كريتر نت / يمن الغد
كيف التزمت المليشيا، في “ستوكهولم”، بتخصيص رسوم المشتقات النفطية المحصّلة في موانئ الحديدة لدفع رواتب الموظفين، ثم نهبت تلك الرسوم التي تزيد عن 35 مليار ريال
مارتن غريفيث، في مقابلة صحفية:
قطع الطرفان، في ستوكهولم، على نفسيهما التزاماً آخر يتمثل في استخدام إيرادات موانئ: الحديدة والصليف ورأس عيسى، في دفع رواتبِ موظفي القطاع العام في كلّ اليمن؛ إلا أنَّ التقدم في هذا الملف مازال أبطأ مما كنا نأمل
بعدها، اتخذ الطرفان خطوةً متقدمةً في تنفيذ هذا الالتزام والوفاء به، عندما اتفقا على ترتيبٍ مؤقتٍ اقترحه مكتبي، بهدف ضمان استمرار دخول المشتقات النفطية إلى الحديدة، واستخدام الإيرادات الجمركية لدفع الرواتب
ومع أنَّ هذه الترتيبات نجحتْ في منع تكرار النقص في المشتقات النفطية، الذي شهدناه في سبتمبر الماضي، لم يتفق الطرفان بعدُ على آليةٍ لدفع الرواتب من هذه الإيرادات
الأسوأ من ذلك، أنَّ أنصار الله أعلنوا، مؤخراً، أنَّهم سوف يستخدمون الإيرادات من طرفٍ واحدٍ؛ رغم الاتفاق المبرم مع الحكومة، الذي يفيد بعدم استخدام الإيرادات إلا بعد تحديد آليةٍ مشتركةٍ بين الطرفين لدفع الرواتب
أرسلتُ للحكومة اليمنية وأنصار الله مبادرةً شاملةً، تتألف من ثلاثة عناصر، وفي ضوء الردود التي تسلّمتُها، أرسلتُ لهم مقترحاتٍ محدَّثةً لاتفاقاتٍ متوازنةٍ تعكس المصالح الأساسية للأطراف لأكبر درجة ممكنة
قدمنا مقترحاً لتأسيس وحدة عملياتٍ مشتركةٍ، يناط بها مسؤوليةُ تنسيق جهود مكافحة كورونا في اليمن، ونحن مستمرون في حث الأطراف على العمل من أجل ذلك بأسلوبٍ مُنسَّق ومسؤولٍ
على الأطراف التوقفُ عن قتال بعضهم، والعملُ معاً لمحاربة الفيروس، فالجائحة عمياءُ لا تميّز بين من ينتسب لطرفٍ دون آخر، وهي قادرةٌ على عبور خطوط المواجهة والجبهات، ويمكنها التأثير في كل أنحاء اليمن
التدابير المقترحة في مبادرة الأمم المتحدة، ستدعم قدرة اليمن على الحد من تفشي كورونا، بما يتضمن فتح مطار صنعاء وفتح الطرق الرئيسية وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، ودفع رواتب موظفي القطاع العام، وضمان دخول السفن المحملة بالسلع الأساسية إلى موانئ الحديدة
مساعدة الأطراف اليمنية للوصول إلى اتفاق سلامٍ سيُدخِل اليمنُ إلى المرحلة الانتقالية التي سيتم فيها استئناف عملية انتقال سياسية سلمية شاملة منظمة
توطئة:
أجرى الزميلان محمد راجح وريان الشيباني حواراً من المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونَشرته، أمس، “منصة خيوط”. “يمن الغد” يُعيد نشر الحوار، الذي تضمن معلومات مهمة، خاصة عن قيام مليشيا الحوثي الانقلابية بنهب إيرادات رسوم استيراد المشتقات النفطية المحصلة من موانئ محافظة الحديدة، والتي كانت مخصصة لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في كل اليمن.
وكانت الحكومة الشرعية اليمنية أدانت، الاثنين الفائت، قيام مليشيا الحوثي بنهب تلك الإيرادات، التي أفادت أنها تزيد عن 35 مليار ريال.
وقالت الحكومة، في بيان صدر عن وزارة الخارجية، إن مليشيا الحوثي نهبت هذا المبلغ من الحساب الذي خُصِّصَ في البنك المركزي في الحديدة لتوريد رسوم استيراد المشتقات النفطية، وتخصيصها لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في كل اليمن؛ كما التزمت المليشيا بذلك في “اتفاق ستوكهولم”، الذي تم بموجبه إيقاف القوات في الساحل الغربي من اقتحام مدينة الحديدة وتحريرها من الحوثيين.
وقالت وزارة الخارجية، في البيان: “إن هذا التصرف يعد مخالفة صارخة لتفاهمات الإجراءات المؤقتة لاستيراد المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، التي تم الاتفاق عليها مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن”.
وزارة الخارجية، حَمَّلت “المليشيات الحوثية مسؤولية إفشال تلك التفاهمات وما سيترتب عليها من تبعات”، ودعت “الأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها باعتبارها الطرف المراقب والضامن على تنفيذ الإجراءات المؤقتة، وإلزام الحوثيين بتسليم البيانات الخاصة بالوضع الحالي للحساب الخاص”.
وأكدت وزارة الخارجية، أن “استمرار مليشيا الحوثي بالتملص من تطبيق الاتفاقات والتعهدات، ما هو إلا دليل واضح لعدم رغبتها بالسلام واستمرارها في نهب ليس فقط المساعدات الدولية، بل أيضاً رواتب الموظفين، لصالح تغذية حربها العبثية في اليمن”. ودعت الحكومة، “المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى اتخاذ موقف جاد وحازم تجاه ممارسات وانتهاكات هذه المليشيات”.
ويأتي حديث المبعوث الأممي، في هذا الحوار، ليؤكد سلوك مليشيا الحوثي الدائم في التراجع عن الالتزامات التي تقطعها على نفسها، والنَّكث الدائم بالعهود والوعود التي تمنحها للآخرين، بما في ذلك المبعوث الأممي نفسه. إلى الحوار كما نُشِر في “منصة خيوط”، بعنوان: “مارتن غريفيث: تصعيد القتال مع انتشار كورونا ينمّ عن قصر النظر وغياب العقلانية”.
المقدمة:
في هذه المقابلة الحصرية لمنصة خيوط، يجيب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيث، عن أسئلة تتعلق بالشأن اليمني الراهن؛ عن مبادرته الأخيرة، التي قال إنه عرضها على أطراف النزاع في اليمن، وتتكون من ثلاثة “عناصر”، وعن المحطات التي كانت فيها هذه الأطراف مستجيبة أو رافضة لمقترحات الحلول، عن اتفاق السويد “استوكهولم”، والقرار 2216.
جريفيث تحدث أيضاً عن “دعاة السلام والمدافعين عنه” و”المتشددين” الذين يتحمسون “لإذكاء الحرب” لدى جميع أطراف النزاع في اليمن. وهؤلاء الأخيرين، وصف تحمسهم لخيار الحرب بأنه مدفوع إما بـ “دافع أيديولوجي” أو “بدافع مصلحة”. وفي حين ذكر أن مصالح الأطراف الإقليمية والدولية تكمن في إنهاء الحرب في اليمن، لم يتطرق لدوافع المصالح الدولية التي “قد تؤجج” هذا النزاع وتطيل أمده.
وإذ تنشر “خيوط” النص الكامل للمقابلة، لقرائها ومتابعيها الكرام، فإن جميع فريقها يتقدمون بالشكر الجزيل، للسيد مارتن جريفيث، لتفاعله الإيجابي في الرد على أسئلة المقابلة، والشكر موصول لفريق مكتبه لتعاونهم وجهودهم من أجل إنجاز المقابلة.
حوار: محمد راجح وريان الشيباني- “منصة خيوط”:
خيوط: الحدث الأهم الذي يسيطر على العالم، والمتمثل بانتشار فيروس كورونا، وما يُحْدثه من تداعياتٍ على مختلف الأصعدة. في هذا الخصوص، كان هناك دعوةٌ وجهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لوقف الحرب في اليمن. كيف تقيّمون ردودَ فعل الأطراف المتحاربة بشأن هذه الدعوة؟ وما مدى تجاوبهم بالنسبة لوقف القتال في الجبهات؟ وهل هناك فرصةٌ حقيقيةٌ بدأتْ تلُوح في الأفق لتحقيق السلام في اليمن؟
جريفيث: كما تعلم، كانت استجابةُ جميع الأطراف المتحاربة علنيةً وإيجابيةً لدعوة الأمين العام لوقف إطلاق النَّار في اليمن. ولم يسبق لنا، منذ تسلُّمي، قبل سنتين، لمهامي كمبعوثٍ خاصٍّ للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، أن اقتربنا من وقفٍ لإطلاق النَّار في عموم اليمن إلى هذا الحد.
والأكثر أهميةً هو أنني لم يسبق أن شهدتُ، هذا القدر من المناصرة العامة للسلام، في العامين السابقين. فقد قرأتُ وسمعتُ وشاهدت بياناتٍ وإعلاناتٍ ومطالبَ عامةً لإحلال السلام، صدَرتْ عن الجميع دون استثناء: منظمات المجتمع المدني، والمجموعات الشبابية والنسوية، والأحزاب السياسية، والشبكات القَبَلِيَّة. وكل ذلك جاء ليضيف زخماً كبيراً للعملية السياسية. وأشكر لهم جميعاً ذلك بصدق.
واستجابةً لدعوة الأمين العام، أرسلتُ على الفور للحكومة اليمنية وأنصار الله مبادرةً شاملةً، تتألف من ثلاثة عناصر، هي:
1) وقف إطلاق النَّار في عموم اليمن.
2) أهم التدابير الاقتصادية والإنسانية لرفع وطأة المعاناة عن الشعب اليمني، وبناء الثقة بين الأطراف وتعزيز قدرة اليمن على الاستجابة لتفشي فيروس كورونا المسبب لداء “COVID-19”.
3) التزام بالاستئناف العاجل للعملية السياسية، لتتفاوض من خلالها الأطراف اليمنية لإنهاء الحرب.
وفي ضوء الردود التي تسلّمتُها من الأطراف، أرسلتُ لهم مقترحاتٍ محدَّثةً، بعد التنقيح والمراجعة، لاتفاقاتٍ متوازنةٍ تعكس المصالح الأساسية للأطراف لأكبر درجة ممكنة.
وقد تعامل الأطرافُ مع مقترحات الأمم المتحدة بجدية، باستمرار. إلاَّ أنَّ وتيرة التقدم لا تزال بطيئةً للغاية، وكل يوم يمر يزيد من محدودية وهشاشة هذه الفرصة لإحلال السلام. ومع أنَّنا أصبحنا أقرب من ذي قبل للتوصل إلى اتفاق، إلا أننا لم نصل بعدُ إلى ذلك الهدف. آملُ في أن تضاعف الأطراف جهودها المطلوبة، للتعجيل بإتمام المفاوضات.
*خيوط: هل تنوي الأمم المتحدة التقدم بمقترحٍ لتشكيل لجنةٍ متخصصةٍ موحدةٍ مستقلةٍ لإدارة أزمة تفشي فيروس كورونا، والإشراف على إجراءات موحدة للتصدي للفيروس ومنع انتشاره في اليمن، وتلافي أي تبعاتٍ إنسانيةٍ وأضرارٍ معيشيةٍ قد تلحَق بنسبةٍ كبيرةٍ من المواطنين؟
– جريفيث: تبذل زميلتي ليز غراندي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، وكذلك منظمة الصحة العالمية، وغيرها من الهيئات التابعة للأمم المتحدة في اليمن، كلَّ جهدٍ ممكنٍ في سبيل الحد من انتشار الفيروس، ودعم السلطات في تقديم العلاج وإدارة بروتوكولات الرعاية الصحية. وقدمت الأمم المتحدة مقترحاً لتأسيس وحدة عملياتٍ مشتركةٍ، يناط بها مسؤوليةُ تنسيق الاستجابة لفيروس كورونا، المسبب لداء (كوفيد-19). ونحن مستمرون في حث الأطراف على العمل، بأسلوبٍ مُنسَّق ومسؤولٍ، بُغيةَ تحقيق الاستجابة الموحدة والفعَّالة في جميع أنحاء اليمن. وعلى الأطراف التوقفُ عن قتال بعضهم، والعملُ، بدلاً من ذلك، معاً لمحاربة الفيروس.
لا يمكن التأكيد على ذلك بما يكفي؛ فالجائحة عمياءُ لا تميّز بين من ينتسب لطرفٍ دون آخر، ولا تنحاز إلى هذا ضد ذاك، وهي قادرةٌ على عبور خطوط المواجهة والجبهات، ويمكنها التأثير في كل أنحاء اليمن؛ لن يوقفها سوى استجابةٍ حسنةٍ ومنسَّقة، تتناسب مع ضراوة الفيروس والتهديد الذي يمثله.
إن التدابير الاقتصادية والإنسانية، المقترحة في مبادرة الأمم المتحدة، ستدعم قدرة اليمن على الاستجابة لتفشي فيروس كورونا، المسبب لداء كوفيد-19وللأزمة الاقتصادية المصاحبة للفيروس، بما يتضمن فتح مطار صنعاء وفتح الطرق الرئيسية، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، ودفع رواتب موظفي القطاع العام، وضمان دخول السفن المحملة بالسلع الأساسية إلى موانئ الحديدة.
* خيوط: ما مدى اقتناع سعادة المبعوث الأممي بجهوده وتحركاته من أجل السلام في اليمن؟ وهل هو راضٍ عنها، في ظل هذا التشتت الحاصل في الملف اليمني وتباعد أطراف الصراع، وصعوبة تحقيق أي اختراق في ملف الحرب والنزاعات الدائرة في اليمن؟ ما المدى الزمني الذي تتوقعُ أن تقرر فيه نجاحَ مهمتك في اليمن أو فشلها؟
– جريفيث: إن استمرار الحرب في اليمن يثير الأسى، وهو أمرٌ مؤسفٌ للغاية. وكما ذكرتُ، كلما طال أمد الحرب، زاد تشظي النِّزاع، وزادت صعوبةُ حله. لكنَّ ذلك لا يمنع أن أبقى على أملٍ بأنَّ الانفراجة التي يحتاجها اليمن دائماً ممكنةٌ، وفي المتناول. يأتي هذا الاعتقاد بسبب تواصلي الدائم مع الأطراف، وما يبدونه من تعاملٍ جادٍّ مع نصوص مقترحات الأمم المتحدة، وهو مؤشرٌ على رغبتهم في الوصول إلى الحلول الوسط اللازمة لإنهاء الحرب. وآمل أن تتمكن الأطراف قريباً من التلاقي في منتصف الطريق للوصول إلى اتفاق، وهو الأمل الذي يبقينا جميعاً مستمرين في العمل.
ولا بد لنا من أن نتذكر أن الحلول يمكن العثور عليها حتى في أصعب النِّزاعات وأكثرها تعقيداً، وليس اليمن استثناءً. لكنَّنا أيضاً يجب ألّا ننسى أنه ليس بمقدور أي شخصٍ أن يجبر أطرافاً متحاربةً على تحقيق السلام إذا كانوا يرفضونه؛ إلا أنَّ الوساطة الفاعلة لإحلال السلام دائماً ما تُقدِّم الفرصَ للطرفين، ليعثرا من خلالها على نقاط الالتقاء والبناء عليها. وهذا بالضبط ما نقدمه للطرفين الآن؛ فنحن نقترح طريقاً واضحاً للخروج من النِّزاع. دائماً ما يكون هناك مهامّ يمكن القيام بها بشكلٍ أفضل. ونحن، جميعنا في مكتبي، على تواصلٍ وتفاعلٍ مستمرّيْن مع الأطراف، بحسن نيةٍ، لتحقيق هدف واحد؛ وهو مساعدتهم للتوصل إلى اتفاق يجلب لليمن السلام الدائم والشامل.
* خيوط: في 14 أبريل/نيسان 2015، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216).. والآن، بعد خمس سنواتٍ من الحرب والتحولات الحادة في المشهد اليمني، هل لا يزال ذلك القرار مُجْدياً، أم أن الوضع قد تجاوزه، وأصبحت الحالةُ اليمنية تستدعي صدورَ قرارٍ جديدٍ يستوعب المتغيرات؟ هل يكبل القرار (2216) جهود المبعوث الأممي إلى اليمن ويقلل من فاعليته لتحقيق نجاحٍ في جهوده من أجل السلام؟
– جريفيث: يدعو القرار (2216) إلى استئناف عملية انتقالٍ سياسيةٍ سلميةٍ وشاملةٍ منظَّمةٍ يقودها اليمنيون، تلبي المطالب والتطلعات المشروعة لليمنيين، بمن فيهم النساء، نحو تغيرٍ سلميٍّ وإصلاحٍ حقيقيٍ على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا هو صلب القرار. وأهميته اليوم، لا تقل عن أهميته عندما صدر في عام 2015. ومن واجبي، ويشرفني، مساعدة الأطراف اليمنية للوصول إلى اتفاق سلامٍ يَدخل اليمنُ من خلاله هذه المرحلة الانتقالية التي يصفها القرار (2216).
* خيوط: هل بذلتَ أي جهود بشأن أحداث أغسطس/ آب 2019، في عدن؟ وما هو تصورك لمعالجة الأزمة بين المجلس الانتقالي والحكومة في عدن؟
– جريفيث: جاء توقيع “اتفاق الرياض” وتنفيذه تحت رعاية المملكة العربية السعودية، ليكون خطوةً مهمَّةً في شمولية عملية السلام لجميع الأطراف. ويتبين لنا من الإعلان[1]، الذي أصدره المجلس الانتقالي الجنوبي، الضرورةُ المُلِحَّة الحاسمة لتنفيذ، كُلٍّ من الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، اتفاقَ الرياض. وسيستفيد [الناس] في عدن والمحافظات المجاورة من تحسن الخدمات والأمن. كما ينص الاتفاق على تضمين الحكومة اليمنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، في وفدها للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة مع أنصار الله. فهي، إذنْ، خطةٌ متفقٌ عليها، قائمةٌ وموجودةٌ، وما على الطرفين سوى تنفيذها. ولا بد لهما من البدء بالعمل والتعاون، للاستجابةً إلى تفشِّي جائحة فيروس كورونا المستجد COVID-19، في عدن وغيرها.
وقد حرصتُ على الدوام، منذ أن تسلمتُ مهامي، أن ألتقي مع المجموعات الجنوبية، وناصرْتُ إطلاق عمليةٍ سياسيةٍ تشمل الجميع، تقود إلى حلٍّ شاملٍ ومستدامٍ يستجيب للمطالب والمخاوف المشروعة لجميع اليمنيين، بمن فيهم الجنوبيون. لكنَّني أعتقد أنه لا يمكن التعامل مع القضية الجنوبية بشكلٍ سلميٍّ وشفافٍ، ويتمتع بالمصداقية، إلا عن طريق عمليةٍ سياسيةٍ مثل تلك التي ذكرتُها.
* خيوط: كيف تقيم التصعيد الحالي وسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على مناطقَ واسعةٍ في محافظة الجوف والهجمات على مناطقَ سعوديةٍ وهجمات السعودية على صنعاء ومناطق أخرى؟
– جريفيث: هذه الموجة الأخيرة من التصعيد كانت لها عواقب وخيمة على المدنيين، وتسببت في نزوح آلافٍ من الجوف، وهو أمرٌ مؤلمٌ حقاً. قبل بدء التصعيد في كانون الثاني/يناير [2020]، شهدنا واحدةً من أكثر فترات النِّزاع هدوءاً؛ إلّا أن أيّ عمليةِ تهدئةٍ أو خفضٍ للعنف تبقى هشةً وضعيفةً، ما لم يصاحبها تقدُّمٌ على المسار السياسي. وهي قضيةٌ كثيراً ما أثرتُها علناً، وفي اللقاءات مع الأطراف أيضاً.
إن استمرار هذا التصعيد المروّع، في الوقت الذي يشهد فيه اليمن بداية انتشار جائحةٍ وبائيةٍ، ينمّ عن قصر النظر وغياب العقلانية. فقد أصبح وقف العنف الآن أكثر إلحاحاً وضرورةً من أي وقتٍ مضى؛ فليس من الواقعي أن نتوقع إمكانية إدارة استجابةٍ موحَّدةٍ ومنسَّقةٍ لتفشي فيروس كورونا، بينما تمزق جبهاتُ الحرب اليمن يميناً ويساراً.
وخلال الاجتماعات الكثيرة التي عقدتُها مع المعنيين بالنِّزاع، قابلتُ مناصرين للسلام من جميع الأطراف. وآمل بكل صدقٍ أن تُعظِّم أزمةُ الجائحة من أصواتهم وتزيدَ من قدرتهم على المناصرة، ضمن هياكل تنظيماتهم الداخلية، بما يدفعنا إلى الوصول إلى نهايةٍ عاجلةٍ للأعمال العدائية، والاستئناف السريع للعملية السياسية.
* خيوط: كيف يمكن للأمم المتحدة والمجتمع الدولي وضعُ حد للانتهاكات الواسعة للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من قبل مختلف الأطراف؟
– جريفيث: هناك واجباتٌ ملزِمةٌ لأطراف النزاع، وهم عرضةٌ للمساءلة بشأن تلك الواجبات، بموجب قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في حالة الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم. وهناك كثيرٌ من الهيئات الدولية، والمجموعات اليمنية، التي تعمل على التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها والاستجابة لها. ومن تلك المنظمات، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وغيرها من هيئات الأمم المتحدة. وعلى وجه الخصوص، أسَّس مجلسُ حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، فريقَ الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، ليضطلع بمهمة التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي المنسوبة لأطراف النِّزاع منذ سبتمبر/أيلول 2014. ويحقق الفريق أيضاً في الأبعاد المحتملة للنوع الاجتماعي، فيما يخص تلك الانتهاكات، ويوثق الوقائع والظروف المحيطة بها، ويحدد، إن أمكن، المسؤولين عنها. فالتوثيق والتحقيق من أهم تدابير المساءلة.
وفي نهاية المطاف، الطريقة الأكثر فعاليةً في إنهاء هذه الانتهاكات هي إنهاء الحرب برمَّتها، والتوصل إلى اتفاقٍ يساعد في تأمين مستقبلٍ لليمنيين يمكّنهم من ممارسة حقوقهم، تساندهم في ذلك هيئاتٌ تشريعيةٌ منتخبةٌ، بعدالةٍ وهيئةٍ قضائيةٍ مستقلةٍ، ومنظومةٍ تنفيذيةٍ مسؤولةٍ تضمن قدرة المواطنين على الوصول للعدالة وحقوق الإنسان الأساسية، إضافةً إلى إعلامٍ ومجتمعٍ مدنيٍّ حُرّين ومستقلّين. وهذا ما أركّز عليه.
* خيوط: هل يمكن لمجلس الأمن الدولي، بعد خمس سنواتٍ من الانتهاكات المروعة، أن يقوم بخطواتِ مساءلةٍ فعالةٍ، كما حدث سابقاً مع السودان؟
– جريفيث: هذا الأمر، بالفعل، يقرره مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه. هناك أدواتٌ متاحةٌ له، مثل العقوبات والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان؛ لكنَّ مجلس الأمن، في نهاية المطاف، هو سيد قراره.
* خيوط: في موضوع المساعدات الإغاثية، هناك اختلالاتٌ واسعةٌ تجتاح هذا الملف، واتهاماتٌ متبادلةٌ بين مختلف الأطراف في الفساد الحاصل في منظومة المساعدات الإنسانية، وهناك قرارٌ أمميٌّ بتقليص حجم المساعدات لمناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين).. برأيك، كيف يمكن وضع حدٍّ لهذه الاختلالات، وتصحيح نظام المساعدات الإغاثية؟ وهل لديكم رؤيةٌ تعملون على بَلْوَرتها في هذا الخصوص لتنفيذها خلال الفترة القادمة؟
– جريفيث: تعمل هيئات الأمم المتحدة الإنسانية تحت مظلة مبادئ الإنسانية والموضوعية، والحياد والاستقلال، وتعمل مستقلَّة أيضاً عن البعثات السياسية للأمم المتحدة، بما فيها البعثة التي أقودها. لكنَّني أحيلك إلى ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة في هذا الشأن؛ حيث كرر تأكيده على أهمية الحفاظ على استمرارية العملية الإنسانية، وعبَّر عن دعمه لاستمرار الحوار مع جميع المعنيين، لضمان وصول المساعدات إلى جميع من يحتاج إليها، بموجب هذه المبادئ الإنسانية.
وسوف يكون زملائي، العاملون في الجانب الإنساني للأمم المتحدة، أكثرَ قدرةً مني على الإجابة عن تفاصيل سؤالك؛ إلاَّ أنَّنا نتفق جميعاً أنَّ الطريقة الأكثر فعاليةً، لإنهاء معاناة اليمنيين الإنسانية الشديدة، هي إنهاءُ الحرب والسماح بانتعاش الاقتصاد.
* خيوط: ماذا عن اتفاق ستوكهولم؟ ما هي جوانب النجاح والإخفاق فيه، خلال أكثر من عامٍ من عمر هذا الاتفاق؟ كيف تقيم الوضع الحالي في الحديدة، في ظل تبادل الاتهامات بين الأطراف بخرق اتفاقية ستوكهولم وتهديداتها المتكررة تعليق الالتزام بها؟
– جريفيث: نجحتْ اتفاقية ستوكهولم في تجنيب الحديدة وموانئها معركةً كارثيةً، كما وفّرت الاتفاقية بيئةً أكثرَ أماناً، وهو الأمر الذي سمح بعودة 150 ألف مدنيٍّ ممن كانوا قد نزحوا عن المدينة من قبل. وتكتسب الحُديدة أهميةً كبيرةً أيضاً، لأنَّ اليمن يعتمد على الاستيراد في تأمين 90% من حاجاته الأساسية، من طعامٍ ودواءٍ، والتي يدخل 70% منها البلاد من خلال موانئ الحديدة. فكان ذلك دافعاً لمكتبي، والمجتمع الدولي، للعمل على إيجاد حلٍّ للحيلولة دون وقوع تبعاتٍ كارثيةٍ إذا ما طال الدمار الموانئ، كما كان ذلك متوقعاً وقتها.
إن التطورات الأخيرة، بشأن تنفيذ اتفاقية ستوكهولم، كارثيةٌ؛ فقد قُتِلَ أحد ضباط الارتباط من جانب الحكومة اليمنية، العقيد محمد الصليحي؛ ما دفع الحكومة اليمنية إلى تعليق مشاركتها في الآليات المشتركة لتنفيذ الاتفاقية. وتعمل بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) بقيادة الجنرال جوها، دون كللٍ، لإعادة بناء الثقة التي فُقِدَت نتيجة هذه الموجة الجديدة من العنف، وتعمل أيضاً على إعادة تنشيط الآليات التي أنشأتْها الاتفاقياتُ لمساعدة الطرفين على إيجاد حلٍّ لخلافاتهما بالطرق السلمية. لكنَّ ذلك ليس سهلاً؛ بل أثبت واقعُ الحال –مؤخراً- صعوبةً جمَّةً في تحقيقه. فالتوتر مرتفعٌ، ومأساة وفاة الجنرال الصليحي، والتصعيد العسكري في عددٍ من الجبهات في البلاد -كلها عواملُ تضع على المحك الثقة التي كان قد تم بناؤها بين الأطراف على مدار عدة أشهرٍ سابقة.
إلا أنَّه من المهم أن نتذكر أنَّ اتفاقية ستوكهولم لم يُقصَد منها أن تكون حلَّاً للنزاع في اليمن؛ بل كان الهدف منها سدَّ فجوةٍ إنسانيةٍ، بشكلٍ عاجل. ولذلك، جاءت الاتفاقية لتحقيق هدفٍ محدد. لقد علَّمتْنا اتفاقية ستوكهولم الكثير من الدروس المفيدة، ونحن نبني على هذه المعرفة في جهودَنا التي نبذلها نحو التوسط إلى حلٍّ سياسيٍّ شامل.
فنحن نعلم، على سبيل المثال، أنَّه من الصعب استدامةُ الحلول الجزئية في غياب تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ تعالج الأسئلة الأكبر، المتعلقة بالشرعية والترتيبات الأمنية والحكم. وعلى ضوء ذلك، فإن الخطة حالياً، هي الاستمرار في العمل على المسارين معاً بشكلٍ متوازٍ: دعم الطرفين في الوفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاقية ستوكهولم، من جانبٍ، والاستمرار في التوسط بين الطرفين للوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ لمعالجة تلك الأسئلة الأكبر، من جانب آخر.
* خيوط: تضمّن اتفاق ستوكهولم اتفاقاً خاصاً بالأسرى والمحتجزين. ومؤخراً، أعلنتم عن تقدمٍ في هذا الملف، عقب اجتماعات عمان.. متى سنشهد أول خطوةٍ تنفيذيةٍ في هذا الملف، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة وفي إطار الإجراءات الاحترازية الاستباقية لمكافحة فيروس كورونا؟
– جريفيث: لم تمثل العهود التي قطعَتْها الأطرافُ، في كانون الأول/ديسمبر 2018، التزاماتٍ للطرف الآخر، أو للمجتمع الدولي فحسب؛ بل إن الالتزام الأهمِّ قطعوه على أنفسهم أمام أُسَرِ من فقدوا حرّيتهم على خلفية النزاع، بلمّ شملهم بأبنائهم وأحبائهم المحتجزين. ومن المخيّب للآمال والمحبط أنَّ الطرفين لم يفيا بهذا الالتزام حتى الآن.
وقد سمحت اجتماعات عمان، في شباط/فبراير 2020، للأطراف بالاتفاق على خطواتٍ ملموسةٍ لتنفيذ أول تبادلٍ رسميٍّ واسع النطاق للمحتجزين، منذ بدء النَّزاع. ومن ذلك الحين، مازالت المفاوضاتُ مستمرةً بين الأطراف، على قوائم الأشخاص الذين سوف يُطلَق سراحُهم. وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع الأطراف على خطة التنفيذ، في ظل القيود والتوجيهات الجديدة المرتبطة بأزمة فيروس كورونا، المسبب لداء كوفيد-19. آمل أن تتم عملية التبادل الأول قريباً.
لكنَّ ليس من الضروري أن تكون مسألة إطلاق سراح المحتجزين على خلفية النزاع بهذه الصعوبة، أو أن يتم تسييسُ الملف إلى هذا الحد، كما ذكرتُ سابقاً. وسوف نستمر بالعمل مع الأطراف على تنفيذ عملية التبادل التي التزموا بها. كما سوف نستمر في دور الوساطة بين الطرفين، للاتفاق على مزيدٍ من عمليات التبادل؛ إلاَّ أنَّني أتمنى أن يغير الأطرافُ موقفهم من هذا الملف، ويطلقوا سراحَ كلّ من فقدَ حريته لأسبابٍ تتعلق بالنزاع، فوراً ودون شروط، بدلاً من الإصرار على مبدأ التبادل والمفاوضات المطوَّلة التي تتناول قوائم المحتجزين اسماً اسماً. وليس هناك ما يمنع الأطراف أو يوقفهم عن ذلك. إن إطلاق السراحٍ الفوري وغيرَ المشروط عن جميع المحتجزين على خلفية النزاع هو أمرٌ إنسانيٌّ وصحيح، إلا أنه أيضاً إجراءٌ عقلانيٌّ ومنطقيٌّ في ظل تهديد جائحة فيروس كورونا.
وهنا، أذكر أهمية استمرار منظمات المجتمع المدني والشبكات النسوية في جهود المناصرة، في سبيل تحقيق ذلك الهدف، وآمل أن تستمر تلك الجهود وتعلو أصواتُها وتزداد قوتها.
* خيوط: في مُلحقٍ آخر لاتفاق ستوكهولوم سُمّيَ “تفاهمات حول تعز”، لم يُعلن عن أي خطواتٍ للمضيّ بهذه التفاهمات إلى الأمام للتخفيف عن سكان المدينة.. ما هو وضع هذه التفاهمات الآن؟
– جريفيث: هدفنا المباشر في تعز هو التوسط بين الطرفين لفتح الطرق، في مدينة تعز وما حولها، لتحسين الوضع الإنساني هناك، وتعزيز الظروف المواتية لتمكين تعز من الاستجابة لجائحة فيروس كورونا. وبصراحةٍ، إنَّني محبطٌ للغاية من عدم تحقق التقدم في هذا الملف. فتعز أولوية بالنسبة لي، وأتفق كل الاتفاق مع أهالي تعز عندما يذكّرونني بأنَّنا نستطيع أن نفعل أفضل من ذلك، بل يجب أن نفعل ما هو أفضل من ذلك. ومناصرو السلام في تعز، ما هم إلا مثالٌ يوضح للطرفين أنَّ إحراز التقدم أمرٌ ممكن. لكنَّ الصعوبة كبيرةٌ في تجسير الفجوة بين الطرفين في هذه القضية. إلا أنَّني آمُل التوصل إلى أن الاتفاق على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء اليمن، سوف يستجيب لكثيرٍ من المخاوف التي أثارها الطرفان، ويمكّننا من إحراز التقدم حول تعز. فسوف يتيح الاتفاق على وقف إطلاق النَّار في جميع أنحاء اليمن الفرصة أمام بذل مزيدٍ من الجهود وتخفيف وطأة المعاناة على أهالي تعز.
* خيوط: ماذا بشأن مرتبات الجهاز الإداري للدولة، المتوقفة منذ نهاية 2016؟ ولماذا لا تضغط الأمم المتحدة على طرفيْ الصراع لتحييد الملف الاقتصادي وصرف مرتبات الموظفين؟
– جريفيث: تعتمد آلافُ الأسر اليمنية على رواتب القطاع العام في معاشهم. وفي كثيرٍ من الحالات، نجد أنَّ هذه الرواتب لم تُدفَع منذ سنوات. وهنا، قطع الطرفان في ستوكهولم على نفسيهما التزاماً آخر يتمثل في استخدام إيرادات موانئ: الحديدة والصليف ورأس عيسى، في دفع رواتبِ موظفي القطاع العام في كلّ اليمن؛ إلا أنَّ التقدم في هذا الملف مازال أبطأ مما كنا نأمل. ثم اتخذ الطرفان خطوةً متقدمةً في تنفيذ هذا الالتزام والوفاء به، عندما اتفقا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 على ترتيبٍ مؤقتٍ اقترحه مكتبي، بهدف ضمان استمرار دخول المشتقات النفطية إلى الحديدة، واستخدام الإيرادات الجمركية لدفع الرواتب. ومع أنَّ هذه الترتيبات نجحتْ في منع تكرار النقص في المشتقات النفطية، الذي شهدناه في سبتمبر/أيلول الماضي، لم يتفق الطرفان بعدُ على آليةٍ لدفع الرواتب من هذه الإيرادات. والأسوأ من ذلك، أنَّ أنصار الله أعلنوا، مؤخراً، أنَّهم سوف يستخدمون الإيرادات من طرفٍ واحدٍ؛ رغم الاتفاق المبرم مع الحكومة، الذي يفيد بعدم استخدام الإيرادات إلا بعد تحديد آليةٍ مشتركةٍ بين الطرفين لدفع الرواتب. وعبَّرتُ عن استيائي من ذلك لأنصار الله، وطلبتُ أن يوفروا المعلومات التي نحتاجها لنجد طريقةً نتقدم بها. وسوف أستمر بالدفع قدماً لإحراز التقدم.
* خيوط: نص اتفاق ستوكهولم على الالتزام بمواصلة المشاورات دون قيدٍ أو شرطٍ، في غضون شهر يناير/كانون الثاني 2019.. لماذا لم تلتزم الأطراف والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بهذا البند؟
– جريفيث: هذا سؤالٌ جيدٌ، ويجب أن يُطرَح على الأطراف. لقد حذرتُ مراراً من أنَّ التقدم في تدابير بناء الثقة والتهدئة لن يكون كافياً، في غياب عمليةٍ سياسيةٍ تعطي ذلك التقدم معنىً وتوجيهاً واستدامة.
والآن ينصبّ تركيزي على التعلم من الخبرات السابقة في تجديد جهودنا لإعادة إطلاق العملية السياسية. وأعتقد أنَّه لا بد من فعل ذلك دون أي شروطٍ مسبقة، ودون إبطاءٍ أو تأخير.
جريفيث: أعتقد أنَّ كُلاً من الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي يرون مصلحةً مشتركةً وقيّمةً لتنفيذ اتفاق الرِّياض. وقد جاء البيان، الذي صدر مؤخراً عن المجلس الانتقالي الجنوبي، في 25 أبريل/نيسان، ليُظهر لنا من جديدٍ أنَّ تهديد التشرذم والتشظي في البلاد هو تهديدٌ حقيقيٌّ ينبغي الحيلولةُ دون حدوثه. صحيحٌ أنَّ تنفيذ اتفاقية الرياض قد لا يبدو أنَّه يتحرك بالسرعة التي نرجو ونريد؛ لكنَّني آمل أن آفاق التحرك على المسار السياسي الشامل، عاجلاً غيرَ آجلٍ، سوف يعطي كُلاً من الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الحافز الذي يحتاجون إليه لإحراز تقدمٍ أفضل.
وموقفي هو ذاته، الذي اكتنفتْه قرارات مجلس الأمن المتتابعة منذ عام 2011، ويتمثل في التزام المجتمع الدولي بدعم وحدة اليمن والحفاظ على سيادته. ومن المهم أن نذكر مجدداً أنَّ لليمن تاريخاً معقداً من التوترات والمظالم، التي طال أمدها في جميع أنحاء اليمن، بما يتضمن الجنوب. وأعتقد أنَّ السلام الدائم لن يتحقق ما لم يتمكن اليمنيون من التعامل مع هذه القضايا بمصداقيةٍ وشفافيةٍ، وبدون استخدام العنف. ورؤيتي وأملي الصادق، هو أن نتمكن من الوساطة لإبرام اتفاقيةٍ شاملةٍ، تنطلق إثرها مرحلةٌ انتقاليةٌ تشمل الجميع بشكل حقيقي، وتوفر لليمنيين الوقت والسبل والدعم الدولي اللازم لحل تلك القضايا وترسيخ قواعد مستقبلٍ يلبّي التوقعات المشروعة لجميع اليمنيين.
* خيوط: من خلال تواصلكم وجلوسكم مع مختلف الأطراف اليمنية، هل تلمسون من قِبَلهم جدّيةً في إيقاف الصراع والتفكير بمستقبل اليمن؟ وما مدى تأثير بعض الدول المرتبطة بما يدور في اليمن، بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ، في توسيع الفجوة والهوة بين مختلف الأطراف اليمنية؟
– جريفيث: في أي نزاعٍ في العالم، دائماً ما يكون هناك دعاةٌ ومدافعون عن السلام في صفوف الأطراف المتحاربة، يقابلهم المتشددون، ممن لديهم مصلحةٌ أو دافعٌ إيديولوجيٌّ لإذكاء الحرب. وليس اليمن استثناءً لذلك. فعلى جميع الجوانب، تجد دعاةَ سلامٍ يدفعون نحو تغليب الحوار على الاقتتال، وهناك متشددون، في المقابل، يدفعون للمغامرة العسكرية، على حساب الحلول الوسط والحلول السلمية. ونحن الآن، في وقتٍ نرى فيه دعاة السلام على جانبيْ النِّزاع، وقد جمعتْهما الأهدافُ ذاتُها، يعززهم دعمٌ شعبيٌّ واضحٌ للجنوح للسلام، وتحفزهم مصلحةٌ مشتركةٌ في إنقاذ بلادهم المُنهَكَة من وباءٍ قاتل. وسأكرّر ما أقول دائماً: إنَّ هذه الفرصة هشةٌ، وقد يعزُّ ظهور مثيلها، وعلينا العمل بشكلٍ عاجلٍ، قبل أن ينكسر هذا الاصطفاف والتناسق بين أصوات مناصري السلام، فعلينا ألّا نسمح لمغتنمي الحروب بالفوز.
كما أنَّ المعنيين في المنطقة لهم مصلحةٌ في استقرار اليمن، ويريدون من طرفي النزاع في اليمن استغلال الفرصة لتحقيق قفزةٍ نحو حلٍّ سياسيّ. كما إنَّهم يدعمون مبادرتنا ودعوة الأمين العام لوقف إطلاق النَّار، ويُشركون الأشخاص الذين يتحاورون معهم على جانبي النِّزاع لدعم جهودي في الوساطة والدفع نحو استئناف عملية السلام السياسية.
خيوط: سعادة المبعوث الأممي، أثارت وسائلُ إعلام يمنيةٌ –مؤخراً- ما قالت إنه تبديدٌ وهدرٌ لموازنةٍ ماليةٍ كبيرةٍ موضوعةٍ تحت تصرفكم، وبأن ذلك على علاقة بإطالة الحرب في اليمن.. ما ردكم على ذلك؟
– جريفيث: جميع المستندات الخاصة بموازنة مكتبنا متاحةٌ على الإنترنت، ويمكن لمن يشاء الاطلاع عليها. فلا شيء مخفيّ. وتقوم الـ193 دولةً، الأعضاء في الأمم المتحدة، بالموافقة على ميزانيتنا ومراجعتها والتدقيق على حساباتها من خلال عملية علنية. أنا لا أقلل من قلق اليمنيين في هذا الصدد. ولهذا السبب دأبَت الأمم المتحدة على إتاحة هذه الوثائق على العلن.
وأتفهم أيضاً أنَّه قد يصعب تخطي الأرقام ومحاولة وضعها في سياقها؛ لكنَّ موازنتنا في عالم عمليات السلام ضئيلةٌ نسبياً. وفي الواقع، لم تزد موازنتنا المعتمدة لعام 2019 عن 2.6% من إجمالي الموازنة، المخصصة لبعثات الأمم المتحدة السياسية الـ37، في جميع أنحاء العالم.
إنَّ تشغيل بعثةٍ ميدانيةٍ دائماً ما يكون مكلفاً للغاية؛ نظراً للبنى التحتية التي تحتاج إليها، بما فيها، على سبيل المثال، عمليات النقل الجوي التي تمثل عنصراً حاسم الأهمية في الوفاء بواجبات مَنْصِبي، نظراً لوجود مكتبي في الأردن. ونحن نعمل على الدوام على العمل على خفض النفقات، بما يتضمن، على سبيل المثال، التشارك في الطائرات مع البعثات الأخرى.
وكذلك الأمر بالنسبة للعمالة والبنى التحتية، المطلوبة لبناء السلام والوساطة؛ فهي مكلفةٌ للغاية، ولا شك في ذلك. ومع ذلك، فهي تكلفةٌ لا تذْكَر، مقارنةً بتكاليف الحفاظ على استمرار العمليات العسكرية النشطة للإبقاء على الحرب وتأجيجها
كما أنني على اطلاعٍ بالحديث المتداول بأن الأجندة التي أتّبعُها تهدف إلى إطالة أمد الحرب، وهو ما أجده مثيراً للضحك؛ لأنَّه إذا كان هناك اتهامٌ درجَت العادةُ على توجيهه لي، فهو اتهامي بنفاد الصبر. فلا يوجد ما أرغب فيه أكثر من تحقق السلام في اليمن. وسيشرفني المساهمة في تحقيق ذلك الهدف.
* خيوط: لماذا تبدو جهود المجتمع الدولي لا مرئيةً، بالنسبة لمواطنٍ يمنيٍّ بسيطٍ يبحث في مساعيكم عن دولةٍ تحترم حقوقه وتسمح له بالسفر دون عقبات، وتصرف له راتباً؟ كثيرا ما يشتكي ممثلو وسائل الإعلام من تجاهلك إعطاء إيجازٍ صحفيٍّ لمهامك أثناء وصولك ومغادرتك مطار صنعاء.. ألا يتنافى هذا الإبهام مع روح الشفافية وحسن النوايا التي تضعها الأمم المتحدة في الاعتبار أثناء مساعيها الحميدة؟
– جريفيث: منظومة الأمم المتحدة برمَّتها، ومن ضمنها مكتبي، مسؤولةٌ أمام الشعب اليمني أولاً. وحتى لو كانت معظمُ جهود الوساطة تحدث خارج الإطار العلني، فلا شك في أنَّ الحفاظ على السرية والخصوصية لنقاشاتنا مع الأطراف ضرورةٌ تفرضها الرغبة في بناء الثقة وإحراز التقدم. وأدرك أنَّ هذه الجهود لا يمكن تقديرها بالكامل، في وقتٍ تتزايد فيه صعوبة الحياة اليومية لملايين اليمنيين ممن أُجبِروا على تحمل تحدياتٍ لا يمكن تصورها في سبيل البقاء.
وأنا ممتنٌّ لدعم اليمنيين للسلام، ونحن نحاول دوماً التأكد من إطلاع اليمنيين على كيفية تقدم العملية، بطرق تتضمن التفاعل مع وسائل الإعلام اليمنية والصحفيين اليمنيين قدر الإمكان. ونعمل أيضاً على استكشاف طرف التفاعل مع اليمنيين، من خلال أدواتٍ رقميةٍ تمكّنهم من طرح الأسئلة علينا وتعريفنا أيضاً بأولوياتهم واحتياجاتهم، والخطوط الحمراء لديهم.
وآمل أن أتمكن من التفاعل أكثر بشكلٍ مباشرٍ مع الصحفيين اليمنيين، عندما أتمكن من السفر مجدداً إلى اليمن، بعد رفع القيود المرتبطة بمكافحة فيروس كورونا. وإلى ذلك الحين، سوف يستمر مكتبي، وأستمر أيضاً، في ذلك التفاعل عن بُعْد.