في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة الجدل حول برنامج “رامز مجنون رسمي”، وتحذر من خطورة ما يبثه من محتوى “تعنيفي” نفسيا وجسديا، وكونه يصبّ في شرعنة العنف واستخدام السخرية للتطبيع معه وأشكال أخرى.
حل شهر رمضان الكريم ومعه البرامج والمسلسلات، لكنه يعود أيضاً بأسئلة حول ماهية بعض البرامج التلفزيونية والمسلسلات التي تبثّ عبر قنوات عربية. هذه الأسئلة تتمحور حول كم الإساءة الحاضرة في مضامينها، سواء للبشر عامّة، أو للنساء على وجه الخصوص.
بداية، لا يمكن أن نتحدث عن الإساءة في مضامين تلفزيونية، بلا أن نتطرق أولاً إلى برنامج رامز جلال، الذي يحمل الاسم “رامز مجنون رسمي”، والذي بحد ذاته يعتبر انتهاك وتقليل من شأن الأشخاص المعرّفين بالجنون كمرض، واستخدام وصف “مجنون” كسخرية ومحاولة للإضحاك، الأمر الذي يرتكز عليه كل برنامج رامز جلال، لكن الأزمة تكمن في محاولة إضحاك من خلال تعنيف آخرين، جسدياً ونفسياً.
عُرف رامز جلال “بالمقالب” التي يجهزها لضيوفه منذ العام 2011، وفي كل عام، هناك من يطالب بتوقيف برنامجه، بما فيه من إساءة وتأثير سلبي على المشاهدين/ات. ويبدو، أن هنالك ازدياد في الأصوات المُطالبة بإيقاف برنامج رامز جلال هذا العام، لما في مضمون البرنامج من “تطور” في العنف الذي يمارسه مقدّمه، ذلك أن مشهد تقييد شخص على كرسي، ومنعه من الحركة كلياً أثناء تعريضه للكهرباء، لا يجب أن يتم قبوله على أنه مشهداً مسلياً أو ترفيهياً، ولا أن يتعرض الأطفال بالأخص لمثل هذه المشاهد، فمشاهدتها، ثم قبولها، ثم الضحك عليها – إن كانت مضحكة للبعض – هو تطبيع له أبعاد مسيئة.
يحاول رامز جلال في برنامج أن “يُضحِك” المشاهد، ويأخذني هذا إلى التفكير في العلاقة البشعة ما بين التعنيف والسخرية. وكيف أن استخدام العنف من أجل محاولة الإضحاك، ما هو إلا شكل آخر من أشكال تقبل العنف في عقلياتنا ومنح شرعية لتعنيف الآخر. ما الذي يُضحك في شخص مربوط في كرسي يُجبَر على الغناء لرامز مقابل حريته!؟ حقاً… ما الذي يجعل رامز مضحكاً وهو يُعذب ضيوفه!؟ ولماذا هنالك من يبرر التعنيف في سبيل الضحك؟ لا تختلف أسئلتي هذه عن تلك التي تحاول أن “تحارب” أيضاً تبرير النكت العنيفة جنسياً، وتلك التي تستخدم أعضاء المرأة الجنسية للإضحاك، كل هذا ما هو إلا تطبيع مع تعنيف النساء والمجموعات المستضعفة أياً كانت.
الإشكالية الإضافية والأكثر مأساوية هي مشاهدات الأطفال لبرنامج رامز جلال. وأنسب تعليق على هذه الكارثة، كتبه شاب مصري عبر فيسبوك، قال فيه: “مش مهتم خالص بضيوف البرنامج، معظمهم بيبقوا رايحين عارفين هيتعمل فيهم إيه وكلهم بتتعرض حلقاتهم بموافقة كتابية منهم وبمبلغ ضخم، لكن مهتم جداً جداً بالأطفال اللي بيتفرجوا على محتوى مجاني مفتوح بيتعرض على التليفزيون في وقت الذروة وهم قاعدين بيفطروا مع أسرهم ومطلوب منهم يضحكوا على تعذيب الناس وتخويفهم وإهانتهم، ومش في صورة مقلب حتى ده بطريقة واضحة وبشخص بيظهر بشخصيته الحقيقية وبيعذب ضيوفه بكل الطرق الممكنة علشان يجبرهم يقولوا الكلام اللي بيطلبه منهم”.
خطورة كل هذا، هي تذويت هذه “الألعاب العنيفة” على أنها شيء مقبول وشرعي، خاصة عندما يحاول تقديمها، رامز جلال، بقالب “ساخر وكوميدي”. وخطورة البرنامج عموماً، خاصة لهذا العام، أدى إلى موجة اعتراض كبيرة عبر منصات السوشال ميديا. بما في ذلك إنشاء عريضة إلكترونية تُطالب بإيقاف البرنامج. وقد وصل عدد الموقعين/ات عليها إلى 73,000 حتى كتابة هذا المقال.
خلال الأسبوع الماضي، كان نقيب الإعلاميين في مصر قد قرر منع ظهور رامز جلال على أية وسيلة إعلامية تبث داخل مصر، “لحين توقيف أوضاعه القانونية”، كما أن وسائل الإعلام المصرية تفيد بأن تقرير نقابة الإعلاميين تطرق إلى “الخروقات التي ينتهجها برنامج رامز مجنون رسمي”، لكن على ما يبدو إن قناة “إم بي سي” مصر تجاهلت القرار، ومستمرة في عرض البرنامج. وهذه الحقيقة مرعبة، عندما لا يكون لأي رأي مختص حول أبعاد البرنامج السلبية على المشاهدين/ات، لا يكون له أي تأثير على قرار قناة تلفزيونية، ولا يرف لها جفن. وطبعاً، الأزمة تكمن بالبداية في إنتاج هكذا محتوى تعنيفي.
الإساءة للمشاهدين/ات، وللفئات المجتمعية المستضعفة، للأسف لا يقتصر على برنامج رامز جلال، بل يمتد إلى برامج ومسلسلات تلفزيونية أخرى تُبثّ في شهر رمضان، فيها محتوى مسيء وينتقص من حقّ الناس، وبالأخص يعتبر انتهاكاً للنساء. منها، برنامج الكاميرا الخفية الجزائري “أنا وراجلي”، والذي تم إيقافه مؤخراً بعدما أثار جدلاً وغضباً شعبياً منذ حلقته الأولى، وقد تقدمت القناة الجزائرية بالاعتذار وإيقاف البرنامج المتهم بالترويج لـ “الاتجاء بالنساء والحط من كرامتهن” وكذلك “ازدراء الفقراء”. وهنالك المزيد من المسلسلات، من الصعب ذكرها كلها، والتي تنتهك حقوق النساء، تكرس التنميط والوصم المسيء، خاصة النساء المطلقات، وتعيبهن وتهينهن، بما في ذلك من محتوى محرض ضد النساء، ويحث على تعنيفهن.
يدفعني كل هذا إلى الغضب أوّلاً، وإلى تساؤلات تحاول أن تفهم إلى أين وصلنا، وأي معارك مستمرة علينا أن نخوضها كي نوقف كل العنف الممارس على البشر؟ في الوقت الذي ما زال هناك من يواصل شرعنة هذا العنف من خلال إنتاج برامج ومسلسلات مسيئة وسادية وتنتهك حقوق الإنسان. والأسوأ من هذا، أن هذه البرامج تُنتج خصيصاً لشهر رمضان الكريم، شهر الرحمة، الذي للأسف، لا تؤثر قدسيته على عدد لا بأس به من المسؤولين عن إنتاج محتوى تلفزيوني لا يرحم أحد.