ناهض الفاشية وعارض الشيوعية لكنه قسم أوروبا وأهدى الشطر الأكبر منها إلى ستالين
شون أوغرايدي
كُتبت عبارة “تشرشل كان عنصرياً” بالغرافيتي على التمثال الجميل للرجل الكبير في ساحة البرلمان.
كان ذلك عملاً تخريبياً صغيراً ضمن الصورة الكبرى للأمور، ولكنه مؤسف أيضاً، على عكس تحطيم تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون في بريستول، لأن رئيس الوزراء في زمن الحرب كان بالطبع بطلاً وطنياً موقراً.
لذا تسبّب تدنيس تمثاله باستياء ونفور بعض الناس من القضية النبيلة التي يدافع عنها متظاهرو حملة “حياة السود مهمة”. وهذا ما فعله أيضاً الرجل الذي حاول حرق علم المملكة المتحدة المرفوع فوق قبر الجندي المجهول التذكاري في وسط لندن، فقد كان ذلك فعلاً مدبّراً بقصد إحداث صدمة.
من الواضح أنّ ادّعاء عنصرية تشرشل كان بصورة متعمّدة فعلاً صادماً، غايته شدّ الانتباه، ونوعاً من السياسات التي ترمي إلى إثارة الصخب، كما حدث عندما وضع شخص كمية من العشب على شكل تسريحة شعر “موهيكان” على رأس تمثال الرجل الكبير نفسه خلال موجة احتجاجات سابقة قبل بضعة أعوام.
لقد نجا تشرشل من تلك الاحتجاجات، وسينجو من الاحتجاجات الحالية. وأعتقد أنه كان سيُعرب عن تقبّله إلحاق بعض الضرر الإجرامي بتمثاله وذلك من خلال عبارات غاية في الطرافة تمثّل رداً قاصماً، لا سيّما أنه من المؤمنين بحرية التعبير، كما كان على أية حال، حتى في هذا الوضع غير الطبيعي. والحق أنه كان مغامراً نوعاً ما وليبرالياً متشدّداً في سنوات شبابه، مستعداً للمخاطرة بعض الشيء (يُقال إنه كان يريد الحضور شخصياً لإنزال نورماندي حين كان يَبلغ من العمر 70 سنة). وكان هو نفسه سيدنّس بسرور تمثالاً لو رأى ذلك ضرورياً.
رُفع الستار عن تمثال تشرشل عام 1974 للاحتفاء بمرور 100 عام على ولادته. وكان من المقصود أن يظهر فيه وهو يقف وقفة المتحدّي هذه وذلك لاستحضار رئاسته للوزراء في زمن الحرب، ولحظته الأروع عندما وقف في الوضعية ذاتها متحدّياً القصف الألماني على لندن بصفته زعيم الأمة التي واجهت وحدها النازيين. وأنتم تعرفون بقية القصة، أو يجب أن تعرفوا. لقد كان معادياً للفاشية، كخصومها الحاليين من أعضاء منظمة “أنتيفا”، بل كان الناشط الأصلي المناهض للفاشية حقيقةً باعتباره كان الصوت الوحيد الذي حذّر من مخاطر أيديولوجية هيتلر في ثلاثينيات القرن الماضي. ويا للدهشة، فقد حمله ذلك إلى تشكيل حلف حتى مع روسيا الشيوعية
ومع ذلك، كان تشرشل إمبريالياً من الطراز الإدواردي القديم، حتى بمعايير عصره. فقد قاوم، على سبيل المثال، منح الاستقلال أو حتى الحكم الذاتي للهند لفترة طويلة بعدما أصبح ذلك حتمياً.
قاتل عندما كان شاباً في الجيش البريطاني للدفاع عن الإمبراطورية في الهند والسودان وجنوب أفريقيا، أي انخرط في مسعى عنصري بنهاية المطاف. لكن الأمر الأكثر شهرة هو عندما أجاز تشرشل، كوزير في الحكومة، قصف المتمردين في العراق ودعم قوات “بلاك أند تانس”، البريطانية غير النظامية التي حاولت (وفشلت) في منع الاستقلال الأيرلندي.
لا يمكن لشخص له هذه المسيرة المهنية الطويلة ذات الأهمية البالغة، التي كانت لتشرشل، أن يكون خالياً من العيوب. فقد اشتهر بتضارب سياساته، وبتغيير الحزب والنهج السياسي ليتناسب مع نفسه، وربما هذا هو الأمر الوحيد الذي يشترك فيه حقاً مع بوريس جونسون خليفته وكاتب سيرته الذاتية.
لقد كان عنصرياً، لكن أيضاً مناهضاً للفاشية. وكان معارضاً للشيوعية بضرواة، ومع ذلك قسّم أوروبا وأهدى الشطر الأكبر منها إلى ستالين.
حاول عددٌ من المؤرخين أن يفهموا الرجل وزمانه، وتُعدُّ عبارة “تشرشل كان عنصرياً” جزءًا من الحقيقة حول الرجل، لكن جزءًا منها فقط.
لذا من الأفضل الاحتفاظ باسمه فقط على قاعدة تمثاله، فهو يتحدث عن نفسه. ربما يمكننا جميعاً الاتفاق حول ذلك.
نقلا” عن أندبندنت عربية