كتب : طاهر هاني
ازداد القلق لدى الجالية المسلمة في فرنسا بخصوص دفن موتاها في ظل الحجر الصحي المفروض في البلاد منذ 17 مارس/آذار جراء فيروس كورونا، الذي ترتب عنه استحالة نقل غالبية الجثامين إلى البلدان الأصلية لدفنها هناك كما اعتادت عليه غالبية الأسر، فضلا عن قلة المساحات المخصصة في المقابر الفرنسية للمسلمين. وأمام هذا الوضع، أصدر مجلس مساجد إقليم “الرون” (وسط البلاد) والذي يضم نحو 40 مسجدا فتوى تجيز دفن الموتى المسلمين في “المربعات” غير الإسلامية.
تعيش الجالية المسلمة في فرنسا، على غرار باقي السكان، تحت الحجر الصحي المفروض في البلاد منذ 17 مارس/آذار بسبب فيروس كورونا الذي خلف حسب آخر حصيلة أعلنتها الهيئات الصحية 18681 وفاة.
والتزاما بشروط الحجر الصحي، اضطر المسلمون مثل باقي الديانات الأخرى إلى التخلي عن بعض طقوسهم الدينية كالصلاة في المساجد أو التجمعات، فيما انتشر القلق بينهم واشتد بشأن قضية دفن موتاهم نظرا لنقص “المربعات” المخصصة لهم في المقابر الفرنسية بعدما استحال نقل الموتى إلى بلدانهم الأصلية كما جرت العادة لدى غالبية العائلات.
وقال عميد مسجد بلدية “فيلوربان” الواقعة بضاحية مدينة ليون (وسط فرنسا)، الباحث عز الدين غاسي في حوار مع فرانس 24، إنه في “الأوقات العادية، يتم نقل نحو 80 بالمئة من الموتى المسلمين في فرنسا إلى بلدانهم الأصلية (في المراتب الأولى: المغرب وتونس والجزائر) لكي يدفنوا هناك. لكن جائحة كورونا أوقفت الرحلات بين فرنسا وهذه الدول، ما أدى إلى تراكم الموتى وظهور نقص كبير في “المربعات” المخصصة للمسلمين في المقابر الفرنسية”.
“دفن المسلمين في مربعات مخصصة لديانات أخرى غير مخالف للشرع الإسلامي”
ولتخفيف الضغط على العائلات المسلمة، والتي لا تجد مساحات لدفن موتاها في المربعات المخصصة لهذا الغرض، قام مجلس مساجد إقليم “الرون” [ليون والمدن المحيطة بها] الذي يضم نحو 40 مسجدا، بإصدار فتوى تسمح للمسلمين بدفن موتاهم في المربعات غير الإسلامية بما في ذلك تلك المخصصة لليهود والكاثوليك.
وتسمح هذه الفتوى، كما أكده عميد مسجد “فيلوربان” لفرانس24، “للمرة الأولى بدفن المسلمين في المساحات المخصصة للجالية اليهودية والكاثوليكية”. وأضاف غاسي: “لا يوجد في الإقليم سوى عشرة مربعات مخصصة لدفن المسلمين، وكلها مكتظة في الوقت الحالي بسبب الوفيات التي خلفها وباء كورونا من جهة واستحالة نقل الموتى إلى أوطانهم الأصلية من جهة أخرى. وباتالي فالحل الوحيد هو السماح بدفن المسلمين في أماكن أخرى غير المربعات الإسلامية وهذا أمر غير مخالف للدين الإسلامي”.
وأكد عز الدين غاسي أنه “عندما تنتهي أزمة كوفيد-19، يمكن لأي عائلة إخراج جثة الميت الذي دفن في مربع مسيحي أو يهودي وإعادة دفنه مرة ثانية في المربع المخصص للمسلمين”. وأضاف: “إذا كانت عائلة المتوفي تملك الإمكانيات المالية للقيام بهذه العملية فستقوم بها. وإذا كان وضعها المادي متواضع فبإمكانها أن تترك الميت في مكانه الأصلي”، موضحا أن “الفرق بين المربعات المخصصة للمسلمين ولغير المسلمين، هي أن أضرحة المسلمين كلها موجهة صوب مكة المكرمة”.
وأنهى بالقول بأن مشكل دفن الموتى المسلمين سيطرح من جديد في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة طالما كثير من البلديات الفرنسية ترفض توفير مربعات جديدة، خاصة وأن عدد الجالية المسلمة في تزايد مستمر.
بعض البلديات ترفض منح قطع أرض جديدة لدفن المسلمين
من جهته، أكد رئيس المجلس الأعلى للديانة الإسلامية محمد موساوي لفرانس24 أن الجالية المسلمة تأقلمت، مثل باقي الجاليات الأخرى، مع الوضع الصحي الجديد الذي فرضه وباء كورونا المستجد.
وقال موساوي: “الإسلام عرف العديد من الأوبئة. لذا توجب علينا أن نشرح للمسلمين بعض القواعد الاستثنائية التي يجب احترامها في ظل تفشي وباء كورونا، أبرزها عدم غسل الميت الذي أصيب بالفيروس لأنه يمكن أن ينقل العدوى إلى آخرين”.
وأضاف: “رغم أن الهيئة العليا للصحة العمومية بفرنسا خففت نوعا ما من الإجراءات المتعلقة بغسل الموتى المسلمين وأوصت باستخدام الأقنعة الطبية والقفازات والخوذ لوقاية الرأس، إلا أنه يجب الاعتراف بأن المشرفين على هذه العملية غير مدربين للقيام بذلك ولا يملكون الخبرة اللازمة لمواجهة مثل هذه الظروف”.
ودعا المجلس الأعلى للديانة الإسلامية في فرنسا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التدخل والضغط على رؤساء البلديات لكي يخصصوا مساحات جديدة في المقابر الفرنسية ليتسنى دفن الموتى المسلمين. لكن لغاية الآن لم تستجب السلطات المحلية لهذا الطلب، حسب ما نشره المجلس على الموقع الرسمي لمسجد باريس.
ودعا المجلس في بيان أصدره الإثنين إلى “عدم الإضافة إلى مأساة العائلات المسلمة معاناة أخرى والمتمثلة في عدم تكريم موتاها” والصلاة على أرواحها.
وحسب عز الدين غاسي، ثمة مقبرة إسلامية واحدة في فرنسا تقع في بلدية “بوبيني” بضاحية باريس الشرقية، تم بناؤها في العام 1937 أي سنتين فقط بعد تشييد مستشفى “ابن سيناء” في نفس البلدية. كما توجد مقبرة إسلامية ثانية في الأراضي الفرنسية، وتقع في جزيرة “لا ريونيون” في المحيط الهندي.
وإلى جانب هاتين المقبرتين، هناك نحو 70 مربعا إسلاميا موزعا على كامل التراب الفرنسي. وهي عبارة عن قطع أرض مخصصة لدفن موتى المسلمين. لكن مع ارتفاع عدد أفراد الجالية الإسلامية في فرنسا، باتت هذه “المربعات” غير كافية لاستقبال جميع الموتى المسلمين.
المصدر : فرانس 24