بهاء الدين عياد
أدى تراجع معدلات التجارة العالمية وانخفاض أسعار النفط جرّاء تداعيات جائحة كورونا إلى تشجيع بعض سفن الشحن وتحالفات الخطوط الملاحية العالمية إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح بطول السواحل الأفريقية، بدلا عن دفع تكاليف المرور بقناة السويس، الممر المائي الأهم في العالم الذي يربط الشرق بالغرب، لتواجه القناة الرابطة بين البحرين الأحمر والمتوسط تحدياً غير مسبوق، تسعى حالياً للسيطرة عليه من خلال برنامج من الحوافز والتخفيضات واجتذاب أسواق ملاحية جديدة، على الرغم من التأثير المتوقع على إجمالي إيرادات القناة التي تمثّل المصدر الثالث للدخل القومي في البلاد، وفقاً لمسؤولين بهيئة القناة المصرية.
ولجأت سفن تابعة لخط “CMA-CGM” وتحالف “2M” الملاحي إلى عبور طريق رأس الرجاء الصالح، أي بالدوران حول القارة الأفريقية وصولاً إلى أوروبا والأميركيتين والعكس، خلال شهري أبريل (نيسان) الماضي، ومايو (أيار) الحالي، استغلالاً لتراجع أسعار الوقود وإغلاق بعض الموانئ، وهو ما أعاد تلك السفن إلى الطريق البحري التقليدي الذي كان متبعاً بين آسيا وأفريقيا قبل حفر الممر المائي الاصطناعي الذي يمر به نحو 15 في المئة من التجارة العالمية منذ أكثر من 150 عاماً. وأثار ذلك تخوفات برلمانين مصريين من انخفاض إيرادات الموازنة العامة للدولة مع إمكانية تراجع معدلات المرور بالقناة.
زيادة المرور رغم جائحة كورونا
وعلى الرغم من تأكيده صحة المعلومات حول لجوء بعض السفن التي كانت تمرّ بالقناة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، قال جورج صفوت، المتحدث الرسمي باسم هيئة قناة السويس، إن ذلك لم يؤدِ إلى تأثير ملحوظ، مشيرا إلى أن إحصائيات الملاحة خلال الربع الأول من 2020 حققت زيادة عن نفس الفترة من العام الماضي، كما أن البيانات الصادرة عن الشهر المنصرم الذي شهد أغلب فترة الإغلاق بدول العالم بسبب فيروس كورونا، توضّح عبور 1731 سفينة من الاتجاهين مقابل عبور 1580 سفينة خلال أبريل (نيسان) من العام الماضي بفارق 151 سفينة بنسبة زيادة قدرها 9.6 في المئة، لكنه أكد أن الملاحة في قناة السويس تواجه بالفعل تحديات في ظل الجائحة عملت الهيئة على التعامل معها منذ بداية الحديث عن الفيروس في مطلع العام الحالي، فضلاً عن غيرها من المهددات التي تعمل على دراستها مبكراً المراكز المختصة بالبحوث والدراسات وتقدير المخاطر بالهيئة، مؤكداً أن تراجع التجارة وأسعار النفط أدى إلى توفير قناة السويس لسياسة تسويقية وتسعيرية مرنة للتواكب مع ذلك من خلال تخفيضات مناسبة في رسوم المرور.
وأشار صفوت إلى إعلان رئيس الهيئة، الفريق أسامة ربيع، قبل أيام عدة أن قناة السويس حققت خلال الثلث الأول من 2020 زيادة قدرها 2 في المئة من حجم إيراداتها بالدولار، حيث سجّلت عائدات الهيئة مليار و907 ملايين دولار مقارنة بمليار و869 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بفارق 38 مليون دولار.
“كما سجلت حركة الملاحة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أبريل (نيسان) 2020 زيادة في أعداد السفن العابرة للقناة بنسبة 8.7 في المئة بواقع 6563 سفينة مقابل عبور 6038 سفينة خلال ذات الفترة من العام الماضي، بفارق بلغ 525 سفينة، في ما زادت الحمولات العابرة للقناة خلال الثلث الأول من عام 2020 بنسبة 7.3 في المئة بواقع 408.6 مليون طن، مقارنة بـ 380.9 مليون طن خلال نفس الفترة من العام الماضي، بفارق 27.7 مليون طن”، بحسب أحدث تقرير صادر عن الهيئة عن تلك الفترة.
وتعليقاً على تلك الزيادة غير المتوقعة، قال المتحدث باسم الهيئة إن “قطاع النقل البحري صامد ويعمل بمعدلات معقولة في مختلف أنحاء العالم مقارنة بأشكال النقل الأخرى، والتجارة المنقولة بحرياً لم تتأثر بالصورة التي كانت متوقعة، وقد عزّزت الهيئة التنسيق مع الخطوط الملاحية أيضاً من أجل تجنّب التراجع في حركة الملاحة وتوفير الحوافز التسويقية اللازمة”.
تخفيض رسوم المرور… سلاح ذو حدين
وأوضح المتحدث الرسمي باسم هيئة قناة السويس لـ”اندبندنت عربية” أن الهيئة عملت على فتح خطوط اتصال مباشرة مع الخطوط الملاحية الدولية كافة مبكراً لدراسة كل السيناريوهات المتوقعة لحركة التجارة، وفي أبريل (نيسان) الماضي طبّقنا تخفيضات للخطوط الملاحية المشاركة في التجارة الأوروبية القادمة من غرب أوروبا إلى آسيا، وتم التوسع في التخفيضات لكل الخطوط الملاحية بلا تمييز، “لكنها تخفيضات محددة المدة، حتى نهاية يونيو (حزيران) المقبل، تتيح لنا إعادة التقييم وفقاً للظروف التي سيمرّ بها تعامل العالم مع الجائحة وتأثيرها على التجارة وأسعار النفط وغيرها، وحتى لا يؤدي استمرار التخفيضات إلى التأثير على إجمالي الإيراد السنوي للقناة”.
وأوضح أن الهيئة تواصلت مع الخطوط الملاحية التي قامت بتحويل مسار رحلات بعض سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح مثل “CMA” وM2، حيث كانت تلك الخطوط قد قررت ذلك في مارس (آذار) الماضي، ولم تتمكن من الاستفادة من التخفيضات التي أعلنتها الهيئة الشهر الماضي، مشيراً إلى أن أغلب سفن التحالفين يمرّ عبر قناة السويس. وتابع “قدمنا في مطلع مايو حزمة تسويقية مرنة جديدة ولكل سفن الحاويات وتصل التخفيضات إلى 17 في المئة، وهدفنا من تلك السياسة التسويقية المرنة هو زيادة العملاء، وبالفعل تحققت الزيادة على الرغم من لجوء البعض إلى طريق رأس الرجاء الصالح”.
وبالإضافة إلى تخفيض الرسوم على مرور السفن التابعة لخطوط الملاحة التقليدية العابرة للقناة، قال المتحدث إن هيئة القناة تمكّنت من جذب أسواق ملاحية جديدة، من خلال تقديم تخفيضات تصل من 24 في المئة إلى 75 في المئة للسفن القادمة من الساحل الشرقي الأميركي التي لم تكن تمرّ بقناة السويس أصلاً، وتقديم تخفيضات أخرى خلال الشهر الماضي لسفن الغاز البترولي المسال والغاز الطبيعي المسال القادمة من الخليج الأميركي، مشيرا إلى أن القناة تمكنت بذلك من جذب بعض السفن التي كانت تفضّل المرور عبر قناة بنما مثلاً.
وتقدم محمد فؤاد، عضو مجلس النواب المصري، بطلب إحاطة إلى رئيس المجلس طالباً توضيح مدى تأثير استخدام خطوط وتحالفات ملاحية عالمية لطريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس، وبحسب الخطاب الذي اطلعت عليه “اندبندنت عربية”، قال “نظراً لما تمثله قناة السويس من مصدر هام من مصادر الدخل القومي وأكبر مصدر دخل بالعملة الصعبة للدولة، الأمر الذي يتطلّب ضرورة البحث في كيفية جذب هذه الخطوط مرة أخرى، وتقديم حوافز تضمن استمرارية عبورها من القناة، بخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي يشهدها العالم”.
وشدّد النائب، في تصريح خاص، على أن القناة بطبيعة الحال متأثرة بالتجارة العالمية وأسعار النفط وغيرها، وهي ليست فاعلاً، بل مفعول به من عوامل كثيرة مرتبطة بالتجارة ومرور السفن، لكن ما يمكن أن تفعله الهيئة هو ما تتخذه من إجراءات وسياسات للتحكم في التأثير الواقع عليها من تداعيات جائحة كورونا وما يشهده قطاع الطاقة من تحديات.
ورداً على الانتقادات الموجهة لهذه التخفيضات الكبيرة لتأثيرها على إجمالي إيرادات القناة التي تأتي في المرتبة الثالثة ضمن مصادر الدخل القومي بعد تحويلات المصريين في الخارج والسياحة، قال المتحدث إن “القناة لم تكن تستفد من قبل من مرور سفن الخطوط الملاحية التي أعطتها نسبة تخفيض تصل إلى 75 في المئة، بل تمكّنت من الوصول إلى أسواق جديدة بهذه الخطوة، وهو ما يعني زيادة إيراداتها وليس تخفيضها كما يعتقد”.
ترقب لما هو قادم
وقال المتحدث باسم هيئة قناة السويس إن الانخفاض التاريخي لأسعار نفط غرب تكساس أدى إلى تجاوب الهيئة مع ما تشهده سوق الطاقة في العالم من متغيرات من خلال سياسة مرنة تعمل على سرعة مواكبة التغيرات المتلاحقة في أسواق النفط، فضلاً عن التداعيات المستمرة لجائحة كورونا على مجمل التجارة المنقولة بحراً، والتي لم تتأثر بالشدة ذاتها كتأثر قطاع الطيران على سبيل المثال، مؤكداً أن الهيئة تتابع عن كثب وبترقب، قرارات وجهود السعودية الطوعية الأخيرة التي اتخذتها بتخفيض الإنتاج لاستعادة استقرار أسعار النفط، كما أن تلك القرارات والاتفاقيات الأخرى التي تمت في إطار أوبك+ بدأت تنعكس على الأسعار بالفعل.
وأكد صفوت أن حركة الملاحة في قناة السويس تتأثر بمختلف التهديدات الأخرى المتعلقة بالأمن البحري، موضحا أن الأقسام والمراكز المختصة بالدراسات والبحوث في الهيئة تعمل على رصد مختلف المهددات لحركة المرور عبر القناة، وأشار إلى متابعة الوضع الأمني في منطقة خليج عدن، ومن بينها الجهود التي يقوم بها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لتأمين خليج عدن ومضيق باب المندب من أي مهددات، مؤكداً أن هناك اطمئنانا على الأوضاع الأمنية هناك. واعتبر أن تهديدات القرصنة أيضا لا تزال تطلّ برأسها بين الحين والآخر، بخاصة بعد اختطاف أفراد من طاقم سفينة غربي أفريقيا أخيراً، إذ تبقى القرصنة تهديداً “يؤخذ في الحسبان”، لكنها غير محتملة أو وشيكة بالنسبة إلى الملاحة العابرة في قناة السويس، التي أوضح أنها ستستقبل يوم 25 مايو (أيار)، وبالتزامن مع عيد الفطر، أكبر سفينة حاويات في العالم، وهي السفينة “HMM ALGECIRAS”، في إطار رحلتها من كوريا والصين وهونغ كونغ، إلى ألمانيا وبريطانيا
المصدر : أندبندنت