كريتر نت / كتب- فضل سعيد شائف
لا أدري بماذا أبدأ؟ وماذا أقول؟ أنعيك أم أنعي نفسي، أم أنعي زمناً كانت لنا فيه أيام جميلة بجمال أصحابها منهم من غادرنا ومنهم من ينتظر ،إنه زمن سنوات و زهرات شبابنا وعطائنا ، إنه الزمن الجميل ( مع بقاء الأمل بأن القادم هو الأفضل ) .
رفيق دربي لا أدري ماهي الكلمات التي تناسب أخلاقك وابتسامتك و نكاتك و مرحك و أدوارك المتميزة؟ التي أديتها بشرف واعتزاز، كنت شاباً تصغرنا سناً ولكن ليس بذلك الفارق الكبير بين أعمارنا ، كانت سنوات الشباب قد جمعتنا بنفسيتها و رحابها و ريحانيتها ،أيامها و لياليها بأفراحها و اتراحها ، كنا نكوَّن فيها فريق عمل دون أن نشعر بفارق المرتبة أو المنصب إلا بقدر احترامنا لها ودون أن يشعرنا أصحابها بروح العظمة والتكبر كنا ندندن معا ونمرح معا و نتناقش معاً وكان همنا المشترك هو العمل والموقف منه هو الذي يجمعنا في مقرٍ واحد لا حواجز شخصية ولا حدود ولا فروق بيننا إلا بقدر ما أسلفت ، أتذكر أستاذنا القائد القدير صالح مقبل مثنى الشاب الخلوق الذي أضاف لنا روح ونفس وحيوية و عقلنة وبصيرة في العمل ووئام ، وصاحب التاريخ النضالي المنير والصوت الجميل أحمد قاسم دبه ، والمدير الناجح والمثقف الناضج محمد مقبل محسن ، والشاب السامي في الأخلاق ورجاحة العقل ، نجيب قاسم الدنبوع، أتذكر مهدي علي الدعجري القائد الشبابي الخلوق ، و مثنى ثابت زيد الرجل الإنسان وأتذكر ثابت علي صالح الشاب الرائع – رحمة الله تغشاهم جميعاً وأسكنهم فسيح جناته- وأتذكر من الأحياء وهم كثر الرفيق عبدالقادر النهاري ،و حيدره صالح علي، ومحمد فضل علي، وناجي أحمد محسن، وناجي أحمد ثابت، وعلي أحمد جابر، هؤلاء الذين كنا أكثر مجالسة بحكم عامل السكن الواحد، (ورفاق كثر آخرون جمعتنا ظروف العمل والموقف العام أستسمحهم عذراً لعدم ذكر أسمائهم ) كنا نداوم الصباح في المقر ونمضي عصر أكثر الأيام بجواره و ننام على سطحه ، كانت قلوبنا قريبة إلى بعضها لا نَمِل من بعضنا كأننا أسرة واحدة، كان قد جمع شملها الموقف الواحد والمحبة لبعض ، لقد كُنْتَ الأكثر مرحاً بيننا، وكنت ضارب دفة الإيقاع لعملنا الدائم ، كنت سيمفونية الحب المشترك وكنت حينما تبدو السّحب تحجب رؤية القمر والنجوم ، كنت أنت من يفكفك طلاسمها ويدرك تقديرات منازلها ، أنت (والقشدة) ناجي أحمد ثابت، كنت وكنت و كنتما بلسم تلك الأيام بظروفها والمعين الذي لا ينضب بحكم سرعة البديهة التي تمتلكانها ، كنت من يجعلنا نتماها في ضحكنا وبكل أريحية وحب ، كنت الصندوق الأسود لمنظمة الحزب ردفان ، كنت وكُنتَ كلك أخلاق وذوق ومحبة كنت شاباً طموحاً ، وكنت كبيراً في حيويتك و مسؤوليتك عن عملك ،كنت صالحاً في كل شيء كأن والدك رحمة الله تغشاه عندما اختار اسمك قد فطن أمر حياتك .
رفيقي لقد كانت الظروف هي من حرمتك من استكمال حقك في التعليم وفضلت أن تضحي مؤقتاً لكي تعمل من أجل توفير لقمة العيش لوالديك وإخوتك القُصّر ، ضحيت ولم تستسلم لواقع كهذا كما هو حال الكثيرين بل كنت مقاوماً لذلك ، أنهيت الثانوية العامة بالانتساب ودخلت الجامعة إلى أن أصبحت أحد أعضاء هيئتها التدريسية ، كنت صاحب إصرار و عنيدا عندما يكون الأمر داخلاً في إطار التحدي كنت قد كل تحدٍ تقابله ، كنت صاحب رؤية بعيدة، كان رفاقك و زملائك يقرؤونها من عينيك حينما كنت في بعض الأحايين تجلس تفكر كأن شيئ ما هو شاغلك ومع ذلك لم نفطن إنك كنت تذهب بفكرك بعيداً وبعيدا لترى ذلك الوميض الذي يلوح في مخيلتك عن أحلامِ وخططٍ مستقبلية تختمر في دماغك ترسم من خلالها خطوات قدميك لتحقيق ذلك الطموح المستقبلي منذُ ذلك الزمن المبكر الذي أدركت فيه بأنه لا مستقبل إلا بالتعليم و بالتعليم يُبنى الإنسان وبالإنسان السوي المتعلم تُبنى الأوطان وما عداها يظل جزء من الحماقات كالقفز إلى المجهول ..
زميلي و رفيقي منذُ منتصف السبعينات ولما يقارب 45 عاماً إذا لم تخنِّ الذاكرة كنت خلالها ذلك الناشط والقائد الحزبي الميداني شبابياً وحزبياً سطرت خلالها لوحةً جميلةً بعملٍ شريفٍ و زهدٍ وكنت مثالاً لذلك المناضل الورع النشط وبمثالية الصابر صاحب الأخلاق العالية لقد أحببت الناس وبادلوك حبهم وحظيتَ بأصوات الغالبية في انتخابات المجالس المحلية عام 2000 وأصبحت الأمين العام الأول لأول مجلس محلي في مديرية ردفان قدمت خلال فترة تحملك ذلك المنصب عصارة جهدك وتمسكت بمنهاجية احترافية في تأدية الواجب.. لقد كنت السياسي صاحب الحضوة وأنت تقود ورفاقك مسيرات الشرف لإخراج رفاقكم وزملاءكم من سجن سلطة 7 يوليو في الحبيلين عام 1998 وكسرتم فيها حاجز الخوف الذي كان مخيماً على الكثيرين، لقد كنت أحد قادة منظمة الحزب الرائعين الذي أسهموا بإعادة بناء منظمة الحزب بعد حرب 1994 ولازلت إلى الأمس وأنت تبذل الجهد لإعادة تنشيط أوضاع منظمة ردفان انطلاقا من موقعك الحزبي كسكرتير ثاني للمنظمة.
تحية إليك ورحمة الله تغشاك وأنت تنام نومك الأبدي تحية لروحك وهي تصعد إلى خالقها مرتاحة الضمير نظيفة اليد طاهرة القلب مؤمنة بالله وقدره خيره وشره ،مرة اخرى لروحك الطاهرة الرحمة والمغفرة بأذن الله ..تعازينا لأولادك وإخوانك وأهلك وذويك كافة وإنا لله وإنا إليه راجعون.