كريتر نت / DWعربية
انهيار تاريخي لسعر برميل النفط الأمريكي في سياق دولي يشهد تراجعا واضحا لأسعار البترول عبر العالم بسبب جائحة كورونا. فما تأثير ما يجري على دول الخليج، خاصة السعودية التي تخطّط لمشاريع ضخمة؟
تراجعت قيمة العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي بشكل غير مسبوق، ليهبط سعرالبرميل إلى سالب 37 دولاراً، وهو أدنى مستوى منذ بدء بيع العقود الآجلة (عقود تلزم ببيع منتج معين في تاريخ معين بأسعار محددة) عام 1983، ما زاد من المتاعب الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة في عصر كورونا.
ويعود السبب الأول المباشر لهذا الانهيار إلى وجود فائض هائل في النفط المعروض مقارنة بالطلب، ما جعل منتجي النفط يرغبون في التخلّص من إنتاجهم الحالي وإيجاد مشترين بأسرع وقت، خاصة مع المخاوف من الوصول إلى حد الطاقة الاستيعابية في منشآت تخزين النفط.
لكن تداعيات هبوط العقود الأمريكية لن يكون لها أثر مباشر قوي على العالم، حسب حديث المحلل والكاتب الاقتصادي المقيم في الإمارات خالد الخطيب لـDW عربية، بل التداعيات المباشرة على دول العالم تعود إلى ما يجري منذ أسابيع بسبب انخفاض صناعة النفط عبرالعالم نتيجة توقف الحركة الاقتصادية بشكل شبه كامل. ويوّضح الخطيب أن الطلب المنخفض على النفط عبر العالم يبين أنه حتى اقتصاد الدول المستوردة يعاني من انكماش كما يحدث في الصين ودول أوروبية متعددة، بسبب تراجع الصناعة وتوقف حركة الطيران والنقل.
كما يشرح الخبير الأردني في شؤون الطاقة خالد الزبيدي، في حديث لـDW عربية أن هذه العقود أبرمت قبل شهرين، وكانت أسعارها في ذلك الحين مرتفعة، لكن المضاربين لم يستطيعوا بيعها، ما جعلهم يتخلون عنها، خاصة أن النفط سلعة ثقيلة وهناك صهاريج عائمة تُدفع عليها مبالغ طائلة، مشيراً إلى أن ارتفاع سعر البيع المتعلق بعقود شهر يونيو/ حزيران إلى حدود 14 دولارا يبين أن الانخفاض التاريخي كان يخصّ العقود الآجلة وليس كل أسعار النفط.
تأثيرات كبيرة على دول الخليج
بيد أنه بعد ساعات على إعلان انهيار أسعار العقود، انخفضت تعاملات سوق “تداول” في السعودية بنسبة 2.1 بالمئة. ورغم تحقيق السوق بعض المكاسب إلّا أنها لم تخرج من دائرة الخسارة، كما انخفضت سوق سهم أرامكو، بأكثر من 1.8 في المئة، بينما تراجعت مؤشّرات الأسواق في دبي وأبوظبي وقطر والكويت بين 1 و2,5 في المئة، حسب ما ذكرته فرانس برس.
وتقول صحيفة “سبق” السعودية إن تراجع العقود الأخيرة لا يمسّ الخليج بشكل مباشر، بسبب الاختلاف بين السعر في خام برنت الذي يخص النفط المنتج من أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، وبين خام غرب تكساس الوسيط الذي تراجع بشكل كارثي. لكن خالد الزبيدي يرى أن صناعة النفط العالمية مرتبطة عموماً ببعضها بعضا، رغم هذا الاختلاف، وهو ما يظهر في انخفاض سعر مزيج برنت الذي يضمّ 13 نوعا نفطيا عبر العالم.
ويشير الزبيدي إلى أن الخليج قد يتأثر بشكل عام، ومن أوجه كذلك نقص الإيرادات وعجز إضافي، ما سيدفع الدول الخليجية إلى تأجيل مشاريعها الضخمة أو إلى إعادة جدولتها على مدار السنوات اللاحقة، وقد تفكر في فرض ضرائب جديدة، لكن نظراً للتداعيات الخطيرة لجائحة كورونا على الاقتصاد المحلي، فخطوة من هذا القبيل سيتم التريث فيها.
وفي هذا السياق، يشير تقرير لصندوق النقد الدولي أن دول الخليج تنفق أكثر بكثير مما تسمح به أسعار النفط المنخفضة، ما سيؤدي إلى نفاذ الاحتياطي النقدي في غضون 15 عاما، وفق ما نقلته صحيفة “ذ تايمز” البريطانية.
ويؤكد أحمد الخطيب بدوره أن الدول الخليجية ستعاني تراجعا في إيراداتها بما أنها تعتمد على النفط، ما سينتج عنه إعادة النظر في الخطط المستقبلية لأجل تنفيذها بشكل ملائم. لكن الضيف يعود للتأكيد أن دول الخليج تملك احتياطات أجنبية كبيرة جدا، فضلاً عن أن مستويات الدين الحكومي لديها جد منخفضة وبالتالي تملك القدرة على تصدير سندات إضافية، ما يمكنها من التعامل مع الأوضاع الحالية.
مشاريع السعودية في وضع صعب
ترغب السعودية بتنويع مصادرها المالية بعيداًعن الاعتماد شبه الكلي على النفط كما يجري حاليا، خاصة مع الأزمات المتعددة التي تعرّضت لها أسواق الطاقة عبر العالم ما أثر بشكل كبير على الحياة الاقتصادية السعودية. لذلك وضعت الرياض مجموعة من المخططات الضخمة لتحويل الاقتصاد المحلي في سياق رؤية 2030، من أكبرها مشروع “نيوم”، المدينة التي ستجمع أنشطة اقتصادية جد متطورة عديد منها يقوم على الابتكارالتكنولوجي، ورصدت لها الرياض ميزانية بقيمة 500 مليار دولار.
ونتيجة لظروف جائحة كورونا، وتراجع مداخيل السعودية من النفط وكذلك من السياحة الدينية، قامت السعودية قبل أيام بخفض الإنفاق في ميزانيتها الحالية بـ5 في المئة، بما يقارب 13.3 مليار دولار. وتشير افتتاحية “ذ تايمز” إلى وجود شكوك كبيرة حول جدوى مشروع “نيوم” في هذه الظروف، كما تنقل عن خبير سعودي قوله إن إجراءات سعودية تقشفية أخرى قد ترى النور، وأن رؤية 2030 قد تعود للخلف لبعض الوقت في ظل الظروف الحالية.
غير أن هناك ثلاث عوامل قد تلعب لصالح السعودية في الفترة المقبلة، حسب شتيفان رول، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP)، الأول توسيع حصتها في سوق النفط، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى دخل إضافي على المدى المتوسط والطويل، ثانيا أن حصتها من الدين الخارجي لا تزال جد منخفضة مقارنة مع دول أخرى، ثالثها أن صندوق الثروة السيادية يمكن أن يحقق أرباحا عبر استثمارات ذكية في سوق الرأسمال الدولي.
تهديدات حقيقية
لكن المخاطر تبقى أعلى من الفرص في السعودية وفق كلام شتيفان رول، وذلك يعود أساساً إلى “عدم وجود حوكمة قوية، إذ لا يوجد تخطيط جيد، ولا توجد سيطرة على مركز السلطة ‘المتهور'”، لذلك فهناك تهديد أن يخرج البلد من الأزمة الحالية باقتصاد ضعيف حسب كلامه.
بيد أن تأثير الأزمة لا يخصّ فقط الخليج، إذ يشير خالد الزبيدي إلى أن الوضع الحالي لو استمر فقد يساهم في أزمة حقيقية في صناعة الطاقة العالمية، ولن تستطيع الدول المصدرة الإنفاق على حقولها الخاصة بالنفط. مشيراً إلى أن الوضع الحالي كان يمكن تجاوزه بيُسر لو لم تحدث جائحة كورونا التي لا يزال العالم يبحث عن طريقة ما لتجاوز تداعياتها، وبالتالي فالحلّ المؤقت الوحيد للدول النفطية لن يخرج عن تخفيض الإنتاج وعن تعاون أكبر بدل مما وقع في الأيام الماضية من معارك في رفع الأسعار.