كتب : علاء الأسواني
في هذا المقال* يوجه علاء الأسواني رسالة إلى حراس الأخلاق في مصر.
عزيزي المصري حارس الأخلاق
أهنئك بالانجاز العظيم الذي حققته السلطات في مصر مؤخرا: لقد ألقت القبض على ثلاث فتيات لأنهن نشرن فيديوهات فاضحة على الإنترنت. واحدة من هؤلاء الفتيات راقصة معروفة كانت تنشر فيديوهات لنفسها وهي ترتدي قميص نوم يكشف عن تفاصيل جسدها وتتعمد الحديث بطريقة مثيرة. الفتاة الثانية محجبة لكنها كانت ترتدي ثيابا ضيقة جدا مما أدى إبراز تفاصيل صدرها ومؤخرتها. أما الفتاة الثالثة فقد صورت نفسها بالمايوه أمام البحر مما أدى بطبيعة الحال إلى كشف ساقيها وذراعيها بالكامل وجزء كبير من صدرها.
أعرف يا عزيزي المصري أنك فرحت وشعرت بالراحة عندما تم القبض على هؤلاء الفتيات وإحالتهن للمحاكمة بتهمة الاعتداء على مبادئ المجتمع. التهمة في رأيك صحيحة: لقد اعتدت هؤلاء الفتيات على مبادئ مجتمعنا التي تمنع العري والفحش. المصريون كما تعرف شعب متدين بطبعه. لو أننا تركنا الحبل على الغارب للفتيات لكي ينشرن صورا عارية لأنفسهن على الإنترنت. ماذا سيحدث؟ سيؤدي ذلك إلى تهييج الشباب جنسيا وستقع فتنة كبرى وقانا الله شرها. لقد ظهر الداعية مصطفى حسني في برنامجه التليفزيوني بجوار نموذج من البلاستيك لجسم المرأة وشرح للمشاهدين بالتفصيل كيف يثير كل جزء في جسد المرأة غرائز الشباب.
بدأ الشيخ مصطفى بشرح الثدي والفخذ والمؤخرة ثم قام بتنبيهنا إلى مناطق من جسد المرأة لم نكن نعرف أصلا أنها مثيرة: خذ عندك حلمة أذن المرأة ونقطة التقاء شعر المرأة بجبينها وأصابع قدميها خصوصا الأصبع الأصغر الذي يكون أشبه بالنبقة الصغيرة الشهية. حتى باطن قدم المرأة قد يثير الشهوة حتى ولو كان قدما مسطحا FLAT FOOT. جسد المرأة، إذن، كله فتنة وكل جزء فيه وأن صغر يثير الشهوة والواجب تغطية المرأة بالكامل حتى تستقيم الأخلاق وينصلح حال المجتمع
أعرف أن هذا رأيك يا عزيزي المصري حارس الأخلاق وأنا أسألك:
– هل تنحصر الأخلاق الحميدة فقط في الثياب المحتشمة أم أن هناك صفات وتصرفات أخرى تؤدى إلى حسن الأخلاق؟
أكاد أسمعك وأنت تجيب بأن الحشمة ضرورية وفضيلة أساسية حتى لو تطلبت الأخلاق ما هو أكثر من الحشمة. سأتفق معك جدلا وسوف أسألك عن موضوع آخر أنا متأكد أنك سمعت عنه. ما رأيك في شاب جامعي مجتهد أمامه مستقبل واعد كتب لافتة عبر فيها عن رأيه ووقف في الشارع أو حتى كتب على فيس بوك نقدا للسيسي فتم القبض عليه ومحاكمته وحكم عليه بخمس سنوات في السجن وخمس سنوات أخرى يخضع فيها للإجراءات الاحترازية؟ إن هذا الشاب بعد الإفراج عنه سيذهب إلى قسم الشرطة كل يوم ليقضى فيه 12 ساعة من السادسة مساء حتى السادسة صباحا. ما رأيك يا حارس الأخلاق. هل يستحق هذا الشاب ضياع عشرة أعوام من عمره لأنه عبر عن رأيه بتحضر وطريقة سلمية؟!
هل تعلم يا حارس الأخلاق أن هناك آلاف الشباب تضيع أعمارهم في السجن مثل هذا الشاب. هل تعلم أن آلاف الشباب قابعون في السجون لسنوات بدون محاكمة أصلا؟ هل سمعت عن عشرات التقارير من منظمات حقوقية مصرية ودولية وشهادات أهالي المعتقلين وكلها تؤكد أن المعتقلين يعيشون في ظروف غير آدمية وأنهم يتعرضون للقهر والإهانة والضرب والتعذيب بل انهم كثيرا ما يصابون بأمراض فتمنع عنهم إدارة السجن الأدوية والرعاية الطبية مما أدى إلى وفاة كثيرين؟ هل تعلم أن إدارات السجون تمنع الزيارة عن المعتقلين والأسوأ انها تمنع عنهم الطعام الذي يحضره الأهالي؟
تخيل يا حارس الأخلاق سيدة ريفية حبسوا ابنها ظلما وهي تقف في المطبخ يوما كاملا لتصنع له طعاما يحبه، وقد تكون فقيرة فتتكلف فوق طاقتها ثم تتكبد مشقة السفر إلى السجن وهناك تظل تنتظر رؤية ابنها طوال النهار. وعندما يرفضون زيارتها تتوسل هذه الأم إلى الضباط حتى يسمحوا بإدخال الطعام الذي أحضرته لابنها فيرفضون. تخيل يا عزيزي المصري حسرة هذه الأم وحزنها عندما تعود بالليل بغير أن ترى ابنها وهي تحمل الطعام الذي أعدته له وتعود به كما هو.
هل سمعت عن المعتقلين الذين يضربون عن الطعام احتجاجا على المعاملة غير الآدمية التي يلقونها في السجون؟ هل عرفت أن الدكتورة ليلى سويف ترددت يوميا لمدة شهر كامل على سجن العقرب لترى ابنها علاء المعتقل ظلما فرفضت إدارة السجن السماح لها بالزيارة ورفضت إدخال المطهرات والأدوية والطعام وكل ما أحضرته الدكتورة ليلى لابنها مما اضطرها إلى النوم على الأرض أمام باب السجن وهي أستاذة جامعية مرموقة تخرج على يديها آلاف الطلاب؟ ما حدث للدكتورة ليلى يحدث للآلاف من أمهات المعتقلين كل يوم. مادمت حارسا للأخلاق يا عزيزي المصري أليس من واجبك أن ترفض كل هذه المظالم وتدافع عن كل هؤلاء المظلومين..؟
إذا كنت تغضب بشدة إذا رأيت فتاة تتعرى لماذا لا تغضب أيضا عندما ترى كل هذا الظلم يقع على آلاف المصريين الأبرياء وأسرهم. أليس العدل ونصرة المظلوم من الأخلاق الحميدة؟ ألم تقرأ قول الرسول (ص): “أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.
إذا كنت تطالب بالحشمة فيجب أيضا أن تطالب بالعدل، أما إذا طالبت بالقبض على الفتيات العاريات وسكت عن ظلم المعتقلين فأنت تختار المعارك السهلة وتسكت عن الحق لأنك تخاف من دفع الثمن. لا تتحدث إذن عن الأخلاق لأنك – لا مؤاخذة – منافق.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
علاء الأسواني
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
المصدر : DWعربية