يتعلق الأمر برمته بوضع الحزب قبل البلد، وفعل كل شيء لضمان الاحتفاظ بالسلطة”
أندرو فاينبيرغ
إذا كنتُم قد أعرتُم أي اهتمام للأخبار على مدار الأيام القليلة الماضية، فربما خرجتُم سلفاً بانطباع بأن ميشيغان هي المكان الذي ستتحقّق فيه آمال الرئيس دونالد ترمب أو تنهار في 3 نوفمبر (تشرين الثاني).
كانت ولاية البحيرات العظمى يوم الأربعاء الماضي واحدة من اثنتين استهدفهما ترمب بتهديدات حول قرار مسؤولي الانتخابات بإرسال استمارات طلب التصويت الغيابي إلى كل مقيم في تلك الولاية.
وغرّد ترمب بعد ظهر ذلك اليوم، قائلاً إن “ميشيغان ترسل طلبات التصويت الغيابي إلى 7.7 مليون شخص قبل الانتخابات التمهيدية والانتخابات العامة. لقد تم هذا بطريقة غير قانونية ومن دون إذن من سكرتير الولاية (المسؤول عن تنظيم الانتخابات) المارق. سأطلب تعليق التمويل المخصص للولاية إذا اختاروا المضي في طريق تزوير الانتخابات هذا!”. وقبل هذه التغريدة، كان قد اضطُرّ خجلاً إلى حذف تغريدة سابقة ادّعت زوراً إرسال بطاقات التصويت الفعلية عبر البريد.
ليست تلك هي المرة الأولى التي يختلق فيها ترمب مزاعم باطلة حول نزاهة الانتخابات الأميركية. فمنذ فوزه في انتخابات 2016، أطلق ادّعاءات زائفة لا حصر لها حول “تزوير العملية الديمقراطية،” بما في ذلك زعمه بأن أكثر من 3 ملايين ناخب، الذين يشكّلون هامش فوز هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي، قد اقترعوا “بشكل غير قانوني.” كما ادّعى أن الديمقراطيين ارتكبوا مخالفات لا وجود لها في الحقيقة خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 (إذ كان مرشح جمهوري للكونغرس من ولاية كارولاينا الشمالية مسؤولاً عن الحالة الوحيدة الموثقة الخاصة بتزوير التصويت الغيابي).
ونظراً إلى أهمية ميشيغان كمصدر محتمل للأصوات الانتخابية لنائب الرئيس السابق جو بايدن، الخصم المفترض لترمب، فليس من المستغرب أن يركّز اهتمامه نوعاً ما عليها.
ففي النهاية، تُعتبر ميشيغان واحدة من الولايات الثلاث التي منحت ترمب أصواتاً انتخابية كانت تذهب على مدى عقود إلى المرشحين الديمقراطيين، ووضعت بذلك الرئاسة بين يديه. كما أنها تُعتبر إحدى الولايات التي تنفق فيها حملته قدراً هائلاً من الجهد والموارد، على أمل إبقاء ما يكفي من ناخبيها إلى جانبه، كي يحقّق هامش فوز مساوٍ لما أحرزه قبل أربع سنوات (10704 مليون صوت) أو يزيد عليه.
وقال مايكل ماكدونالد، البروفيسور في جامعة فلوريدا والمتخصّص في الانتخابات، إنّ الادّعاءات الزائفة حول نتائج الانتخابات هي مسألة طبيعية بالنسبة إلى ترمب، مضيفاً “هذا هو نمط السلوك الذي رأيناه طوال فترة رئاسته، إذ أراد، حتى بعد فوزه، أن يجادل حول حقيقة خسارته التصويت الشعبي، وأطلق مزاعم حول تصويت غير المواطنين لتفسير سبب خسارته”. وحرص ماكدونالد على التأكيد أن مثل هذه الادّعاءات “بالطبع، لا أساس لها من الصحة بتاتاً”.
وتابع أن ترمب يبدو منخرطاً في “نمط مماثل لإثارة الجدل حول النظام الانتخابي، وقد يؤثر ذلك فيه مستقبلاً أو لاحقاً بشكل سلبي”.
وأشار ماكدونالد إلى أن الرئيس الأميركي والجمهوريين في الكونغرس لن يستطيعوا الاعتراض على نتائج الانتخابات بمجرد التصديق عليها ولقاء المجمع الانتخابي. لكنه رأى أن الخطر الأكبر على انتخابات شرعية لا يأتي من ادّعاءات باطلة تصدر عن الجمهوريين في واشنطن حول التزوير في ميشيغان، ولكن من مزاعم مماثلة في ولاية ويسكونسن المجاورة ذات الهيئة التشريعية المشوّهة.
وأوضح ماكدونالد أن “التهديد الأكبر… هو حدوث سيناريو تكون فيه ولاية مثل ويسكونسن حاسمة في نتائج الانتخابات والمجمع الانتخابي، ويكون بايدن قد فاز في ويسكونسن لكن الهيئة التشريعية الجمهورية تعمد إلى تجاوز نتائج الانتخابات ومنح أصوات المجمع الانتخابي إلى دونالد ترمب”. ولفت إلى أن المحكمة العليا قرّرت بالغالبية في قضية “بوش ضد غور” أن الهيئات التشريعية للولايات تتمتّع بسلطات كاملة في بتّ كيفية توزيع أصوات المجمع الانتخابي.
لذا قال ماكدونالد إنه “إذا كنت تبحث عن سيناريو يُصار فيه بطريقة ما إلى قلب نتائج فوز بايدن بسبب ادّعاءات بحدوث مخالفات، فذلك على الأرجح هو السيناريو الذي تريده”.
ومع أن البروفيسور المتخصص في الانتخابات لا يستبعد حصول سيناريو كهذا أيضاً في ولاية ميشيغان بسبب هيئتها التشريعية “المنحازة للغاية”، فهو شدّد على أن ويسكونسن هي المرشحة الأكثر احتمالاً كي تشهد مثل هذا الاستيلاء على السلطة، بالنظر إلى الحدّ الذي ذهب إليه الجمهوريون هناك في الماضي لعرقلة الديمقراطيين في حالات تمثّلت آخرها في إجبار الناخبين على الإدلاء بأصواتهم شخصياً خلال الانتخابات التمهيدية في أبريل (نيسان) الماضي. كما لم يخفِ الجمهوريون في ويسكونسن إيمانهم بأن الناخبين في المدن هم ناخبون غير شرعيين.
وبعدما حافظ الجمهوريون في ويسكونسن على هامش غالبيتهم في الهيئة التشريعية للولاية، حتى بعدما هزم الديمقراطي توني إيفرز، الحاكم وقتئذ سكوت ووكر عام 2018، دافع روبن فوس، رئيس مجلس نواب ولاية ويسكونسن عن التحيّز الذي أدى إلى نيل الحزب الجمهوري هذه الغالبية المختلّة، وذلك بادّعائه أن أكبر مدينتين في الولاية، ماديسون وميلووكي، لا تمثّلان حقاً إرادة الشعب.
ففي تصريحات أدلى بها لـ”ميلووكي جورنال-سنتينل”، قال ووكر “إذا أخرجت ماديسون وميلووكي من المعادلة الانتخابية للولاية، ستكون لنا غالبية واضحة… سنحظى بجميع مناصب المسؤولية الدستورية الخمسة، وقد يكون لدينا ربما عدد أكبر من المقاعد في الهيئة التشريعية”.
ووافقت روث بن غيات، أستاذة التاريخ في جامعة نيويورك والمتخصّصة في دراسة الفاشية والقيادات الاستبدادية، ماكدونالد في تقييمه القائل إنّ الجمهوريين في ولاية ويسكونسن قد يجدون أسباباً لقلب أي فوز بفارق ضئيل يحقّقه بايدن، بخاصة إذا كان هامش هذا الفوز يعتمد على المدن التي تتمتّع بوجود كثيف للناخبين الديمقراطيين. وقالت إن الخطوات التي اتّخذها الجمهوريون في ولاية ويسكونسن لتجريد الحاكم الجديد إيفرز من عدد من السلطات قبل تولّيه منصبه، يُعدُّ مؤشراً جيداً إلى ردّ فعلهم المحتمل في حال فوز بايدن.
وأشارت إلى أن “لدى الحزب الجمهوري اليوم ثقافة سياسية معادية تماماً للديمقراطية، لذا من حيث الإجراءات… لمنع الديمقراطيين من الوصول إلى السلطة وتجنّب فقدانهم كل المكاسب التي حقّقوها في عهد ترمب، سيشعرون بالحاجة إلى القيام بكل ما هو ممكن. وإذا كان هذا قانونياً، فمن المؤكد أنه ليس خارج نطاق الاحتمال لأن الحزب الجمهوري قد ذهب إلى أبعد الحدود على مرّ السنين”.
ولم تستبعد بن غيات أن يستوحي الجمهوريون في ولاية ويسكونسن ما يتوجب عليهم فعله من الإيحاءات التي ضمّها خطاب ترمب، ويستغلّون الادّعاءات الفارغة بوجود تزوير أو كون هامش فوز بايدن يعتمد بشكل كبير على الناخبين في المراكز الحضرية، كذريعة لتجاهل النتائج.
وأضافت “توجد [في الحزب الجمهوري] ثقافة انعدام القانون التي يزرعها ترمب ويجسّدها، وهي تجعل الأشخاص الذين قد يتردّدون في فعل شيء من هذا القبيل في انتخابات وطنية، يشعرون بمزيد من القوة والثقة بالنفس، لأن ما تعلّمناه هو أنه عوضاً عن معاقبة المعتدين، فإنّ الحزب الجمهوري في عهد ترمب يكافئهم ويعفي عنهم ويضفي عليهم الشرعية… إنّ الفساد يشبه العدوى، إنه تحوّل ثقافي. لذا فإن الأشخاص الذين ربما تردّدوا في فعل هذه الأمور… قد يتغيرون ويشعرون أن بإمكانهم فعلها والإفلات من المساءلة”.
في المقابل، قال توم بولزويكز، وهو ديمقراطي من ولاية ويسكونسن ومرشح للحلول محل النائب المتقاعد جيمس سينسنبرينر، إن زملاءه يتّخذون إجراءات لضمان أن يكون هامش فوز بايدن حاسماً في حال ظفره بـالولاية، الملقبة بـ”ولاية حيوان الغرير” Badger State.
وأضاف أن الحاكم إيفرز يستخدم بعض الأموال الفيدرالية المخصّصة للإغاثة من فيروس كورونا لتوفير ما يكفي من الأجهزة لفرز أصوات الاقتراع الغيابي في ليلة الانتخابات، وأن الحزب الديمقراطي في ويسكونسن يعمل على توعية الناخبين وتشجيعهم على طلب التصويت غيابياً.
وأوضح بولزويكز “نظّمنا حملة ضخمة للتأكد من أن الناس يفهمون كيفية الحصول على بطاقة اقتراع”، مضيفاً أن الجهود المبذولة لتشجيع التصويت غيابياً في الانتخابات التمهيدية في أبريل “لقيت نجاحاً مذهلاً”. وأشار إلى أن مسؤولي الحزب في الولاية “يديرون حملة رقمية رائعة ويسيطرون على الوضع فعلياً”.
لكنه حذّر من الاستهانة بشغف الجمهوريين بالسلطة، وبالحدّ الذي سيذهبون إليه من أجل الحفاظ على رئاسة ترمب، قائلاً “لقد أثبتوا مراراً وتكراراً أن الأمر برمته يتعلق بوضع الحزب قبل البلد، وفعل كل ما في وسعهم لضمان الاحتفاظ بالسلطة – سواء كان ذلك من خلال التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية، أو اشتراط على الناس الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات في خضمّ جائحة، أو رفض خطة سلامتك في البيت التي طرحها الحاكم، سيحاولون إيجاد طريقة ما”.
المصدر : أندبندنت عربية