كريتر نت / اليمن / صفية مهدي
ربما تكون المفارقة أن اليمنيين قلقون على أبنائهم وذويهم في الخارج. فالدولة التي تعاني من ويلات الحرب والظروف الصحية السيئة سجلت حالة إصابة واحدة فقط بكورونا. لكن ما حقيقة الوضع باليمن وهل البلاد مستعدة لمواجهة الجائحة؟
عززت أسرة هشام (34 عاماً) ونصر (31 عاماً)، في العاصمة اليمنية صنعاء، من إجراءاتها الاحترازية بعدم خروج أي من أفرادها سوى للضرورة القصوى، عقب الإعلان عن تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة مخبرياً بفيروس كورونا المستجد كوفيد-19 في البلاد. فالوضع الصحي يقف على شفا الانهيار منذ سنوات، رفعت معه الأمم المتحدة من حدة تحذيراتها، وسعت إلى إبرام هدنة بوقف إطلاق النار، ومع ذلك ما تزال الإجراءات الاحترازية لدى السكان، محدودة، باستثناء حضرموت التي سجلت أولى الإصابات.
وأفاد سكان لـDW عربية، أن أغلب مدن محافظة حضرموت الواقعة شرقي البلاد، والتي سجلت أولى حالات كورونا المؤكدة برجل ستيني يعمل في ميناء بمدينة الشحر، تعيش في حالة شلل، حيث الحركة في الشوارع تكاد تختفي، فيما يلزم غالبية السكان منازلهم، تماشياً مع الإجراءات التي أعلنتها السلطات المحلية والإجراءات الوقائية الشائعة للحد من انتشار المرض.
وعلى الرغم من مرور أكثر من يومين دون تسجيل حالات جديدة، وإعلان السلطات الصحية اتخاذ إجراءات اللازمة في المنطقة المتأثرة وأقارب ومحيط المصاب، إلا أن حالة من الترقب الحذر تسود في المحافظة وعموم مناطق البلاد، في ظل الشكوك، باحتمال أن تكون هناك حالات أخرى، لم يعلن عنها أو لم تشخص في أجهزة الفحص الطبية المتخصصة.
وفي السياق قالت رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في اليمن كلير هاديونج في تصريح خاص لـDW عربية إن “اليمن كانت واحدة من بين آخر دول العالم التي لم تعلن عن حالة إصابة بفيروس كورونا”، ومع ذلك “نشك في أن ذلك قد يكون بسبب افتقار البلد إلى القدرة على الاختبار بشكل كبير، لذلك من المحتمل أن يكون الفيروس متداولًا دون أن يتم اكتشافه”.
وأضافت أنه “تم إضعاف النظام الصحي في اليمن بسبب الحرب، وتأثير كوفيد 19 سيكون كارثياً” إذ إن “نقص أدوات الحماية الشخصية PPE والفحوصات في اليمن لا تسمح بالاستعداد الكامل لمواجهة هذا الوباء”.
قرارات وقائية وهدنة هشة
وطوال الأسابيع الماضية، لم يكن اليمن بمعزل عن تأثيرات الجائحة العالمية، إذا اتخذت الجهات المعنية المنقسمة بين سلطتين في صنعاء (تابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين) وفي عدن (حيث الحكومة المعترف بها دولياً)، العديد من القرارات الوقائية بالتنسيق مع المنظمات الإغاثية العاملة في البلاد، فيما توقفت الحركة من وإلى اليمن، إلى حد كبير، فضلاً عن إغلاق المدارس والعديد من الأسواق وتعطيل العمل في العديد من المؤسسات.
وفي إطار الاستجابة لتهديد الوباء، سعت الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، إلى إبرام هدنة ما تزال هشة بين أطراف النزاع المختلفة (الحوثيون من جهة والحكومة والتحالف بقيادة السعودية من الجهة الأخرى)، وحصلت الأسبوع الماضي، على تجاوب نسبي بإعلان التحالف وقف عملياته العسكرية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد، لإتاحة الفرصة لاجتماع يخطط المبعوث الأممي لإشراك ممثلين عن الطرفين فيه، لمناقشة العديد من الملفات، بما في ذلك، الإجراءات التي يمكن أن تسمح بحالة من التنسيق لمواجهة تهديد كورونا وتأثيراته الاقتصادية.
قلق من الداخل إلى الخارج
وعلى الرغم من التهديد والرعب اللذين رافقا انتشار الوباء عالمياً، إلا أن تأخر تسجيل حالات إصابة مؤكدة به ومحدودية الانتشار في الفترة الماضية في اليمن، كان بارقة أمل للأسر اليمنية، التي واجهت ويلات الحرب والعديد من الأوبئة في السنوات الماضية، في حين بدت حتى اليوم في وضع أقل خطورة، مما يعيشه أفرادها المهاجرون والمغتربون خارج البلاد، والذين يوفرون نسبة كبيرة من الدخل القومي ويعيلون نسبة غير قليلة من الأسر في الداخل.
وتقول هند محمد (28 عاماً) لـDW عربية إن أسرتها المؤلفة من تسعة أفراد بمن فيهم الوالد والوالدة، تعيش في قلق مستمر على سلامة شقيقيها هشام ونصر، حيث يتواجد أحدهما في دولة أوروبية للدراسة والآخر في دولة عربية للعمل.
وتضيف “هذه مفارقة، كانا يعيشان بأمان في الخارج ويتواصلان بصورة يومية للاطمئنان على سلامتنا بسبب الحرب والأوضاع الصحية المتدهورة، ونحن الآن من يطمئن عليهما بسبب كورونا”. وتتابع “بعد تسجيل أول حالة في حضرموت التزمنا أقصى الاحتياطات بعدم الخروج إلا للضرورة ولكن ما يزال الوضع أقل خطورة مما هو عليه في الخارج”.
الفحوصات لا تسمح بالاستعداد
وعقب تسجيل أولى حالات كورونا في البلاد، حذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، من أن مكافحة الفيروس ستكون صعبة، وقالت إن ما يواجه البلاد مخيف مرجحة إصابة عدد أكبر من الأشخاص بالعدوى بمضاعفات شديدة أكثر من أي مكان آخر.
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في الحكومة التابعة للحوثيين في صنعاء، الدكتور يوسف الحاضري لـDW عربية إن “الإمكانيات المتوفرة شحيحة جداً على جميع المستويات ومنها الفحوصات”، على إثر الحرب والحصار في البلاد منذ سنوات.
ويضيف أن الفحوصات المتوفرة منذ بدء الجائحة حتى اليوم بحدود ثلاثة آلاف فحص “استخدمنا منها مئات الفحوصات تقريباً حتى هذه اللحظة”، كما يقول إن “الأجهزة متوفرة بالمختبر المركزي بصنعاء وهناك أيضاً في عدن نفس الكمية ونفس الاجهزة ويتم الفحص للحالات المشتبه بها التي جاءت من الخارج أو للحالات المخالطة إذا كانت هناك حالة اشتباه مرتفعة”.
ومع ذلك يقول الحاضري إنه ورغم الإمكانيات المحدودة في مناطق سيطرتهم (الحوثيون) “أعددنا على جميع المستويات الأمنية والوزارات المعنية الصناعة والتجارة وفرق الاستجابة المستشفيات وكل شيء على أهبة الاستعداد”.
في عدن وحضرموت أيضاً
من جانبه، يفيد وكيل وزارة الصحة العامة والسكان، والمتحدث باسم اللجنة العليا للطوارئ لمواجهة كورونا في للحكومة المعترف بها دولياً، الدكتور علي الوليدي لـDW عربية، إن الوزارة قامت “بفتح مراكز عزل ومراكز علاجية في عدد من المحافظات وتزويدها بالمستلزمات الطبية من أجهزة تنفس صناعي وأسرة وغيرها من المستلزمات، فضلا عن تدريب الكوادر الصحية وفرق الاستجابة وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية واستخدام كثير من الاجراءات الاحترازية الأحرى”.
وينفي الوليدي ما تردد عن أن أجهزة فحص فيروس كورونا في عدن لا تعمل وأن العينات تنقل إلى صنعاء، ويقول “هذا الكلام لا أساس له من الصحة إذ لدينا وحدة بيولوجيا جزئية في العاصمة عدن وقد وصل جهاز الـPCR منذ أكثر من 20 يوماً، من دبي عبر سلطنة عمان وبدعم من منظمة الصحة العالمية وتم تركيبه، ولدينا أيضاً وحدة في المكلا (حضرموت)، تم افتتاحها السبت الماضي وأخرى في تعز، ونحضر لفتح ثلاث وحدات خلال الأيام القادمة في سيئون والمهرة ومارب كمرحلة ثانية ثم بقية المحافظات في المرحلة الثالثة”.
دعم لا يرقى للاحتياجات
خلال الأسابيع الماضية، أعلنت منظمات الصحة العالمية تقديم العديد من الإمدادات الطبية والتجهيزات للسلطات المحلية والجهات الصحية اليمنية بالعديد من المحافظات، كما أعلن البنك الدولي مطلع أبريل/نيسان الجاري، تخصيص مبلغ 26.9 مليون دولار لتمويل أنشطة مكافحة كورونا.
وفي السياق نفسه أفادت رئيسة بعثة أطباء بلا حدود كلير هاديونج لـDW عربية، أن المنظمة “كانت على اتصال مع السلطات في جميع أنحاء البلاد في الأسابيع القليلة الماضية لتقييم المكان الذي قد نكون قادرين على تقديم الدعم فيه”، وأنها ساعدت “في إنشاء مراكز علاج لاستقبال الحالات المصابة في عدن وصنعاء”، وتدعم تجهيزات عبر المستشفيات التي تدعمها في 13 محافظة يمنية.
وتضيف “سنبذل قصارى جهدنا لدعم السلطات اليمنية خلال الأسابيع المقبلة في الاستجابة لعدوى فيروس كورونا ولكن بدون القدرة على جلب المزيد من الموظفين أو الإمدادات، ستظل قدرتنا محدودة”.
ومع ذلك، فإن المتحدث باسم وزارة الصحة في صنعاء التابعة للحوثيين الحاضري يقول لـDW عربية، إن “دعم المنظمات لا يرتقي أبداً إلى التحدي الذي نعيشه على الإطلاق”، حسب تعبيره.
المصدر : DWعربية