كريتر نت / بقلم- محمد الثريا
في يوم ما كان رجل يغرق ومر عليه قارب قائلا : أتريد أي مساعدة؟
فقال: كلا شكرا سينقذني الرب .
ثم مر عليه قارب آخر قائلا : أتريد أي مساعدة؟
فأجاب : كلا شكرا سينقذني الرب .
ثم غرق وذهب الى الآخرة.
فسأل: ربي لماذا لم تنقذني؟
فأجابه الرب: أرسلت إليك قاربين كبيرين، لكنك كنت غبيا في كل مرة ولم تكن حليما كما زعمت .
الشاهد ان لكل حقيقة اشارتها ومدلولاتها وان الحلم والفطنة يكمنان في مدى التقاط تلك الاشارات وفهمها وليس فقط في زعم الايمان بالحقيقة دون استشعارها والتعاطي مع إرهاصاتها سويا .
دعنا نسقط القصة تلك على واقع مايدور في الجنوب من احداث ومعطيات ونرى ما اذا كان الامر مختلفا؟ ام تشابه المشهدان قولا وفعلا؟
لديك هنا حقيقتان ولديك ايضا اشارات ودلائل لتلكما الحقيقتين ..!
الحقيقة الاولى :
ان الشرعية اليمنية الحالية ومنذ مدة تبين انها ليست مشروعا سياسيا قابلا للبقاء وانها كانت مجرد ورقة لعب سياسي وملهاة لضمان مصالح من يتبناها ويحركها طيلة السنوات الماضية ..
واشارة ذلك :
كيف لمشروع سياسي كالذي تحمله الشرعية اليمنية ان تمارس قياداته كل ذلك الكم من الفساد والعبث فيما تقف قيادة التحالف متفرجة امام ذلك بل وواضعة الغطاء عليه بوجه المجتمع الدولي وهي من امتلك تفويضا كليا يجيز لها محاسبة وتغيير كل من يعيق استقرار البلد ويعرقل حلول ازمته؟ أو ليس الفساد وعبث الخدمات بالمناطق المحررة يعد عرقلة لأمن البلد وحائطا امام حل ازمته؟ فلماذا إذن تتصرف قيادة التحالف بهذا الشكل منذ سنوات؟ وهل حقا لمشروع وسلطة سياسية اتسمت بالفساد طيلة عهدها ان تبدو بمثابة انموذج مثالي للحكم فترة اطول؟
الحقيقة الثانية :
طالما وانها كانت بالفعل شرعية ورقية وتؤدي دورا معينا فحتما ان لها فترة صلاحية معينة وان المتحكم بها سيشرع بصنع مشهد مغادرتها بطريقة تبدو حصيفة ومرنة بحيث لا يمسه ارتدادات ذلك او يترك أثرا سيئا يخشاه ..
واشارة ذلك :
في الواقع هنالك اشارتان دعمتا فرضية قرار مغادرة الشرعية للمشهد السياسي بالجنوب ورفع غطاء التحالف عنها تمهيدا لتلك المغادرة.
ـ الاولى :
كيفية تعاطي قيادة التحالف مع احداث اغسطس العام الماضي.
ـ الثانية :
ايضا كيفية تعاطي قيادة التحالف مع بيانات وخطوات الانتقالي الشهر الماضي.
مع ان الاولى بدت للكثيرين صفعة قوية وجهها الانتقالي للشرعية بان تم طرد قواتها واسقاط حضورها الشكلي على الاقل في الجنوب الا ان قيادة التحالف فضلت امتصاص الضربة والذهاب باتجاه فرض واقع سياسي جديد تمثل حينها بتوقيع اتفاق الرياض ودعم اتفاقية شراكة وتقاسم سلطة بين اطرافه الموقعة ..
وفي واقع الامر لم يكن ذلك سوى المشهد الاول فقط لرفع غطاء التحالف عن الشرعية وبدء تخليه عنها ..
في الثانية لم يختلف الامر كثيرا وبدأ ان المجلس الانتقالي يعيد الكرة حين منعت قواته وزراء الشرعية من دخول عدن واتبع ذلك بقرار الادارة الذاتية .
وبالفعل لقد تكررت الصفعة بوجه الشرعية ففي حين توقع كثيرون ردة فعل قوية تقوم بها قيادة التحالف تجاه الانتقالي الطرف الاخر الموقع على اتفاق الرياض جاء بيان التحالف اكثر هدوء وقبولا وان عبر عن رفضه علنا لكن الامر الوحيد الذي شدد عليه خلال البيان كان تجديد الدعوة بأهمية عودة الاطراف الى تطبيق اتفاق الرياض سريعا..
لم يكن بيان التحالف منفصلا عن الواقع بالعكس تماما كان متوقعا جدا وبخاصة اذا ما ادرج في حسابات استكمال رفع الغطاء عن الشرعية كخطوة ثانية تلي الخطوة الاولى ..
وهنا ينبغي ان ندرك أمرا مهما للغاية.. !
لقد امتلكت قيادة التحالف تفويضا مدعوما بسلطة البند السابع وكذا صلاحيات واسعة تخولها مشروعية اتخاذ اي قرارات تراها ضرورية لحل الازمة وفي مقدمتها محاسبة كل من يعرقل مساعي وجهود التحالف بما فيها حكومة الشرعية ..حينها سيأتي الحديث تلقائيا عن مواقف مبهمة اظهرتها قيادة التحالف نفسها رافقت حوادث الفساد والاخفاق لقيادات الشرعية طيلة سنوات الازمة دونما محاسبة او معاقبة قدمتها قيادة التحالف بحق هؤلاء الفاسدين .. لماذا؟
عموما يبدو ان القرار اتخذ وان الامر انتهى ولم يعد بيد قيادات الشرعية سوى الاذعان لرغبة التحالف والسير خلفها دون اعتراض او امتعاض فيما سيكون مصير اصحاب الوثبات الفارغة منها كمصير الوزيرين الميسري والجبواني اللذين تحملا وزر فساد الشرعية وعبثها فيما لايزال المقدشي وزملاؤه من الوزراء الاخرين بعيدا عن تهم الفساد الموجهة من اصابع التحالف قبل ان تكون موجهه من الشارع الجنوبي.
بالمناسبة ثمة اشارة كانت حاضرة منذ البداية وبقوة ولكني سأدع تسمية الحقيقة المتعلقة بها خاضعة لإستنتاج القارئ الكريم ! الاشارة :
كل حالة الجدل السياسي المتجدد وجولات الصراع المتكررة في الجنوب دائما تظل تحت سيطرة التحالف وضمن دائرة المتاح لاطراف الداخل في خوضه والتخندق عند محيط قطرها ودون السماح قط بتجاوز حدود ذلك من قبل التحالف.
كما انه لا يمكن تجاهل مسألة ان الجميع على الساحة الجنوبية قد وقع في شباك القولبة السياسية واعادة ضبط المفردات الخطابية الذي صنعته قيادة التحالف في تصورها حول مستقبل الجنوب السياسي بما فيهم الانتقالي وبقية المكونات الجنوبية وليست الشرعية وحدها .
لكن الفارق الاهم بينها هو ان ” كل إناء بما فيه ينضح ” .
فالمشروع السياسي الذي يمتلك حضورا شعبيا ويعبر بصدق عن تطلعات شعبه هو من سيظل عصيا وشامخا امام رياح القولبة تلك وان دنى له قليلا .
وأخيرا لك عزيزي القارئ ان تدرس الحقائق الماثلة امامك وكذا استنباط ملامح الحقيقة القادمة ..
ولاتنس ان لكل شيئ ارهاصاته وإشاراته ..