كولين دروري
عندما غمرت المياه منزل الأسرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتقد المتقاعدان كاث سميث وميك رايان أن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك. واضطُر الزوجان البالغان من العمر خمسةً وسبعين عاماً وواحداً وسبعين، إلى الفرار من بيتهم ذي الطابق الواحد في قرية فيشلايك جنوب يوركشير، قرابة الساعة العاشرة من مساء ليل الجمعة المرير، بعدما بلغ ارتفاع المياه في داخله مستوى الخصر.
وتقول كاث وهي موظّفة متقاعدة كانت قد عملت في هيئة ”NHS“ (خدمات الصحة الوطنية): “إن ما حصل كان أكثر شيء صادم يحدث لنا على الإطلاق. أو على الأقل كان ذلك حتى… هذا”.
ربما لا محالة، أن ما تقصده هو فيروس كورونا. فبعدما بدأ سكان هذا المجتمع الريفي البالغ عدد أفراده نحو 700 شخص الوقوف على أقدامهم على أثر الدمار الذي حدث في العام الماضي، وجدوا أنفسهم وقد ألقي بهم في كابوس جديد تماماً.
ويوجد ما يُقدّر بنحو 300 شخص هنا في حال انعزال، في حين ما زالوا يعيشون في منازل أصدقائهم، أو ينامون في غرف احتياطية، أو يقيمون في سكن موقّت بعد الفيضان. وقد توقّف مرّةً أخرى العمل على إعادة تأهيل منازلهم لجعلها قابلةً للسكن، بسبب القيود الجديدة التي فرضها الوباء على الصناعة والحركة. وتواجه الشركات المحلية التي بالكاد نجت بعد الفيضانات موجةً ثانية من الدمار الاقتصادي.
وعلى الرغم من عدم وجود تقارير عن إصاباتٍ بفيروس كوفيد-19 في القرية بشكلٍ أكيد حتى الآن، هناك مخاوف حقيقية من أنه إذا وصلت العدوى إليها، فإن النتائج ستكون وخيمةً جداً. فالسكّان هنا هم من الكبار في السن نسبيّاً، في حين أن المنطقة الأوسع لديها معدّل مرتفع نسبيّاً من المصابين بأمراض الرئة، الناجم عن إرثها في صناعة التعدين والمناجم.
وتقول كاث، وهي أيضاً جدّة لثلاثة أطفال: “كنّا قد بدأنا جميعاً نرى الضوء في نهاية النفق. لكن هذا الذي يحدث الآن يشعرنا بأن الضوء قد انطفأ”.
وبالنسبة إلى هذه المرأة وزوجها ميك الذي عمل كهربائياً لمرّة واحدة وبحّاراً، فإن الأمور تشكّل صعوبةً بشكل خاص لهما. فلأن الرجل مصابٌ بالسرطان، أصبح الزوجان الآن من بين مليون ونصف المليون شخص في المملكة المتحدة الذين أُمروا بالبقاء في منازلهم بأي ثمن تقريباً. والفارق هو أنهما يُضطران إلى ممارسة هذه العزلة الذاتية الشديدة أثناء العيش في ملحقٍ مؤلّف من غرفتين تابع لمنزل أحد أصدقائهما.
ويحتوي هذا الملاذ الموقّت على غرفة نومٍ داخلية واحدة ومطبخ مجاور. وهو في الأساس ملحق للمنزل له مدخل خاص به. وتقول كاث: “نحن ممتنّون للغاية لوجودنا هنا، إنه لشيء جميل، لدينا مناظر خلاّبة للحديقة. لكن يتوجّب علينا البقاء في المنزل في مكان ليس هو بيتك، مدة ثلاثة أشهر، تشعر أنك محاصر وأن الحياة معلّقة”.
وتعرب عن خشيتها من أن يلتقط أحدهما بطريقة ما فيروس كوفيد-19، ربما خلال أحد مواعيد العلاج الكيميائي الشهرية لزوجها ميك، كما تقول. وتضيف: “إذا حدث ذلك ، فلا أدري كيف سنبقى منفصلين أحدنا عن الآخر في وقتٍ نعيش فيه في ملحقٍ منزلي. لن يكون ذلك ممكناً. أحاول ألا أفكّر في الأمر. نحن نعيش يوماً بيوم”.
هذا الأسلوب في العيش يطغى على سكّان القرية التي غمرتها مياه الفيضان بعدما تفجر نهر”دون” وفاض على ضفافه، ويتعيّن عليهم الآن القيام بذلك.
وفي المقابل، يعيش زوجان آخران في مقطورة عطلات في مدينة سكاربورو، في انتظار ترميم منزلهما. ويقبع مقيمٌ آخر، وهو مدرّس، في الطابق العلوي في منزله، فيما لا يزال الطابق الأرضي غير مستخدم. في غضون ذلك، حصل عددٌ من الأشخاص الذين تم تسكينهم من قبل مجلس دونكاستر، على أماكن إقامة موقّتة على بعد أميال من فيشلايك نفسها، الأمر الذي جعلهم أكثر عزلةً في وقت الأزمات. وما زال إجمالاً نحو 90 في المئة من الذين تم إجلاؤهم من مئةٍ وخمسين عقاراً، بعيدين عن منازلهم.
ويقول بيتر بريدام، مأمور كنيسة سانت كوثبرت في القرية: “ظروف المعيشة هذه صعبة بما فيه الكفاية على أي حال. لكن عندما تجد نفسك محصوراً في المنزل طوال اليوم تقريباً، كلّ يوم، فإن الأمر يتفاقم على نحو مختلف”.
هذا المجتمع ليس مختلفاً في مواجهة مثل هذه الأزمة المزدوجة، بحيث يعاني آلافٌ من ضحايا الفيضانات في جميع أنحاء ويلز وميدلاندز – تسبّبت عواصف “كيارا” و”دينيس” و”جورج” بخسائر تُقدّر بنحو 225 مليون جنيه استرليني (288 مليون دولار أميركي) في فبراير (شباط) الماضي – من ضربةٍ مزدوجة تتمثّل بفيضاناتٍ توراتية وبوباءٍ عالمي. وفي مدينة آيرونبريدج المحبوبة للزوّار، التي عانت بشكلٍ خاص خلال العاصفة “دينيس”، برز أمل لدى السكّان في أن صيفاً مربحاً من موارد السياحة يمكن أن يعوّض بعضاً من الضرر، لكن هذا الأمل تبدّد الآن.
ويقول بريدام مأمور الكنيسة في قرية فيشليك: “لا أعتقد أن هناك أيّ شك في أن ما يحدث للناس في جميع أنحاء المملكة المتّحدة هو الوقت الأكثر اختباراً على الإطلاق الذي مرّوا به. فبالنسبة إلى الأشخاص الذين ما زالوا يتعافون من آثار الفيضانات، تولّد لديهم مستوى آخر من القلق إضافةً إلى ذلك. وما أعنيه هو: كيف يمكن أن تعزل نفسك عندما تنام على أريكة عند أحد أصدقائك؟ هذا غير قابل للتنفيذ”.
ويضيف بيتر بريدام أنه في فيشلايك نفسها يُطرح سؤالٌ وجودي إضافي عن عدوى الفيروس التي يمكن أن تكون أكثر فتكاً من أماكن أخرى. ويقول بتهكّم: “إذا استقر فيروس كورونا هنا، فإن معدل الوفيات – كنسبة مئوية – سيجعل ما يحدث في لندن يبدو كأنه مسرحية أطفال.” ويلفت بحزن إلى أن المسرح الإيمائي المحلّي (بانتومايم) كان لا بدّ من إلغائه.
في منزل ليس ببعيدٍ عن الكنيسة، تحاول بام ويب وهي مقيمةٌ أخرى في القرية، التعامل مع عواقب الأزمة الثانية.
وتمتلك المرأة البالغة من العمر تسعةً وأربعين عاماً منتجع “ترفل لودج” الذي أتت عليه المياه بعدما غمرته بشكلٍ كامل خلال الفيضانات.
وكانت قالت للإندبندنت في حينه: “حاولتُ التصدّي بمنشفة، منشفة! ما هو الأمر المفيد الذي اعتقدتُ أنها ستفعله؟ المياه وصلت إلى مستوى ركبتي في غضون نصف ساعة. وكانت هناك قوارب إنقاذ في الخارج!”
بعد تلك الليلة المشؤومة، تمكّنت المرأة من إعادة المنتجع الصحّي – حيث تعيش أيضا – إلى العمل في غضون تسعة أسابيع. الآن، بعدما فتحته مرّةً أخرى للزبائن لأكثر من شهرين بقليل، عليها أن تعاود إغلاقه من جديد. وتصف شعورها بالقول: “إنها لحظةٌ مرهقة. لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ إن حياة الناس هي أهم من أي شيء آخر، لذلك اضطُررنا إلى الإغلاق. الآن علينا أن نتغلّب كمجتمع، على هذا الوضع”.
هل يمكن لشركتها – ولغيرها مثلها – أن تنجو من فترتين هائلتين من حال عدم اليقين؟ تجيب: “في الواقع، لقد نجونا بالفعل من الأولى. سيكون بالطبع اختباراً آخر، لكنني مصمّمة على أن نتمكّن من تجاوز فترة ثانية. إنها أصعب بكثير، لأنه مع الفيضان، إلى حدّ ما، كانت العودة إلى العمل بسرعة في أيدينا. لكن مع هذا الوباء، فإنه الوضع هو خارج عن سيطرتنا”.
وتؤكّد بام ويب أنها ستظلّ إيجابية نتيجة عاملين: الدعم الذي تلقّته، وحقيقة أنها تعتقد أن النهاية المحتملة للفيروس يمكن أن تبشّر بازدهار اقتصادي صغير. وتوضح أن “جميع هذه الأشياء التي كنّا نعتبرها دائماً أمراً مسلّماً به – مثل لقاء الأصدقاء، والتواصل الاجتماعي، ومغادرة المنزل لمجرّد الخروج فقط – أعتقد أنه عندما ينتهي هذا الأمر، سيرغب الناس حقّاً في القيام بها بشكل كبير، لذلك سيكون هناك الكثير من الخروج”. وهل التوقّع أن تكون هناك عشرينيّاتٌ جديدة مزدهرة؟ تجيب: “هذا ما يجب أن نطمح إليه”.
تساعد ويب في تنسيق طريقة تعاطي قريتها مع وباء كوفيد-19. وتقول في هذا الإطار: “شكّلنا مجموعة عملٍ لمكافحة الفيضانات في نهاية العام الماضي، على الرغم من أننا أطلقنا عليها اسم مجموعة مجتمعية لأن أحداً لا يريد أن يتم تذكيره بالفيضان. هذا يعني أن لدينا الآن رسائل بريد إلكتروني وأرقام هاتف عائدة إلى معظم الأشخاص هنا، لذا يمكننا التواصل معهم لمعرفة ما إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة، وتنسيق إجراءات الدعم لهم”.
حانة “هير أند هاوندس” المغلقة طبعاً كما هو متوقّع، تساعد بشكلٍ خاص في هذا الجهد، وكذلك الكنيسة ومقهى “أولد بوتشرز”. إن أحداً لن يعمل منفرداً. الجميع سيساهم في الجهد. وتقول بام ويب أخيراً: “لم تحبطنا الفيضانات من قبل. ولن نسمح لوباءٍ بأن يدفعنا إلى الإحباط”.
الأندبندنت