الدينية التي تجعل من المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، مواطنة “غير كاملة عقلاً”، “مواطنة لها نصف الشهادة”.
كذبة الحركات النسوية الإسلامية
ظهرت الحركة النسوية الإسلامية المعاصرة، أي الجديدة، أساساً وبشكل قوي في أوروبا الغربية التي توجد بها جالية إسلامية مكثفة ووازنة تراكمت على مدى أربعة أجيال تقريباً، في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا والبلدان المنخفضة وإسبانيا والبرتغال وإنجلترا، وإذا كانت الحركات النسوية في الخمسينيات، التي ترعرعت في البلدان العربية والشمال أفريقية، جاءت لتطالب بأن تكون المرأة تتمتع بحقوقها كما هي المرأة في أوروبا، حقوق التعليم والصحة والعمل والسياسة والثقافة والفن، فإن الحركة النسوية المعاصرة الراهنة، المقيمة في أوروبا، جاءت لتطالب المرأة المسلمة المقيمة في هذا الغرب الأوروبي بالعودة إلى تقاليد القرون الوسطى التي ناضلت أمهاتهن للتحرر منها.
نشطت الحركة النسوية الإسلامية في أوروبا بوتيرة عالية مع صعود الفكر الإخواني في هذه البلدان والسماح لهذا التنظيم من التغلغل في أوساط الجالية المسلمة التي تعاني أيضاً من العنصرية العرقية والثقافية، في ربع القرن الأخير، وبالأساس منذ مطلع التسعينيات، تجنّد الإخوان المسلمون سياسياً ودعوياً في أوروبا وتمكنوا من أن يكونوا بديلاً للسلفية العلمية واستولوا على المراكز الثقافية الإسلامية وعلى منابر المساجد وعلى المدارس القرآنية وعلى المصليات وعلى الجمعيات الخيرية المشبوهة، وغيرها من الأطر والفضاءات التي تبدو قانونية في عين القانون الأوروبي، لكنها مؤسسات وجمعيات كثيراً ما تستغل القوانين لتخرقها بحيل تجعلها تنفذ من رقابة الدولة المركزية، وقد ساعد اليسار الأوروبي، والفرنسي على وجه الخصوص، في تمكين الإخوان المسلمين من السيطرة على الأقليات المسلمة في الأحياء الهامشية، وحجته، أي اليسار، في ذلك هو أن غالبية أبناء هذه المجموعة الاجتماعية تعتبر وعاء انتخابياً لهذا اليسار المعطوب، هذا اليسار الذي أصبح في السنوات الأخيرة رهين هذا التيار الإسلامي على مستوى السياسات المحلية والإقليمية، وإدارة البلديات والمقاطعات والنواحي، بالتالي قضى على نفسه بنفسه من خلال هذا التحالف وهذا الرهان الخاسر، ووقع شهادة موته.
وظهرت ما سميت بالحركة النسوية الإسلامية للرد على الحركات النسوية الأوروبية، التي بدأت تطالب بتحرير صوت المرأة وتحرير طاقاتها العقلية والمهنية والجسدية في العالم الإسلامي، وبالأساس في العالم العربي وشمال أفريقيا وتركيا وإيران، وقد استشرست، وبدعم من اليسار في البلديات ذات الكثافة السكانية المسلمة، المغاربية بالأساس، بعد ظهور قضية الحجاب في التسعينيات وما تبع ذلك من نقاشات سياسية وإعلامية، بين مؤيد ورافض ومتحفظ.
لقد كان الإخوان المسلمون هم من يوجه الحركة النسوية الإسلامية التي وجدت في النقاش فرصة للظهور، ومحاولة تقديم مسألة “الحجاب” على أنها تدخل في الحريات التي يكفلها القانون الأوروبي، وهذا حق يراد به الباطل، وقد نشطت هذه الحركة النسوية الإسلامية للتروج للفكر الإخواني بالقول إن “الحجاب” الذي ترتديه المرأة المسلمة في أوروبا ليس مفروضاً عليها من قبل التيار السياسي الإخواني، هذا التيار الذي ينشط وفق خطة رهيبة ستوصل مناضليه في نهاية الأمر إلى منطقة السلفية الجهادية، وهو ما حدث للآلاف من النساء والرجال الذين جندهم للالتحاق بصفوف “داعش” في سوريا والعراق، من خلال الجهاد العسكري أو جهاد النكاح.
لقد انقضت الحركة النسوية الإسلامية في أوروبا، من خلال الإعلام ومن خلال بعض التنظيمات السياسية والجمعيات الملحقة بها، على مسألة الحجاب ولاحقاً البوركيني الذي جدد نقاش حجاب التسعينيات، وقد حاولت بعض وجوه هذه الحركة النسوية الإسلامية التسويق لفكرة أن “الحجاب” قناعة شخصية ومسألة فردية محضة ولا علاقة لذلك بمسألة تحجيم حرية المرأة المسلمة في أوروبا، وإذا سلمنا أن الحجاب مسألة حرية فردية وشخصية وهي من رغبة المرأة وبقناعتها، فهي من أرادت لبسه تماشياً مع إيمانها الاجتماعي، ونحن نحترم هذا الرأي، ولكن إذا ما كان هذا يدخل في باب الحريات الفردية المكفولة في الدستور والمواطنة، فلماذا يا ترى حين تبادر أية مرأة محجبة إلى خلع الحجاب، من باب الحرية الفردية أيضاً، تمارس عليها كل الضغوط من الجهات الإسلامية، وتشن عليها حملات تشويه أخلاقي ونفسي، بل إنها تتهم في عرضها وفي دينها وفي إيمانها، ويتعرض معظم من يتراجعن عن الحجاب بعد ارتدائه إلى كل أشكال التهديد الكومنوتاري والأسري والتحرش المفضوح في الشارع، وتشن عليهن حملات مغرضة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حرب نفسية إرهابية، فمن تلبس الحجاب يحتفل بها ومن تخلعه ترجم، من ترتدي الحجاب لا يمكنها أن تتراجع عن ذلك، وإذا ما تراجعت عن ذلك فمصيرها كمصير المرتدة، قد يصل الأمر إلى القتل.
لقد أدركت الحركات النسوية في العالم العربي وشمال أفريقيا مبكراً، منذ الخمسينيات، ألا تحرير للمخبر من دون تحرير المظهر، وحين العودة إلى تاريخ الحركات النسوية الشريفة سنجد بأنها كانت تجمع ما بين الخطاب التحرري السياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي وأيضاً التحرر المظهري، أي فن اللباس.
إن ما يسمى اليوم بالحركات النسوية الإسلامية في أوروبا تعمل على إعادة عقارب ساعة التاريخ إلى الوراء، بالتالي العمل على ترويض المظهر للوصول إلى ترويض العقل، فاستعباد الجسد وإشعار المرأة بأن جسدها هو ملكية عامة، يشترك في ملكيته الأب والأخ والعم والجار وتاجر الكزبرة وسائق التاكسي… يجعلها لا تفكر إلا من خلال القبيلة حتى ولو كانت في جادة الشانزيليزيه.
المصدر : الأندبندنت