كتب : محمد علي محسن
فكرة التعايش لا تقتصر فقط على مجتمعاتنا ، وانما – أيضًا – ينبغي تجسيدها – اولًا – على الأنظمة السياسية العربية ، فمنذ عقود خلت وكلاهما الجمهوري أو الملكي في خضم معركة اسقاط الآخر .
ومن مفارقات هذا الصراع انه وفي خضم أزماته غفل الجميع حقيقة جمهوريات العرب وكيف أنها لا تماثل أيًا من جمهوريات أفلاطون ، إذ ما يحسب لها هو تأثرها بمفاعيل الملكيات المطلقة ، بدلًا من تجمهرها ، والنتيجة جمهوريات مشوهة الوجه والجوهر ، ولأكون منصفًا هي أنظمة حُكم وراثية مستبدة .
ما يجري اليوم في ليبيا واليمن والسودان والعراق ومصر وسوريا ولبنان لا يمكن عزله عن سياق هذا الصراع السياسي التاريخي ، فرغم أن مظاهر الصراع مختلفة الأوجه والأسباب ، إلَّا أن الناظر وبعمق للاحداث المتعاقبة سيجد ان جذورها تتعدى الطائفة والإيديولوجيا والاثنية .
فما من شك أن المسألة يخالطها نفوذًا قويًا من جهة دول الجوار الغنية بثروتها واستهلاكها على جمهوريات فقيرة إلَّا من تطلعات شعوبها وامانيها في الاستقرار السياسي باعتباره غاية ومسعى لاستثمار ما لديها من مقومات وإمكانيات .
لقد فشلت كل تلك المحاولات وتلك الخصومات والعداوات الهادفة لإسقاط الأنظمة السياسية ، فهل يمكن التاسيس الآن لحالة تسامح بين الأنظمة العربية ، بحيث تتعايش هذه الأنظمة السياسية مع بعضها ودونما حساسية أو عداء أو محاولات لفرض أيًا منهما على الآخر .
تسامح من هذا القبيل حدث في أوروبا ، ففيما احتفظت العائلات الملكية بشيء رمزي من امتيازات المُلك ؛ حصلت المجتمعات على مكاسب الجمهوريات الديمقراطية .
في أتون ثورات الشباب العربي ، كنتُ عبرت عن مخاوفي ناحية مآلات هذه الثورات ، خاصة وأنها حاصلة في جمهوريات هي في مجملها أخفقت في تحقيق ما نجحت به نسبيًا الأنظمة الملكية الوراثية المطلقة والتي وعلى سوءتها من جهة الحقوق والحريات الأساسية ؛ لكنها بالمقابل حققت طفرة اقتصادية واستثمارية وبنيوية وتعليمية .
فهذه الطفرة وضعت مواطن هذه الدول في مصاف المجتمعات المرفهة ذات المداخيل الكبيرة ، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت هذه النهضة رافعتها مبيعات النفط والغاز أم الصناعات والتجارة .
ثورات تونس والجزائر والسودان يحسب لها نسبيًا تجاوز مرحلة التعثر التي هيمنت على ثورات ليبيا واليمن وسوريا وحتى العراق ولبنان ومصر ، واذا تأملنا في أسباب التعثر أو الممانعة سنجدها رهينة أمرين ؛ استبداد سياسي داخلي ، وأنظمة ملكية مطلقة ممانعة لأي عملية ثورية غايتها جمهورية ديمقراطية عادلة .
فواقع الحال اننا إزاء حالة شاذة من العداء التاريخي غير المبرر ، فلا الأنظمة الملكية المطلقة استفادت شيئًا من تجربة الملكيات الدستورية في إنجلترا وهولندا واسبانيا والنمسا والدنمارك وسواها ، أو أن الأنظمة الجمهورية تأسّت بجمهوريات فرنسا وامريكا وتركيا وإيطاليا وألمانيا ووووالخ .
وبما أن الاثنان فشلا في خلق أيًا من الانموذجين ، فضلًا أنهما عجزا عن جمهرة الملكية أو تمليك الجمهورية ؛ فهلا آن لهما القبول ببعضهما البعض ؟ .
فمسألة التعايش والتسامح بين النظامين باتت مُسلَّمة وحتمية تستوجب التسليم بها ، خاصة بعيد فترة تاريخية طويلة من العداء ، والشك والدعاية ، والهواجس السلبية ، والممانعة، والصراعات البينية ، ومن التدخلات السافرة ، والقطيعة ووووالخ .
فهذه الممارسات البينية المنهكة أثبتت التجربة كم هي مكلفة ومضرة على الشعوب العربية ؟ كما ويحسب لها تخلف الدول العربية في مضمار السباق الحضاري الديمقراطي الإنساني .
وما لم تخض مصالحة حقيقية تنهي حالة العداء بين الجمهوريات والملكيات العربية ، والتأسيس لفكرة التعايش بين الأنظمة العربية المختلفة شكلًا لا مضمونًا ؛ ستبقى حالة العداء دائبة مدمرة لكل فرص إقامة دولًا عربية قوية ومتحضرة يتعايش بها الجميع دونما فروقات أو تمايز .