كتب : محمد الثريا
على الرغم من إستشعارها متأخرة مدى الخطر والتهديد الذي بات محدقا بأمنها القومي ومصالحها الخاصة باليمن إلا ان السعودية تمكنت فعلا من إنتزاع تفويض أممي قل نظيره يجيز لها مطلق الحرية والتصرف في حماية أمنها ودرء ذلك الخطر كلية عنها ودائما عبر بوابة حل الازمة اليمنية وتحت مظلة تشكيل حلف عربي واسع يرفع شعار إستعادة الشرعية الدستورية ودحر الانقلاب الحاصل باليمن ..
في الواقع كان ذلك بمثابة المدخل الرئيس وإلاشهار علانية عن بدء المواجهة مع أعداء المشروع السعودي وإستنفار كافة أمكانات وقدرات المملكة قبيل الدخول إلى نفق اللعبة الاخطر بالمنطقة ..
تلك اللعبة التي ارغمت السعودية في الدخول إليها عنوة والتي بدت وكأنها أزمة انقلاب وانسداد سياسي داخلي تعرضت له حديقتها الخلفية ” اليمن ” قبل ان يتبين لاحقا انها كانت اكبر من ذلك بكثير وان اليمن المضطرب هذا كان يخفي منذ مدة وربما منذ سنوات طويلة سبقت تاريخ أزمة الانقلاب تلك بوادر صراع إقليمي خفي سرعان ما سيتحول الى حلبة صراع حقيقية لتصفية حسابات دول طامحة بالمنطقة وساحة حرب واسعة تستضيف إحدى أسوء حروب الوكالة بمنطقة الشرق الاوسط ..
عموما ..أمتلكت السعودية سلطة التدخل العسكري وحرية استخدام القوة وفق متطلبات الضرورة ومقتضيات المرحلة الخاصة التي تبلغها الازمة اليمنية في كل منعطف وعلى إثر ذلك حيدت وجلب وصنعت وفعلت قيادة السعودية كل ما يمكن فعله حينها لضمان نجاح تدخلها ورؤيتها باليمن على عكس الغريم الايراني الداعم والحليف الابرز لجماعة الحوثيين الطرف الانقلابي باليمن والذي بدا يومها مكبلا ومقيدا امام قرار التفويض ذاك .ومع ذلك ايضا فقد سارت الامور عكس التوقعات وعكس المعطيات التي بدت لصالح السعودية ولصالح ترجيح كفة انتصارها سريعا باليمن .
نعيش العام السادس للازمة والصراع باليمن ولازالت الحال تسؤ أكثر فاكثر في ظل غياب شبه تام لمؤشرات النجاح والنصر الذي طالما وعد به قادة التحالف الشعب اليمني.
فهل اخفقت المملكة حقا في مهمتها باليمن؟
تتحدث تقارير دولية عدة كان أخرها تقرير مجموعة الازمات الدولية عن التكلفة الضخمة التي بذلتها المملكة خلال إدارتها لملف الصراع اليمني طيلة السنوات الماضية في مقابل لا شيئ ..في حين تؤكد صحيفة وول ستريت الاميركية في مقابلة اجرتها حديثا مع سعادة السفير السعودي ان محادثات يومية بين القيادة السعودية والحوثيين لازالت مستمرة رغم تعثر الهدنة التي اعلنها التحالف مؤخرا ..
واذا ما قرأنا هذين المعطيين جيدا اي معطى التكلفة والاستنزاف الذي تعاني منه الدولة السعودية اليوم بحسب التقارير الدولية المهتمة وكذا معطى حديث السفير السعودي آل جابر عن محادثات سعودية حوثية مستمرة رغم انتهاكات وخروقات الجماعة الحوثية فان صورة الاخفاق السعودي ستبدو واضحة جدا وربما لا حاجة للتاكيد هنا بأن المملكة العربية السعودية قد أقرت بذلك ولو باطنا، الامر الذي دفع بها فعلا الى الرضوخ وقبول الامر الواقع كما هو.
ذلك الواقع الذي بات يؤكد ان لا مجال بقي للحديث اليوم عن اهداف عاصفة الحزم او حتى بقايا أمل في عودة الشرعية اليمنية الى صنعاء . عدا ان صعوبة اعتراف المملكة بذلك علانية وكبرياء الدولة الثرية سيجعل من القادة السعوديين مجبرين في البحث عن صيغ اخرى اكثر قبولا في تجسيد ذلك الواقع والمآل المؤسف ..
لذا لا غرابة حقا اليوم في ان تتجاوز الحكومة السعودية كيان الشرعية اليمنية والذهاب في عقد لقاءات مباشرة مع طرف انقلابي محلي يفترض جلوسه مع ند محلي مماثل باليمن وليس مع دولة محورية بحجم المملكة العربية السعودية .
وهنا ثمة سؤال آخر يبرز في الحديث عن اخفاق السعودية باليمن ..!
ترى ماهو السبب الحقيقي وراء مصير الفشل الذي لاقته المملكة في اليمن او تكاد تلاقيه؟
ولربما بصيغة أخرى أدق ! أين يكمن الخلل الموضوعي في السياسات المتبعة والتي قادت السعودية غالبا الى هذه النتيجة المؤسفة والمخيبة حقا ؟!
” السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ” هكذا يلخص اللورد إكتون حديثه حول التفسير الحقيقي وراء فشل الانظمة السياسية ومسببات بلوغها لنتائج سلبية وكارثية إبان سلطة حكمها..
وفي تصوري يبدو ان هذا بالفعل ما شكل سببا رئيسيا في فشل السياسة السعودية والرؤية التي سلكت بها الازمة اليمنية منذ سنوات ولازالت ..
فلقد مثلت منهجية السلطة المطلقة في ادارة الصراع اليمني والتحكم الكامل بقرار حلفائها في الداخل ودون أدنى شك الفجوة والنواة التي سينشئ منها لاحقا واقع الفشل والاخفاق الذي تعاني منه السعودية اليوم في اليمن..
على العموم لم نعد حقيقة اليوم بحاجة إستعراض صورة الاخفاق تلك او البحث في دوافعها أكثر من حاجتنا في البحث عن مخرج لتلك المعضلة إنطلاقا من وحدة المصير والهدف مع الجارة الكبرى ..
لكن من أين ستكون البداية؟
بصراحة لسنا اليوم بصدد الحديث عن امكانية استدعاء المملكة مجددا لشركائها السابقين بالتحالف بهدف وضع رؤية مشتركة ومخرج حقيقي للازمة المركبة باليمن فالامور قطعا لم تعد قابلة للعودة الى الوراء كما ان المرحلة باتت متقدمة جدا اليوم ولا تسمح بان يضحي الاخرون في سبيل تحمل مسؤولية الفشل الذي صنعته قيادة المملكة ونزوة السلطة المطلقة لديها في إدارة صراع معقد ومتشعب كالصراع اليمني الحالي.
لكن مجددا ماذا عسى القادة السعوديون فعله اليوم للخروج من هذا المأزق ومغادرة تبعاته باسرع وقت واقل تكلفة ممكنة؟
سيبدو هنا ان السبيل الوحيد المتبقي امام السعودية هو إعادة ترتيب ومراجعة اوراقها جيدا بداخل ملف الصراع اليمني ككل والانطلاق مجددا من نقطة توحيد وتقوية جبهتها الحليفة بالداخل اليمني وتحديدا في الجنوب وهنا ستبرز تلقائا أهمية تطبيق اتفاق الرياض فورا وبحزم كخطوة اولى في الطريق الصحيح على اعتبار ان نقاط وبنود ذلك الاتفاق تصب في معظمها أساسا لصالح اهداف المملكة ومعركتها باليمن قبل ان تكون حلا سياسيا يعنى باطرافه الموقعة فحسب ..
ان العمل على تجديد العلاقة بين حلفاء المملكة بالداخل وتوحيد جهودها صوب مواجهة العدو لمن شأنه صنع عنصر قوة جديد يمكن السعودية في العودة سريعا الى واجهة المشهد والأهم من ذلك إستعادتها دفة التحكم بقرار الحرب والسلم في اليمن والذي بدا مؤخرا انه خارج صلاحيات وخيارات المملكة المتاحة ..
ينبغي التاكيد هنا ان فشل السعودية في انفاذ اتفاق الرياض سيدعم كثيرا فرضية إستجداء وشيك توجهه قيادتها باتجاه حلفائها الدوليين بهدف انقاذها والتدخل مباشرة وسريعا على خط الازمة ولو من بوابة تدويلها والرجوع بها مجددا الى أجواء مربعها الاول وهذا سيدفع بالقول حتما ان المهمة السعودية قد فشلت تماما وان بقائها في اليمن بات أمرا عبثيا ناهيك عن تبعات خطاب خسارتها هناك والحديث عن تسبب المملكة بشكل او بآخر في تعقيد الازمة الانسانية الاسوء في العالم حاضرا بحسب أخر تقارير المنظمات الدولية والتي أكدت تجاوز الازمة اليمنية حاجز المائة الف قتيل ووقوع اكثر من 80% من سكانها تحت خطر الفقر والمجاعة فضلا عن كارثة الدمار المهول الذي لحق ببنيتها التحتية كل ذلك فقط في خمسة أعوام حرب خاضتها السعودية وحلفائها في مواجهة جماعة انقلابية محدودة ومحاصرة حد زعم المملكة نفسها.
لهذا فان اضاعة السعودية لفرصة تحقيق الخطوة التصحيحية تلك وتكريسها لمحطة فشل أخرى بدلا من ذلك سيعني ساعتها فقط أن الإقرار بقرب تحقق فرضية الاستجداء تلك وتحولها الى واقع حقيقي غدى أمرا حتميا وساعتها فقط سنكون قد اقتربنا كثيرا من إمكانية وضع إجابة دقيقة للسؤال أعلاه وتأكيد صحة حكاية الإخفاق السعودي من عدمها باليمن ..