هاجم أوبك مراراً وهدد بحظر وارداتها وكبّد الولايات المتحدة خسائر بالمليارات بسبب سياساته من “الصخري”
أنس بن فيصل الحجي
اقتصادي متخصص في مجال الطاقة
نفطياً، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أسوأ الرؤساء الأميركيين لصناعة النفط المحلية والعالمية، وبالتالي بالنسبة لصناعة النفط في الخليج؛ إذ حارب أي ارتفاع في أسعار النفط، واستخدم الضغوط السياسية المختلفة لإبقائها منخفضة.
وفي عهده عانت صناعة النفط الصخري أسوأ أيامها مالياً، حتى قبل ظهور فيروس كورونا، وتكبد أصدقاؤه في الصناعة خسائر مليارية، بمن في ذلك مستشاره في شؤون الطاقة هارولد هام، رئيس شركة كونتيننتال ريسوروسس، الذي خسر بضعة مليارات بسبب سياسات ترمب. وسبب تجاهل الأخير لقادة صناعة النفط الصخري؛ هو أنه يعرف تماماً أنهم سينتخبونه على أي حال لأن البديل، من وجهة نظرهم، أسوأ بكثير لذلك قام بعصرهم.
وفي عهده انتشرت السيارات الكهربائية بشكل كبير، مع أنه لم يقصد ذلك، ولكنه هدد بفرض حظر على النفط السعودي والروسي، كما هدد بفرض ضرائب عالية على هذه الواردات، وهاجم الدول النفطية وأوبك في مهرجاناته ولقاءاته الإعلامية.
شخصياً، لم أستغرب تصرفات ترمب ومواقفه من صناعة النفط، وأعتقد أن لديه حقداً خاصاً على هذه الصناعة، التي لم يستثمر فيها إطلاقاً لأسباب شخصية ومالية. وهناك مقالان في موقعي الخاص بالإنجليزية يتحدثان عن حقد ترمب على صناعة النفط، وعن أثر تغريداته في أسعار النفط. وفي أحدهما صور لصفحات من كتابه الذي نشره عام 2011 طالب فيها بمحاكمة أوبك ودُولها بتهمة الاحتكار، مطالباً بالحجز على أموالها. ما كتبه هو ملخص لما يعتقده خلال 30 سنة قبلها، وعداؤه لصناعة النفط مثبت في كثير من المقابلات والكتابات. كما أنه ألقى باللوم في إفلاسه بصناعة الطيران على ارتفاع أسعار النفط ودول الخليج، وكأنه لم يفلس إلا تلك المرة.
رغم ذلك، حاول تشجيع صناعة النفط الصخري، ولكن على حساب المستثمرين الذين خسروا أموالاً طائلة، لأن ذلك يساعده سياسياً في عدة وجهات، منها تضييق الخناق على إيران وفنزويلا، والضغط على دول الخليج. واستعادت الولايات المتحدة مركزها التاريخي كأكبر منتج للنفط في العالم، وأصبحت من أكبر المصدرين عالمياً للنفط، والمنتجات النفطية، والغاز، والغاز المسال، والغازات السائلة. ولكن كما أسلفت، ورغم كل هذا النجاح، حقق المستثمرون في النفط في عهده خسائر فادحة. فتشجيع النفط الصخري بهذا الشكل ليس في صالح دول الخليج.
وكان من ضمن مخططاته إحياء مشروع أنبوب “كي ستون إكس إل”، الذي أوقفه الرئيس أوباما لأسباب بيئية وبدعم من حماة البيئة، حيث وعد ترمب بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في نهاية عام 2016 بدعم المشروع، الذي من شأنه نقل 850 ألف برميل يومياً من نفط ألبرتا في كندا إلى مجمع كوشينغ في ولاية أوكلاهما، ومنه إلى خليج المكسيك حيث يوجد أكبر تجمع للمصافي هناك.
وهذا الأنبوب، لو تم بناؤه، فهو أيضاً مضر بدول الخليج، ويأخذ من حصتها مباشرة، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في أي دولة يمكن أن يصدر إليها عبر خليج المكسيك، بسبب تقارب نوعية النفط الذي تصدّره دول الخليج إلى الولايات المتحدة مع النفط الناتج عن وصول الأنبوب إلى خليج المكسيك.
وصول كميات إضافية من النفط الكندي إلى خليج المكسيك مفيد للأميركيين من ثلاث نواحٍ:
1- حصول المصافي الأميركية على نوع مرغوب من النفط بسعر منخفض نسبياً.
2- تصدير الولايات المتحدة المزيد من البنزين الطبيعي (وهو نوع من الغازات السائلة التي تُنتج بكثرة من الصخري) إلى كندا لمزجه مع الرمال النفطية لتسهيل انسيابه ونقله.
3- مزجه مع النفط الخفيف جداً لإنتاج نفوط ترغبها المصافي وتحقق أسعاراً أعلى. عملية المزج هذه تمكّن بعض المصافي من إنتاج نفوط تحل محل نظيرتها المستوردة من دول الخليج. باختصار، يخفف هذا الأنبوب من اعتماد الولايات المتحدة على نفوط الشرق الأوسط وفنزويلا.
النفط الكندي بين السياسة والبيئة والقانون
تلقت خطة الرئيس الأميركي ضربة موجعة الأسبوع الماضي من المحكمة الفيدرالية في الدائرة التاسعة، التي رفضت تجميد قرار محكمة أدنى، وهو ما أوقف عملية التسريع في بناء الأنبوب التي أمر بها.
وسبب تأييد المحكمة العليا لقرار التجميد، هو أن الحكومة وشركات النفط لم تقدم ضمانات كافية لمنع حدوث كارثة بيئية في الأنابيب الممتدة في أرضية البحيرات، التي سيمر بها الأنبوب. وقانوناً، إذا لم يرفع الأمر للمحكمة العليا للولايات المتحدة، فإن الأخذ والرد بين كافة الأطراف المتنازعة في محكمة الدائرة التاسعة سيأخذ أشهراً، وهنا تكمن مشكلة أخرى؛ فالانتخابات الرئاسية الأميركية ستكون بعد نحو ستة أشهر من الآن، وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي كان نائباً لأوباما، يعني قراراً رئاسياً بوقف الأنبوب، تماماً كما فعل أوباما. أما إذا ربح ترمب مرة أخرى، فإن الأمور ستظل في المحاكم لفترة، ولكن يبدو أنها ستنتهي بالمحكمة العليا. ويعني تأييدها للأنبوب أنه قرار نهائي وسيتم بناؤه وسيحقق ترمب ما يريد.
ولكن حتى فوز بايدن ووقفه إكمال الأنبوب تماماً، لا يعني بالضرورة توقف وصول النفط الكندي إلى الأسواق، حيث سيتم نقل جزء كبير من الكمية التي سينقلها الأنبوب بالقطارات، وإذا كانت الفروق السعرية مرتفعة، سيتم نقل بعضه بالشاحنات. كما أن رفض المحكمة العليا للأنبوب، أو إيقاف بايدن له سيشجع الحكومة الكندية، ربما بمساعدة الصين، على بناء أنبوب “ترانس ماونتين”، الذي سينقل نفط ألبرتا إلى الموانئ الكندية في غرب كندا، ومنه إلى الأسواق الآسيوية، رغم معارضة حماة البيئة والسكان الأصليين في بريتش كولومبيا.
لا شك أن بناء أنبوب “ترانس ماونتين” سينعش صناعة النفط الكندية بشكل كبير، ولعقود مقبلة، إلا أنه سيغير موازين التجارة العالمية، لأنه سينافس النفط الخليجي، خاصة الكويتي والعراقي، في الأسواق الآسيوية.
خلاصة الأمر، قيام ترمب ببناء الأنبوب يضر بدول الخليج، بينما مَنع بايدن له لصالحها، وقيام كندا ببناء أنبوب ترانس ماونتين ضد مصلحتها أيضاً. المثير في الأمر، أن الحركات البيئية المعادية للنفط التي تقف في وجه صناعة الرمال النفطية في كندا، وفي وجه بناء أي أنابيب بها تساعد دول الخليج في تسويق نفطها دون إرادة منها.
المصدر : أندبندنت