كتب : توم بيك صحافي وكاتب
إن إقدام محرر الشؤون السياسية في صحيفة “التايمز” مباشرة على التلفزيون على اتهام بوريس جونسون بالتمادي في الغموض إزاء معدل تكاثر الفيروس، هو أمرٌ يبعث على ارتياح جميل، لأنه يكشف سخرية ذاتية حتى في هذه الأوقات المأساوية.
عاود رئيس الوزراء إجراء مؤتمره الصحافي في الخامسة مساءً، ومعه شريط فيديو قصير يشرح كيف أن خفض ما يُعرف بـ “الرقم R”، الذي يعني قدرة الفيروس على التكاثر، هو التحدي الوحيد الأكثر أهمية الذي يواجه البلاد.
لم تنقضِ، حتى وقت كتابة هذا المقال، 24 ساعة على رفض جميع المتحدثين الرسميين باسم بوريس جونسون انتهاز أي فرصة لتوضيح معدل تكاثر الفيروس لدى رئيس الوزراء. لكن يستحيل حالياً أن يكون هذا المعدل أقل من 6، ومن المرجّح ألا يُعرف حدّه الأقصى على الإطلاق، لا سيما أنه رهن بأن يُكلف الصحافيون الاستقصائيون أنفسهم عناء التنقيب.
في سياق اتصل بقصة لا أستطيع تذكرها، وصف كاتب مقالات أسمى مني قبل مدة، بوريس جونسون بأنه عبارة عن جرثومةِ مستشفى تتحول بسرعة على أمل البقاء ما يكفي من الوقت حتى تضمحل مناعة الأمة لدرجة لا تستطيع مقاومته.
وللأسف، لقد وصلنا الآن إلى هذه النتيجة السريرية، ما يجعل جونسون أشبه بمعجزة طبية. وكما فعل هو في حياته، فإن الأمراض الفاشلة عادةً ما تحقق النجاح من خلال التحوّل إلى أشكال أكثر فاعلية، بدلاً من أن تقوّض بعدوانية أشدّ قدرة الجسد المضيف على محاربتها.
وبطبيعة الحال فإن إخفاق حزب العمال على مدى خمس سنوات تقريباً في إنتاج لقاح لم يكن بوضوح أكثر سوءاً من المرض نفسه، كان من العوامل غير المساعدة.
وعلى الرغم من تحقيق نجاحات كبيرة على هذه الجبهة في الوقت الراهن، إلا أن إنتاج أي لقاح لن يبدأ حتى عام 2024 في أقرب تقدير؛ وحينها يرجح أن تكون بريطانيا قد صارت تمثل أول حالة لوفاة دولة من مرض الهربس.
وتتجه المملكة المتحدة بثبات لتسجيل أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في أوروبا، على الرغم من أنها قد حظيت بأسابيع طويلة من الفرص السانحة للاستفادة من سوء الحظ الواضح على نحو مذهل لجيراننا. لكنَّ مثل هذه التفاهات ما كانت أبداً تكفي لمنع بوريس جونسون من اغتنام كل فرصة يمكن تخيلها للإشادة بنجاحاته الخاصة، والتي من الواضح أنها ليست موجودة على الأغلب.
وفي ما يمكن اعتباره أضعف أشكال مدح الذات وأكثرها جدارة بالإدانة على الاطلاق، قال جونسون إننا “لم نرَ المستشفيات مكتظة، ولم يكن هناك نقص في الأسِرة المزودة بأجهزة تنفس اصطناعي، كما رأينا في بلدان أخرى”.
لقد خرجنا للتو على ما يبدو من “نفق طويل عبر جبال الألب”، لكننا قد “نصطدم بقوة بجبل آخر”، لذا لا يمكن حتى الآن وضع حد للتباعد الاجتماعي. وتعد تلك الجبال صوراً مجازية عن القمم في الرسوم البيانية المختلفة التي أصبح العالم مهووساً بها.
وعلى الرغم من ذلك، من المؤلم أن نضطر للتذكير مرة أخرى بأن كثيراً من الرسوم البيانية تُظهر أن المملكة المتحدة لم تعبر بعد أي نوع من الأنفاق. فالذين تجاوزوا الأنفاق هم الألمان أو الكوريون الجنوبيون. أما نحن فقد أُرسلنا إلى قمة إيفرست ونحن نرتدي بناطيل قصيرة وقمصان “تي شيرت” الصيفية.
وتتثمل القمة المرعبة الوحيدة التي تجنبناها هي تلك التي كان سيموت فيها مئات الآلاف، وكنّا نواجهها لبعض الوقت، بينما طبقت جميع الحكومات في العالم حالة الإغلاق التام بين شعوبها وحدّقت فينا مستغربة سرّ غبائنا الانتحاري. لكن لسنا مخولين بالحديث عن ذلك الآن.
فقد كان إعلان جونسون الكبير هو أننا تجاوزنا “الذروة” رسمياً، وهو إعلان كان يمكن الإدلاء به قبل أيام لكن من قبل شخص آخر غير جونسون الذي كان ما زال في المستشفى، وبالطبع لم يكن ليحدث ذلك.
وعندما قال إننا “في انحدار نحو الأسفل”، كان لا بد من شخص فظ، فهو وحده كان يستطيع أن يشير إلى أنه قبل دقيقتين فقط كنا نسير في نفق عبر الجبل، وها نحن الآن ننزل باتجاه السفح.
إلا أن بوريس جونسون نفسه لم يتمكن من التمسك لفترة طويلة بالإعلان الذي كان عبارة عن قطعة بالية من الهراء عديمة الذوق. ولا تتوقع أن يتلاشي حجم الجبل الهائل، الذي قادنا إلى أعلاه، في مرآة الرؤية الخلفية سريعاً، فهو باق معنا لفترة طويلة من الزمن.
المصدر : اندبندنت