بيل ترو مراسلة شؤون الشرق
يبدو العيش في حالة إغلاق داخل المنزل على خلفية جوانب كثيرة من عدم اليقين الشخصي والمالي والعالمي، أشبه بماراثون نفسي مؤلم. لكن تخيّل أنك محتجزٌ داخل منزل صغير مع شخص يعمل على الإساءة إليك. وتصوّر أنه في وقتٍ تكون فيه إما تحت خط الفقر أو أنك تنزلق تحته، وتكافح للحفاظ على سقف فوق رأسك وطعامٍ على مائدتك، يرمي عليك هذا المعتدي بإحباطاته حيال الوضع القائم.
وقد سجّلت الحكومات وجماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بروز طفرة مقلقة بشكل لا يُصدّق من العنف المنزلي، مع اضطرار الناس إلى حجر أنفسهم في المنزل مع كل أهل بيتهم. وليست دول الشرق الأوسط استثناء. لكن هنا، كما يقول عدد من جماعات حقوق الإنسان، يمكن للانتهاكات أن تتفاقم أكثر بسبب الأزمات المالية والسياسية التي كانت تعصف بالمنطقة فعلاً قبل وصول الفيروس، ما يزيد من الضغط على الناس.
ويُعتبر عدد من عمليات الإغلاق بسبب وباء “كوفيد- 19” أكثر حدّة ممّا عليه الوضع في المملكة المتّحدة، إذ لا يُسمح حتى بممارسة الرياضة في الخارج، أو بأي فترة راحة على الإطلاق. ففي تونس، منعت الحكومة بشكل متقطّع الناس من التوجّه إلى محلات السوبر ماركت، وتفيد السلطات إن حالات العنف المنزلي زادت بحوالي خمسة أضعاف. وفي الأردن، الذي طبّق قوانين صارمة مماثلة، نُشر مقطع فيديو لامرأة في حالة من الاضطراب الشديد، وتصف كيف تعرضت لسوء معاملة في أوقات الحجر الصحّي، وشهد الفيديو انتشاراً كبيراً على الإنترنت، وشاركه كثيرون على نطاق واسع عبر الإنترنت.
وفي لبنان الذي تُمنع فيه أيضاً التمارين الرياضية خارج المنزل، ويُطبّق فيه حظر للتجوّل ليلاً وفي عطلة نهاية الأسبوع، تضاعفت مكالمات الاتّصال بالخط الساخن الذي حدّدته الحكومة للإبلاغ عن حالات العنف المنزلي.
وسجّلت منظّمة “أبعاد” المدافعة عن حقوق الإنسان التي تدير أيضاً مأوى لضحايا العنف الأسري، اتّجاهاً أكثر سوءاً، وأفادت إن عدد المكالمات التي تتلقّاها خطوط المساعدة الخاصّة بها، ارتفع بنحو 60% هذه السنة بالمقارنة مع الفترة نفسها في 2019. وتلقّت أكثر من 500 مكالمة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، غالبيتها العظمى من نساء، ويفوق ذلك العدد إجمالي المكالمات التي تلقّتها خلال 2019 بأكمله.
وبحسب ما أخبرتني غيدا عناني مؤسِّسة منظّمة “أبعاد” ومديرتها، “نحن لا نشهد مجرد زيادة في المكالمات والشكاوى، لكن أيضاً في أعمال العنف والتهديد بالقتل. أصبحت تلك الممارسات بالنسبة إلى كثيرين حالةً تهدّد حياتهم”.
وأضافت، “إن الافتقار إلى الدعم الحكومي الجادّ كالمساعدات المالية، يجعل الأمور أسوأ. إذ يرمي الأشخاص الذين لديهم استعداد للعنف، وبالترافق مع جميع الضغوط العصبية، غضبهم على أسرهم.
ومضت عناني في وصف المشكلة مشيرة إلى “إن معظم النساء اللواتي يتّصلن بنا يطلبن المساعدة ويقلن “نحن في حاجة إلى دعم لأنه قد يقتلني وأطفالي بسبب عدم وجود طعام في المنزل”.
وترى تلك النساء أنه إذا حصلن على بعض المساعدات، فقد يخفّف أزواجهن شيئاً من عنفهم”.
ويوم الخميس الماضي، دعت تلك المجموعة المدافعة عن حقوق الذين يتعرّضون للعنف الأسري، الناس في جميع أنحاء البلاد إلى الخروج إلى شرفات منازلهم في الساعة السادسة مساءً للمساعدة في إيصال رقمها الساخن المخصّص لدعم ضحايا العنف، وصنّفت حملتها بهاشتاغ “حجرٌ لا حجز” (#حجر¬مش¬حجز). وعملت في المقابل، على إجراء جلساتٍ استشارية عبر “سكايب” للضحايا، وكذلك الرجال الذين لديهم تاريخ من العنف، من أجل منع وقوع مزيد من الانتهاكات.
وتعاونت منظّمة “أبعاد” أيضاّ مع الحكومة اللبنانية في توزيع رزماتٍ تحتوي على ضروريات منزلية، وإعداد منشورات توضيحية، ووضع خطوط مساعدة لتلقّي اتّصالاتٍ من الضحايا.
وتحاول المنظّمة الآن استكشاف طرقٍ للوصول إلى
النساء والأطفال المستضعفين، وكذلك الكبار في السن أو ذوي الاحتياجات الخاصّة ممن لا يستطيعون الوصول إلى خطّها الهاتفي.
وعملت “أبعاد” أيضاً على توسيع استجابتها عبر منصّات التواصل الاجتماعي. وتؤكد مديرتها إنه “إذا لم تتّخذ الحكومة خطواتٍ جادّة في المتابعة السريعة لعملية مساعدة العائلات التي تعيش في حال فقر، فسنرى الوضع وقد أصبح أكثر عنفاً، إضافةً إلى ارتفاع معدّلات الانتحار”. ونبّهت عناني إلى أن ما يحصل يشكّل “حالة طوارىء”.
قبل تفشّي الوباء في لبنان، توقّع “البنك الدولي” وقوع 40 في المئة من اللبنانيّين تحت خطّ الفقر هذه السنة، وذلك على أثر انطلاق ثورةٍ ضدّ ارتفاع الأسعار والفساد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. في المقابل، ثمة خبراء قالوا لي إن اقتصاد البلاد أصبح الآن في “وضع سقوط حرّ من دون مظلّة”، ومن المرجح أن يصبح نصف سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين نسمة، تحت حزام الفقر في 2020.
وفي وقتٍ ارتفعت فيه تكاليف الغذاء وفقدت العملة الوطنية نصف قيمتها في سوق موازية، قفزت معدّلات البطالة صعوداً، وقيّدت البنوك وصول المودعين إلى الدولارات، ما تسبّب في مزيدٍ من المشاكل.
وقد أعلنت الحكومة عن حزم دعمٍ مالي للأسر الأشدّ فقراً، لكن ذلك لم يتحقّق بعد.وتاليّاً ، وضع الاقتصاد المنهار ضعوطاً إضافية على العائلات المنهكة فعلاً ما قد يؤدّي إلى تفاقم العنف الأسري.
وأدّى الوضع المتأزم إلى بروز اضطرابات اجتماعية. فعلى الرغم من الإغلاق الذي فرضه وباء “كوفيد- 19″، اندلعت احتجاجات ومصادمات في مدينة طرابلس الشمالية، ونزل الناس إلى الشارع مشيرين إلى إنهم لم يعودوا قادرين على تأمين الطعام لأنفسهم.
وتبدي مجموعات حقوقية أخرى تُعنى بالجماعات الديموغرافية المستضعفة قلقها من العدد الهائل للاجئين في لبنان. وترتكز مخاوفها على احتمال تصاعد العنف الأسري داخل المخيّمات حيث يعيش عدد من العائلات بأكملها ضمن خيمةٍ واحدة أو في أحياء مزدحمة تكون فيها قيود الإغلاق وحظر التجوّل أكثر تشدّداً.
وفي ذلك الصدد، أخبرني محمد حسن وهو لاجئ فلسطيني في الثلاثين من العمر، ويُعدّ قائداً مجتمعياً في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيّين في جنوب لبنان، بأنه لاحظ تصاعداً مثيراً للقلق في الصراع داخل العائلات التي تجهد من أجل تأمين لقمة العيش ووضع طعام على الطاولة لأفرادها.
وأشار حسن إلى أن إجراءات الحجر الصحّي تعني أيضاً أن جماعات حقوق الإنسان التي كانت تساعد في تقديم النصح للناس والتدخّل لدعمهم، لم تعد قادرةً على فعل ذلك، ما يجعل الأمور أكثر سوءاً. وبيأس، وصف الوضع داخل المخيّم، مشيراً إلى إن “الكلّ يعيش يوماً بيوم بسبب العزلة. هناك نقصٌ كبير في موادّ كالخضار واللحوم والحليب للأطفال. إن معظم الناس هنا ليس لديهم عمل”.
وفي ختام كلامه، أكّد أن “هذا الوضع له تأثير عميق على الناس. إذ تتفاقم المشاكل داخل الأسر، وهناك شجارات في الأوقات كلها. أنا قلق للغاية في شأن العنف المنزلي، ولا سيما على الأطفال”.
المصدر : اندبندنت عربية