انجي مجدي
كشف ملفٌ بحثي استخباراتي أن الصين عمدت إلى إخفاء أو تدمير أدلة عن جائحة “كوفيد-19″، وهو ما يتفق مع النتائج الأميركية حول أصول فيروس كورونا المستجد، وهذا الملف المكوّن من 15 صفحة، أعده التحالف الاستخباراتي الدولي المسمى بـ”العيون الخمس” الذي يجمع وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، وقد أكد أن تكتم بكين على تفشي فيروس كورونا يرقى إلى “اعتداء على الشفافية الدولية”.
إسكات الأطباء وتدمير الأدلة
الملف الذي حصلت صحيفة “ساترداي تليغراف” الأسترالية على نسخة منه، من المرجح أن يزيد الضغط على الحكومة الصينية لشرح سلوكها وتصريحاتها الأولية المبكرة، التي أنكرت فيها إمكانية انتقال الفيروس بين البشر وإسكات الأطباء قسراً، وتدمير الأدلة، ورفض تقديم عينات للعلماء العاملين على إنتاج لقاح ضد الفيروس الذي ظهر أواخر العام الماضي في مدينة ووهان الصينية وتسبب في وفاة نحو 240 ألف شخص في أنحاء العالم، بينهم أكثر من 67 ألفاً في الولايات المتحدة وحدها.
وبينما تتفق أجهزة الاستخبارات الغربية على الخطأ الذي اقترفته الصين بشأن التكتم وقمع المعلومات الخاصة بالفيروس المستجد، لا يزال هناك اختلاف بشأن منشأ كورونا، ففي حين تعتقد أستراليا أنه نشأ في سوق لذبح الحيوانات البرية، كما يدعي الصينيون، فإن الولايات المتحدة تعتقد أنه ربما هرب من معمل في ووهان متخصص في دراسات فيروسات كورونا التي تجرى على الخفافيش.
معهد ووهان للفيروسات
وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، صرح أمس في تعليقات لقناة تلفزيون (إيه. بي. سي) أن هناك “عدداً كبيراً من الأدلة” على أن فيروس كورونا المستجد خرج من مختبر صيني، لكنه لم يجادل بشأن استنتاج أجهزة الاستخبارات في بلاده بأنه ليس نتاج عمل بشري. كما قال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الخميس الماضي، إنه شاهد أدلة تشير إلى أن الفيروس جاء من معملٍ بعد أن سألته “فوكس نيوز” وآخرون عمّا إذا كان يعرف أي شيء يمنحه الثقة بأن تفشي المرض نشأ في معهد ووهان للفيروسات.
وقال مصدر استخباراتي رفيع لشبكة “فوكس نيوز”، السبت الماضي، إن معظم وكالات الاستخبارات الأميركية الـ17، تعتقد بنسبة 70 إلى 75 في المئة أن الفيروس انطلق من مختبرٍ، لكن الوكالات المتبقية لا يمكنها حتى الآن الاتفاق على هذا التحليل لعدم وجود دليل.
وكشف ملف “العيون الخمس” أن الصين بدأت تراقب الأخبار الخاصة بفيروس كورونا على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي ابتداءً من 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحذف المصطلحات بما في ذلك “سوق ووهان للمأكولات البحرية” و”التهاب رئوي غير المعروف في ووهان” و”تحور السارس”، وبعد ثلاثة أيام، وتحديداً في 3 يناير (كانون الثاني) الماضي، أمرت لجنة الصحة الوطنية الصينية بنقل عينات الفيروس إما إلى مرافق اختبار محددة أو تدميرها، بينما أصدرت في الوقت نفسه “أمر عدم نشر” ما يتعلق بالمرض.
“العيون الخمس”
ويبدو أن الملف برمته أحيل إلى تحالف “العيون الخمس” الاستخباراتي، الذي يمثل أقدم شراكة استخباراتية في العالم تعود إلى أكثر من 73 عاماً، وتحديداً إلى اتفاقية UKUSA في عام 1946 التي تحمل الاسم نفسه، وجرى توقيعها تحت ضغط الحرب العالمية الثانية. وانبثاقاً من هذه الاتفاقية تم تشكيل هذا التحالف الاستخباراتي بعد حقبة الحرب الباردة مباشرة بهدف تبادل المعلومات لفك تشفير الاستخبارات الروسية السوفياتية. وفي أواخر الخمسينيات، انضمت أستراليا وكندا ونيوزيلندا إلى التكتل الذي شهد تعاوناً غير مسبوق.
وتعززت اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الخمس الناطقة بالإنجليزية على مر السنين، وفي الآونة الأخيرة، زاد التحالف من مراقبة النشاط عبر الإنترنت إذ يستند التحالف في جمع معلوماته على نوعين من الأساليب، هما برنامج PRISM، الذي يجمع بيانات المستخدمين عبر شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوف وأبل وغوغل، ونظام Upstream الذي يجمع المعلومات عبر الاتصالات المباشرة للمواطنين من خلال كابلات الألياف والبنية التحتية. وبحسب عدد صحيفة “نيويورك تايمز” الصادر في 19 يوليو (تموز) 1972، فإن ذلك العام كان المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن هذا البرنامج، عندما أبلغ محلل اتصالات سابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية، مجلة “رامباتس” بأن الوكالة طوّرت تكنولوجيا يمكنها تفكيك جميع الرموز السوفياتية.
قبل عام 2003، لم يكن الجمهور يعرف سوى القليل عن تحالف “العيون الخمس”، وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، زادت قدرات المراقبة لهذا التحالف بشكل كبير كجزءٍ من الحرب العالمية على الإرهاب. وأصبحت الأمور أكثر وضوحاً في عام 2013 عندما سرّب إدوارد سنودن، أحد موظفي وكالة الأمن القومي السابق، بعض المستندات المرتبطة بالتحالف ووجود العديد من برامج المراقبة التي تديرها الوكالة بالشراكة مع التحالف. وقد سلطت هذه الوثائق الضوء على المراقبة الواسعة النطاق لأنشطة الجمهور عبر الإنترنت من قبل هذا التحالف، كما أصبح من الواضح أن تحالف تبادل المعلومات الاستخباراتية أوسع مما كان متوقعاً.
اتفاق على ضرورة حظر “هواوي”
خلال العامين الماضيين تكثفت أنشطة التحالف الاستخباراتي حول الصين، وأسفرت عن اتفاق دول التحالف على الضرورة الأمنية لحظر شركة “هواوي” للتكنولوجيا من المشاركة في أعمال إنشاء الشبكات الجديدة من الجيل الخامس، ففي عام 2018 كشف مسؤولون من الدول الخمس عن تشكيل ائتلاف مع حلفاء آخرين مثل ألمانيا واليابان لتبادل المعلومات السرية حول الأنشطة الخارجية للصين.
وفي مايو (أيار) 2019، نشب جدل كبير تعلق بالسماح لـ”هواوي” المتخصصة في التقنية والتكنولوجيا بإنشاء شبكة الجيل الخامس في العديد من الدول الأوروبية وسط ضغوط كبرى من الولايات المتحدة على حلفائها لمنع الشركة الصينية من ذلك، بسبب مخاوف أمنية تتعلق بالتجسس لصالح بكين، ناهيك بتعريض البنية التحتية الوطنية الحيوية لإمكانية التدخل الأجنبي.
ودعمت الاستخبارات الأسترالية موقف أميركا بشكل لا لبس فيه، وأعربت نيوزيلندا عن مخاوف جدية بشأن الشركة، وأبدت كندا توجهاً مشابهاً، بينما شهدت بريطانيا وقتذاك انقساماً حيال الأمر، ففي حين حذَّر وزير الدفاع البريطاني غافن ويليامسون، من التجسس الصيني على البريطانيين عبر “هواوي”، قررت رئيسة الوزراء تريزا ماي، آنذاك، السماح للشركة الصينية بالإسهام في بناء الشبكة داخل المملكة المتحدة.
إغلاق مختبر في شنغهاي
وربما جاءت جائحة فيروس كورونا المستجد لتؤكد أهمية التركيز حالياً على السلوك الصيني وتثير مزيداً من المخاوف داخل دول التحالف الخمس وشركائها في أوروبا، فقد أدرج التقرير الجديد جدولاً زمنياً للتشويش على أخبار الفيروس الذي قامت به الصين، ففي 5 يناير الماضي، على سبيل المثال، توقفت لجنة الصحة المحلية في ووهان عن إصدار تحديثات يومية عن عدد حالات الإصابة الجديدة ولم تستأنفها لمدة 13 يوماً. وفي 12 من الشهر ذاته، تم إغلاق مختبر أحد الأساتذة في شنغهاي بعد أن تبادل بيانات حول التسلسل الجيني للفيروس مع جهات خارج الصين.
وفي 24 يناير، منع المسؤولون الصينيون معهد ووهان لعلم الفيروسات من مشاركة عينات الفيروس مع مختبر في جامعة تكساس. ويخلص الملف أيضاً إلى أن السلطات في بكين نفت إمكانية انتشار كورونا بين البشر حتى 20 يناير “على الرغم من وجود أدلة على انتقاله بين البشر في أوائل ديسمبر”.
وبالمثل فإن الملف ينتقد بشدة منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى أنها سارت على الخط الصيني بشأن الانتقال من شخص لآخر على الرغم من أن “المسؤولين في تايوان أثاروا مخاوف في وقت مبكر وتحديداً في 31 ديسمبر، كما فعل الخبراء في هونغ كونغ في 4 يناير”.
المصدر : أندبندنت