سالم فرتوت
كادت تكلفه حياته في وسط ظلمة كثيفة في تلك الدكان التي اقتحمها للمرة الثالثة تلك الليلة ليلطش خمسمائة الريال التي يتفاءل بها التاجر فريد فيترك واحدة منها في درج دكانه
انتبه البخاش -كما يلقبونه- ذو الثامنة عشرة عاما الذي ابتلى بآفة القات منذ شهور للورقة الزرقاء، وفكر في سرقتها على ألا يخلف اثرا !فالتاجر كان يعتمد عليه أحياناً ،ولايبخل عليه بكيس شمة
او بالمئة واحيانا المائتين ريال، . وهاهي ذي خمسمائة تغريه بسرقتها فقد كانت اكبر فئة نقدية في البلاد حينها.
كان يقف وبداه على منضدة الدكان من الخارج تمام العاشرة ليلا ،والتاجر يحصي نقوده ..ثم يترك الورقةالنقدية التي يطمع في أن يجمع منها الكثير وهو يقول :(بركة بكرة) وطلب منه ان يغلق نافذة الدكان الجانبية وتأكد وهو يهم بمغادرة الدكان من أحكام اغلاقها ،ورغم ذلك دخل اللص منها. لكن كيف ؟
لا لايمكن! احتار التاجر الشاب حتى أنه شك في انه ربما نسي البارحة ان يضع ورقة تفاؤله. ولكني تركت المبلغ انا متأكد لابد ان عفريت دخل دكاني -اعوذ بالله –
لم يعلم أحدا بالأمر،حتى إذا حان موعد إغلاق دكانه في العاشرة ليلا استثنى من نقوده ورقة من فئة خمسمائة الريال كالعادة، بسطها في درج منضدة الدكان ،وكتب تركت اللية بركة الدكان في( المقل)! طوى الورقة وضعها باحد الرفوف.
وعندما فتح دكانه في الثامنة صباحا سارع إلى الدرج ولم يجدها تلفت إلى رفوف دكانه يبحث عن اثر لسارق فلم يجد فبضاعة الدكان كما هي، والباب ليس به كسر ،وكذا النافذة غير المشبكة بالحديد لان النسوان الكهلات والعجائز يأتينه منها ليشترين.
لابد ان لصا محترفا ياتي دكانه من بابها مستحدما مفتاحا سحريا ،أو ساحر يستخدم عفريتا.وإلا كيف لبشري أن يدخل من غير أن أثراً يدل على فعلته.
اخبر اخاه م الذي يصغره بخمسة أعوام قائلاًله، وهو يبتسم:(اسمع يا عمار انت مرة خرجت تتحدى البسم الجني اللي كلم ابني مختار وهوه في ا المخرط .شعه يدخل دكاني ويسرق).
وكان الجني في هذه الأثناء مستلقيا على فراشه تحت المروحة فى بيته مرتاح البال فحق قاته في جييه ،سيتناول القات اليوم وغداً،وسبظفر بنشوته التي يرى فيها كل احلامه سهلة التحقق ، وأحس بالزهو لظنه هو البليد في الدراسة من الذكاء بحيث لن يكتشف احد امره !فهو يمد يده إلى الورقة الحبيية إلى نفسه التي تمكنه من قات يومه فقط ولم يترك مايدل عليه .
ويأتي ظهرا إلى مجلس يجتمع فيه عدد من من مخزني حارته من اعمار مختلفة ،تسودهم الالفة والمودة والتسامح طالما فعلت اوراق القات فعلها في نفوسهم. ووجدت نفسك مع اناس من طينة خاصة! حتى إذا حان المغرب انصرف كل منهم إلى بيته!ط.
ويعود البخاش إلى بيت امه منتشيا متخففا من أي عبء ..وتتحقق احلامه بحياة سعيدة مع امرأة جميله،لكن في الخيال .فهو قد ركن إلى اوهام القات ونشوته .ومن أجل ان يكون في متناوله- كل يوم- وجدته يعمل اعمالا عضلية في المزارع وفي البناء ،اويعتمد على امه وإخوته الذين استقل كل منهم بيته،أو يضطر ليشحت.
وأخيراً اعتمد على الخمسمائة التي يتركها التاجر في درج دكانه ليمتلئ بنظيراتها.
وخيل للتاجر بأنها خلال اليومين الماضيين ماعادتﻻتطرق دكانه بسخاء .ولابد من التصدي للص ولبكن عفريتا ! فالعفريت جبان وعمار أخوه ذو البأس قد تحداه ذات ليلة :(اتحدى أبوك تخرج كيه عر لانته جني ا نا ستين جني).
وقال له عمار وهويعاين النافذة المسنطيلة افقيا :(كلها هنجمة
على شان يفزع مني بني الأنس .)،ثم بعد ان عاين النافذة من الخارج قال :(من هنا يدخل اللص .الليلة سننتظره،ويا ويله مني)!
لكنه لم يأت.كمنوا له في الدكان منذ الثانية عشرة ليلا حتى أذان الفجر.
وجاء هو ظهرا بسلة بلاستيكية ملأى بالقات ..وانتشى وتذكر أنه ظهر اليوم هاتر جاره الكهل ..واعلم الآخرين واستأذنهم ليعتذر (لعمي عبدالله انا غلطان نتنازع انا وهوه على زغط خليه يشله).
لماذا لم يسر البارحة ليقتحم تلك الدكان. .لابد ان السارق ساحر..بلغه ان الجماعة كانوا في انتظاره.
وانتظروه الليلة الرابعة ،كان صاحب الدكان وأخوه الشديد يغتليان من حر الصيف والحقد .
مرت ساعة والثانية .
وفي الثالثة سحرا جاء الساحر . .والقرية تشخر قي نوم عميق ملفعة بالظلمة. وفي ظلمة اشد في الدكان اتكأ الشقيقان بظهريهما على ثلاجة الفريزر في انتظار اللص العفريت. .وقد تخيلاه في وجوه اصحاب السوابق وغيرهم ،البخاش الهادئ الأمين لم يخطر بباليهما البتة!
ومشط هو الطريق قبل أن يفتح النافذة من يسار الدكان ويمينه،ثم أصغى إلى الدكان، لم يبلغ سمعه همسه او صوت دوران المروحة ،لأن الحر شديد هنا خارج الدكان ما بالك بداخلها.لكن الشقيقان تحملاه ليضبطا هذا الذي يقتحم دكانهما.إنه ليستحق الموت !
وأخذ يدفع النافذة بيده اليسرى حتى إذا احدث فراغا تحتها ارسل حديدة بحجم قلم . الرصاص معقوفة من الامام إلى أمان مزلاجها الجانبي أخرجه منه ثم شد المزلاج للاعلى فصدر صوت خفيض منه ،والقاه خارجه والتاجر يضغط على فخذ أخيه اشارة ألا يتسرع ..صعد رجله اليمنى على الجدار ثم صعد الأخرى ورفع النافذة انحنى ليدخل منها ..وقف على ثلاجة الفريزر بقامته الطويلة برهة ،وفي برهة أخرى وجد نفسه يتحسس درج المنضدة حيث تنتظره حلوته ،ويفاجئ قبل أن يضعها في جيبه بضربة عصا عنيفة على كتفه ،من يد عمار قاسي القلب، أن منها أنينا موجعا ..وحاول الهرب، فتلقى لكمة من فريد ..وضربة عصا أخرى طالت جبينه. .كان يريد أن ينفذ بجلده قبل ان يتلقى الضربة القاضية بتبين شخصه..ولانه قوي البنيان انفلت منهما وتوجه نحو النافذة التي اغلقها فاصطدم جبينه بها شداه من قميصه ومعوزه فوقع على كيس دقيق، وكان يترنح.تحسس الأخ الأكبر زر المصباح فأضاء الدكان ،ولم يصدق عيناه (هو أنت)! آه هو الذي يثق فيه ،ويعتمد عليه ..ومازال عمار ينهال عليه باللكم والركل ..حتى أنهك ! فلفا حبلا حول يديه وجذعه ،ثم طلب التاجر من أخيه أن يصحي تسيبهما ليروا ماذا يفعلان به ؟فقال هذا بعد ان وصل الدكان :(أفعلوا به كذا ..السارق اسوأ من ال …..).
طبعا استخدم الالفاظ السوقية،وبدا كما لو أن عمارا صدق فشرع بتجريده من معوزه ..وبكى وهو يقول 🙁 لا ياعمار اقتلني ولا ….) .وضحك الرجل الأربعيني ولكنه ضحك كالبكاء وقال له:(عادك باتسرق ولا حلاتك).
وقال وهو ينشج :(حلاتي والله بابطل القات ).وسأله صاحب الدكان :(ليه مش جيت البارح)،قال:(امي اشتاهرت واعطتني الف.ليه عادني اسرق؟
:(اسمع بوك كان يقول لاخوانك: ياعيالي احسن من السرقة ان تت…).
كان الخجل يكاد يقتله ! قال المدكن:(بانوديه الشرطة من شان يقطعوا يده).وعاد وأجهش بالبكاء ،فقال نسيبهما :(خلاص هذي المرة له احتراما لأهله الطيبين .لانته مش في الحمار في سواقه).
وفكوا الحبل من جذعه ،وخرج من الباب مثقلا بالعار!