الهدف السياسي لسلاح “حزب الله” ليس غامضاً في لبنان ولا في إطار المشروع الإقليمي الإيراني
رفيق خوري
أيام الوصاية السورية كنا نقول إن لبنان “ممسوك وغير متماسك”. هذه الأيام صار الوضع أخطر وأسوأ، حيث لبنان “لا ممسوك ولا متماسك”. وما جرى على الأرض في الأسبوع الماضي برهان مكرر بأشكال عدة على أن الوطن الصغير لم يخرج من الحرب بالمعنى الحقيقي، ولا يراد له الخروج وتعلم الدروس. فلا هو أخذ برأي جاك بيرك، الذي دعا إلى “رؤية الحقيقة من كل الزوايا ودراسة كل أسباب الحرب للتوصل إلى حلول”. ولا هو بدا محصناً ضد إشعال فتنة طائفية ومذهبية، حتى تحت أثقال الأزمات المالية والاقتصادية التي قادته إلى هاوية الإفلاس. لا تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي قاد إلى التحرر الوطني، ولا “ثورة الأرز” حقّقت شعار “العبور إلى الدولة”، لأن مصالح القيادات وحساباتها الفئوية أهدرتها، ومواجهة الرافضين لها انتهت إلى ما سمي “ربط النزاع” أو “تنظيم الخلاف”. ولا الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت في الخريف الماضي عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، والتي أخافت أمراء الطوائف، سمحت ظروفها وتعددية أطرافها بالاتفاق على مشروع سياسي تغييري أو بدت عصية على “الاحتواء” والاختراق.
والكل في رهانات متناقضة على تطورات وتحولات في الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. رهانات لم تمنع، إن لم تدفع، نحو المزيد من التهافت على المال والسلطة قبل أن تتغير الدنيا بما يفاجئ أصحاب الرهانات على اللعبة الإقليمية والدولية، التي تدخل مرحلة حاسمة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وليبيا وبالطبع في لبنان. والمقصود هو ما يحدث في الصراع الأميركي- الإيراني، والصراع العربي- الإسرائيلي، ولعبة التمدد العسكري التركي في الأرض العربية بعد تمدد النفوذ الإيراني، والدوران حول الصفقة الكبرى بين أميركا وروسيا من أوكرانيا إلى سوريا.
ولا بأس في أن يتنفس البلد الصعداء لأن “القطوع مر”، كما قيل بقوة الخوف من الفتنة التي لا أحد يريدها حالياً. لكننا واقعياً في فتنة دائمة، وإن كانت ساكنة، ما دام إشعال النار ممكناً في أي لحظة بقرار من طرف قادر وله مصلحة لأسباب محلية أو إقليمية. فما شهدته البلاد من مواجهات بين شبان من الشيعة وشبان من السنة بعد استفزاز للمشاعر الدينية وشتم رموز أوحت أننا لا نزال نخوض “واقعة الجمل” التاريخية. واندفاع شبان من الشياح داخل عين الرمانة أعادنا إلى نقطة البداية في حرب لبنان و”بوسطة” عين الرمانة يوم 13 أبريل (نيسان) عام 1975. ولا أحد يصدق خرافة العناصر “غير المنضبطة” التي بدت مستنفرة بالمئات ثم “انضبطت” عندما طلب منها ذلك الذين يمونون عليها. فهل جاء كل هذا فقط في مناخ الإصرار على إسكات الأصوات، التي تطالب بنزع سلاح “حزب الله” وتطبيق القرار 1559 أم أن هناك أيضاً حسابات أخرى؟ وإذا كان ما حدث “جرس إنذار”، كما قال المسؤولون الكبار، فإن السؤال هو: إنذار لمن ما دام أصحاب السلطة مشغولين بالمحاصصة عن المعالجة الحقيقية للأزمات؟ هل تكفي عودة الهدوء؟ وهل يمكن الحفاظ على “الستاتيكو” المأزوم أم أننا نحتاج إلى “صدمة إيجابية” إصلاحية كبيرة، لئلا تأتينا “صدمة سلبية” في الداخل أو من الخارج؟
ما صدم الذين بنوا الحسابات على معاودة الثورة الشعبية السلمية انطلاقاً من 6/6 هو أن سلاح العصبيات الطائفية والمذهبية بدا أقوى من الرأي العاقل وحتى من الجوع، بحيث تدور المواجهات بين فقراء في الجانبين ينسون جوعهم ويدافعون عن الأمراء الذين جوّعوهم. والمعادلة التي أراد “حزب الله” تكريسها عبر التهديد بالحرب الأهلية لمنع أي مطالبة بنزع سلاحه هي: الثابت هو السلاح، والمتغير هو لبنان. والحجة بالطبع هي المقاومة والرد على أي اعتداء إسرائيلي وحماية لبنان بتوازن الرعب مع العدو. لكن المقاومة الدائمة مشروع سياسي. فلا شيء اسمه مقاومة للمقاومة من دون أهداف سياسية. وحين يكون العنوان هو “المقاومة الإسلامية” التي يقوم بها حزب مذهبي أيديولوجي مرتبط بولاية الفقيه وقادر على “عسكرة” طائفة، فإن الهدف السياسي ليس غامضاً، لا بالنسبة إلى النظام اللبناني، ولا في إطار المشروع الإقليمي الإيراني.
والمسألة ليست فقط وجود السلاح، بل هي أيضاً وظيفة السلاح. والظاهر حتى الآن هو دور السلاح في حرب سوريا وأبعد منها، وتأثيره من دون استخدامه في اللعبة السياسية في لبنان. والمخفيّ أعظم.
نقلا” عن أندبندنت عربية