بهذه الأنانية القاتلة لا يمكننا تسيير بلدية ولا تأسيس دولة معاصرة ولا الحفاظ على وجود أمة
أمين الزاوي
كلكم كفار، زنادقة. إذاً، أريد الذهاب وحيداً إلى الجنة الموعودة، لا صحب ولا رفيق ولا قطة. وحدي سأقيم في الجنة، وحيداً دونكم أيها الكفرة.
هذا العالم الذي تطلق عليه الفصاحة الجيو- سياسية اسم “أرض الإسلام”، يبدأ من حدود لا يعرفها أحد، وتنتهي بحدود افتراضية متحركة في رؤوس بعض البشر المسكونين بأيديولوجيا الفتوحات. في هذا العالم الذي يسمى “أرض الإسلام”، والذي لا حدود له سوى ضفاف خطبة الجمعة الغاضبة، يغمرني سؤال مؤرق:
لماذا في هذا العالم المكنّى “أرض الإسلام”، كل واحد فيه، من مسلميه، يريد أن يذهب إلى الجنة لكن وحده، وحيداً، من دون الآخرين؟ كل واحد من ساكنة “أرض الإسلام” يريد أن يقيم في الجنة كما يقيم على قطعة أرض منحتها له البلدية؟ كل واحد يريد أن يضرب أوتاد خيمته وحيداً على أرض الجنة.
في أرض الإسلام، من المفترض أن يكون الجميع “مسلماً”، أو على الأقل الغالبية الغالبة عدداً، لكن “هذا المفترض المسلم” يقول عن الواقعي إنه غير مسلم!
في أرض الإسلام، الجميع مسلم والجميع غير مسلم؟
الجميع يريد الذهاب إلى الجنة ولكن كل واحد من هذا “الجميع” يريد أن يذهب وحده كي يكون وحده في الجنة. وكل هذا “الجميع” لا يريد أن يكون “الجميع” في الجنة!
مع ذلك، ففي بلاد الإسلام التي تبدأ من حيث لا نعلم وتنتهي في رؤوس عامرة بأيديولوجيا الفتوحات الإخوانية نجد ما يلي:
السلفي مسلم. الشيوعي مسلم. الداعشي مسلم. المتصوف مسلم. الكافر مسلم. الإخواني مسلم. النقابي مسلم. الفاسد مسلم. المُفسِد مسلم. جمعية الزوايا مسلمة. جمعية المسلمين مسلمة. العاهرة مسلمة. المدرسة مسلمة. المسجد مسلم. اسم الشارع مسلم. الشهيد مسلم. المجاهد مسلم. الخائن الحركي مسلم. الدستور إسلامي. البرلمان إسلامي. مجلس الشيوخ أو الأمة إسلامي. المغني مسلم. الراقصة مسلمة. السجين مسلم. السجّان مسلم. الحشاش مسلم. المصلي مسلم. سائق التاكسي مسلم. الراكب مسلم. الصائم مسلم. المُفْطِر مسلم. الحزب إسلامي. التجمع الوطني الديمقراطي مسلم. جبهة التحرير الوطني مسلمة. حركة حماس مسلمة. اللغة العربية مسلمة. فلسطين مسلمة. الفن التشكيلي مسلم. الألوان مسلمة. السماء مسلمة. الجندي مسلم، الجنرال مسلم. الشاعر مسلم. الروائي مسلم. القرآن باللغة الأمازيغية إسلامي. النحو مسلم. والصرف مسلم. الأزهر مسلم. اللباس إسلامي. حزب العمال مسلم. الاتحاد العام للعمال إسلامي. المثقف الليبرالي مسلم. الاشتراكي مسلم. العلماني مسلم. قائد الطائرة مسلم. الفلاح مسلم. المستشفى إسلامي. النشرة الجوية مسلمة. الطبيب مسلم. الممرضة مسلمة. سيارة الإسعاف إسلامية. الحليب إسلامي. المسلسلات مسلمة. دليل الطريق مسلم. الشمبوان (الشامبو) إسلامي. ثمرة التين الهندي مسلمة. مشروب حمود بوعلام إسلامي. العلم الوطني إسلامي. النشيد الوطني إسلامي. الرياضيات إسلامية. كرة القدم إسلامية. التلفزة الوطنية إسلامية. وكالة الأنباء الرسمية إسلامية. البطاطا فريت إسلامية. نشرة أخبار الثامنة إسلامية. أنا مسلم. أنت مسلم. هي مسلمة. نحن مسلمون. هم مسلمون. هن مسلمات.
الحمد لله الكل إسلامي، الكل مسلم. الكل مسلمة.
لكن الكل غير مسلم، الكل غير إسلامي!
يقول المسلم للمسلم: أنت لست بمسلم!
ومَن يوصف بأنه غير مسلم يرد على مَن يرى نفسه مسلماً: أنت لست بمسلم!
إذا كان الكل، الجميع، مسلماً أو إسلامياً، وكذلك البشر والحجر والشجر والشوارع واللغة والسماء، إذن أين هم الذين ليسوا بمسلمين؟
إذا كان الجميع، الكل، ليسوا بمسلمين، لماذا الجميع يدعي بأنه مسلم؟
إذا كان الجميع ليسوا بمسلمين فأين ذهب المسلمون؟
أو ربما، وباختصار، هذه هي صورة المسلم، وهي في الوقت نفسه صورة غير المسلم، إيجاب ونفي، شيء غريب؟
أو لربما يوجد الإسلام من دون وجود للمسلمين؟ أو لربما يوجد المسلمون ولكنهم يعيشون منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من دون إسلام، يعيشون بالاسم فقط؟
أو لربما، إن المسلم لم يصل بعد إلى أرض الإسلام، ضاع في الطريق، وقد مضت أربعة عشر قرناً من تاريخ الإسلام على أرض الإسلام من دون مسلمين؟
لهذا، كل واحد، على أرض الإسلام، يرغب في الذهاب وحده وحيداً إلى جنة الله التي وعد بها إله المسلمين عباده؟
بهذه الأنانية القاتلة لا يمكننا تسيير بلدية ولا تأسيس دولة معاصرة ولا الحفاظ على وجود أمة.
المصدر : أندبندنت عربية